القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

الحراك لفك حصار غزة

الحراك لفك حصار غزة

د.عصام عدوان

تشتد قساوة الحصار المفروض على قطاع غزة في الأوقات الراهنة بفعل ثلاثة عوامل مجتمعة: القرار (الإسرائيلي) باعتبار غزة كياناً معادياً، وسلطة فتح في الضفة باعتبار غزة إقليماً متمرداً، والسلطة الانقلابية في مصر باعتبار غزة قوة داعمة لإخوان مصر المنوي إقصاؤهم. بمقدور مصر وحدها أن تجعل الحصار في خبر كان لو أرادت. لكنها اليوم لا تريد فك الحصار، بل تشدِّد الحصار وتهدم الأنفاق وتغلق معبر رفح وتجرف الأراضي المصرية المحاذية للقطاع لتجعل منها منطقة حرام. الانقلابيون في مصر يهدفون إلى إضعاف أو كسر شوكة حماس التي تدير قطاع غزة، وهذا بالتالي تضعف شوكة المقاومة لصالح التطبيع مع (إسرائيل) وتوطيد "السلام" معها، وهي بذلك تستدعي الدعم الأمريكي والصهيوني لتثبيت الانقلاب في مصر. الإعلام المصري يدفع بقوة في هذا الاتجاه، ووجدت حركة فتح فرصتها للانتقام من حماس بعد أن فشل محمود عباس في العودة إلى حكم القطاع على ظهر دبابة (إسرائيلية) في نهاية عام 2008، وأواخر عام 2012م، إذ تحاول اليوم بكل قوة واندفاع العودة على ظهر دبابة مصرية مرتبطة (بإسرائيل) أمنياً واستراتيجياً. فما هو الواجب فعله تجاه هذا الوضع العدائي؟.

إن قطاع غزة في ظروفه الداخلية، وفي ظل ظروف إقليمية متوترة ليس في وارده استعداء أحد في الإقليم. والعمل العسكري كان ومازال ويجب أن يبقى موجهاً فقط ضد العدو الصهيوني وحده. وفي هذه الحال ليس أمام قطاع غزة إلا أن يدير عملاً دبلوماسياً وإعلامياً مكثفاً لمحاولة التخفيف من جدوى حصاره الثلاثي.

علينا أن نقر بأن الجهود المبذولة لكسر الحصار المصري على الأقل هي في حدها الأدنى، ويجب العمل على مضاعفة الجهد مرات عدة. وهذا يستوجب تحرك كافة أطياف الشعب الفلسطيني في غزة؛ الفصائل والمنظمات الأهلية والحقوقية، والنقابات، والجامعات وأساتذتها، والقضاة والعلماء، والشخصيات المستقلة والكنسية، والإعلاميون والمثقفون، والمخاتير، وحتى النوادي الرياضية، ومنظمات الطفولة والأمومة، وأصحاب الإعاقات الحركية والبصرية، وذوي الشهداء والجرحى، وتنظيم حراك هذه الطوائف والفئات في حركة دؤوبة لا تتوقف على مدار الأيام، لتتواصل مع سلطة فتح في الضفة، ومع المجتمع الدولي، ومع الإدارة المصرية القائمة، ومع الأحزاب والنقابات والمنظمات الأهلية والشخصيات الاعتبارية في مصر، والمصرية أيضاً خارج مصر. ومن المفيد توجيه قوافل التضامن مع غزة للتوجه إلى مصر لمقابلة المسئولين والقوى الشعبية والنقابية وخلق رأي عام فيها ضد حصار غزة.

يجب تغطية هذا الحراك الرسمي والشعبي الفلسطيني في سبيل فك الحصار إعلامياً، والتركيز الإعلامي على تفاصيل هذه الجهود، واستضافة القائمين عليها في مختلف الفضائيات المتاحة، وعلى إدارة القطاع أن تذلل لهم أية عقبات بمقدورها تذليلها، ذلك أن الحصار لا يطال حماس وحدها بل يتضرر منه كل أبناء الشعب الفلسطيني في القطاع، وهذا ما ضحى به محمود عباس بحيث أصبح عدواً لشعبه.

ومع ذلك فإن التواصل مع سلطة فتح يجب أن يقيم الحجة عليها، وأن يجتهد القائمون بهذا الحراك على تحييد العوامل السياسية، وبحث الأمور من جوانبها الإنسانية. ويجب أن يصبح هؤلاء على قناعة تامة بأنه ليست حماس هي من ترفض المصالحة وإنما حركة فتح التي لم يغادر فكرها لحظة الانتقام من حماس وإقصائها وتصفيتها بأي وسيلة كانت. فتح اليوم تقرأ هذه العبارات، وتستطيع أن تثبت خطأ هذا التصور الذي أدعيه، ولو فعلت ذلك سأكون أول المعتذرين والمشجعين لها على المضي في طريق المصالحة حتى يلتئم شمل الفلسطينيين. وإن عدم قيام عباس أو حركة فتح بأي خطوة إيجابية تجاه التخفيف على القطاع من شدة الحصار، فإنهم مدانون بخيانة شعبهم والتآمر عليه. وعلى طوائف وفئات الحراك الفلسطيني أن تسجل ذلك وتؤسس عليه مواقفها التي يجب أن تكون معلنة.

لم يعد مقبولاً من أحد اليوم إمساك العصى من المنتصف، وأصبح الصمت عن الجريمة جريمة مكافئة، وعلى الجميع أن يتحمل مسئوليته تجاه الواجب الوطني، وأي تخاذل يجب أن يكون مفضوحاً، وتتم إدانته على الملأ.