الحرب القذرة
على غزة العزة
بقلم: سيف الدين عبد
الفتاح
تعيش الأمة ضمن
عالم أحداثها لحظات كاشفة، إلا أن هذه اللحظات الكاشفة لا يمكن أن تؤتي أُكُلهَا
في التأثير في الأمة إلا أن تتحول كاشفيتها (أين المحنة التي تواجه الأمة؟) إلى
لحظات فارقة تفرق بين مرحلة مضت وأخرى آتية، "فارقة" فى تبين وهنَ
أمرها، ووهنَ تفكيرها وتدبيرها وعناصر تغييرها، وتفرق وتفرز بين إمكانات الأمة في
المواجهة والممانعة والمقاومة، وبين عناصر وآليات تخذيل الأمة ونشر اليأس في
أرجائها، والترويج للقبول الخانع والاستسلام الفاقع والفاجع.
هذه اللحظة
الفارقة لابد أن تتحول - وفق وعيٍ سُنني بحركة التاريخ - لتبحث في الشروط التي
تقوّم عناصر وهن الأمة، إنها لحظة التقاط العبرة في الخبرة والفكرة، تتحول فيها
هذه اللحظة الفارقة إلى لحظة مقوِّمة، تُقوّم ما نحن فيه وزنًا وتأثيرًا، وتقوّم
ما مرَّ بنا من مواقف واهنة وأنماط فاسدة في التفكير والتدبير؛ بحيث تشرع في عمليات
"إصلاح" حقيقية وجذرية للتمكين لشروطه وتفعيل مقوماته.
كانت عمليات فك
الارتباط للأنظمة بقضيتها الأم التي كانت من أهم أسباب حركات الاستقلال والتحرر من
الاستعمار والثورات "القضية الفلسطينية"، التي تحولت إلى ما صار يسمى
إعلاميا "النزاع الفلسطيني الاسرائيلي". واكتفت الأنظمة بحديث الضرورات
وانكفأت تمارس لغة شديدة الوهن والهوان تحت كلمات من زخرف القول "السلام خيار
استراتيجي" وحولت السلام من حالة وعملية إلى خيار بل وقرار مفروض وعدت فيه
الأنظمة الشعوب برخاء موهوم وإنجازات عريضة، وأخذ خيار المقاومة يتوارى والممانعة تنزوي
والمواجهة تغيب، ودلفنا إلى سكة أوسلو ومدريد وشروط الرباعية الحامية للإحتلال
المسوغة لكل اغتصاب، الحافظة لآخر الكيانات الاستيطانية وأمنه المزعوم فى مطالبة
من الطبيب المنتحل الدجال أن يتعايش الكيان مع سرطان خبيث يرعى فيه وينتشر، وصولا
إلى "العنف المتبادل" والقدس الشرقية هي العاصمة، ومسؤولية حماس عن
تدهور أوضاع القطاع، بل بدا للبعض أن يغير
من السنن الكونية والنواميس المرعية، بالاعتراف بالغصب والغاصب وحقه فى أن يقتل
ويدمر، وتقديم الشكر له على جرائمه في قتل أبناء الشعب الفلسطيني ناكرين عليه حقه
في المقاومة.
إن القضية
الفلسطينية أكبر من أي اتفاق أو ظرف سياسي تفرضه المعادلات السياسية ومعايير القوى
الإقليمية، وليس ضروريا بأن تتطابق حدود الدولة مع حدود الوطن، لأنه قد يكون مفهوم
الدولة في مرحلة معينة دون حدود الوطن، وبالنسبة للثابتين الصامدين يجب أن يبقى
حاضرا لديهم بأن الوطن الفلسطيني تمتد حدوده من البحر إلى النهر، وليس محصورا
بحدود تفرضها المعايير الدولية واختلال موازين القوى.
لا يستقيم مع
الانقلاب إلا الانبطاح والذل والهوان، وتغيبت معاني العزة والكرامة والنصرة؛ وتجلت
كل هذه المعاني وأكثر منها في الموقف الانقلابي ولا نقول المصري من العدوان
الإسرائيلي المتجدد على غزة العزة إذ خرجت علينا خارجية الانقلاب لتؤكد على
استنكارها للعنف المتبادل، أي عنف متبادل بين دولة غاصبة مغتصبة معتدية وشعب أعزل
يعيش بين سندان الاحتلال ومطرقة الحصار، ذلك الحصار الذي لم يتوقف يوما حتى أثناء
القصف الصهيوني المتواصل بالإعلان الانقلابي عن تدمير عشرات الانفاق متزامنا مع
قصف غزة المحاصرة.
ولن يكون
مستغربا الخطاب الإعلامي العاهر المتماهي مع هذا الموقف المخزي لانقلاب العار
والدمار للأمة العربية ولمصر والمصريين إذ تنافس الإعلاميون في إبراز الانحطاط
بالشماتة تارة أو بالاعتماد على القنوات الإسرائيلية كمصدر للمعلومة تارة أخرى
وصولا إلى الابتهاج بالقصف الإسرائيلي ووصفه بـ "الدك" أو حتى تقديم
الشكر لنتنياهو على ضرب غزة.واستخدام مهين من إعلام فاجر تاجر لكلمات العدو
وتوابعها وذراريها من خطاب التبرير والتمرير لإسرائيل وسياساتها وخطاب الذل
والانبطاح والإذعان لأفعال إجرامية إسرائيلية لا تواجه إلا بخطاب الشجب اللين وضبط
النفس والعنف المتبادل خطاب أبو غمزة "كده وكده" ،خطاب فاضح وكلام ماسخ.
ومن هنا نؤكد
أن الانقلاب الذي لا ينظر إلا أسفل قدمه وليست لديه أي رؤية للمستقبل لا لمصر ولا
للأمة، يرى مصلحته في ضرب غزة من جانب الإسرائيليين ويستغل ذلك لصوغ خطاب يرضي
سادته سواء بالحديث عن العنف المتبادل، أو عن الاستفزاز الفلسطيني لإسرائيل، وكذلك
بتبني رؤية "إسرائيل" نفسها لحل الصراع العربي الإسرائيلي لكي يحافظ على
وضعه ويقدم نفسه بأنه الحارس الأمين على مصالح "إسرائيل" والولايات
المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط ويحجز مسبقا موقعه ويقدم أوراق اعتماده ضمن
"كتابه الأسود" في تنفيذ مشروعات الغرب في المنطقة لضمان استمراره
وبقائه حتى ولو على حساب مصالح أمته وشعوبها.
يعضد من ذلك نجاح
أذرع الانقلاب الموصوفة بالمدنية في تزييف الوعي وقلب الحقائق وصناعة الكراهية لكل
معاني العزة والنخوة والشرف لأنها تذكرهم بما يكرهون، تذكرهم بانقلابهم وبجرائمهم
ومن ثم فهم يرغبون في قلب المفاهيم وإهدار منظومة القيم، ونسف المخزون الحضاري
وإعلاء قيمهم الخسيسة الضالة المضلة التي يجيدونها ويرغبون في هيمنتها على الواقع
المصري، فها هم يتبنون المنظور الصهيوني للأحداث ويروجون للقصة الإسرائيلية
للعدوان ويشمتون في مقتل الأطفال والشيوخ والعجائز والمعاقين، يريدون أن تسود
نظرتهم وأن تروج مقولاتهم وأن تهيمن قيمهم على المجال العام في الداخل والخارج لا
لشىء إلا لمحاولة إسناد تبريريهم لحرب على إرهاب محتمل يبدأ بالإخوان وينتهى عند
حماس فى سياقات أجواء شيطنة كل هؤلاء ضمن خطة جهنمية لا تخلو من تبييض صفحة الكيان
الصهيونى وسياساته فانقلبت مع انقلابهم المعايير فصار العدو منا فى الداخل وصار
العدو الخارجي فى مأمن بل ومحل تقدير يبدو ذلك في خطاب ود وغرام بين "إسرائيل"
ومؤسسات الانقلاب وإعلامييه.
معركة غزة
فاضحة كاشفة فارقة فضحت الحصار المتعمد والمقصود وكشفت المستور وميزت وفرقت بين
خمائر المقاومة الحقيقية ولغة الانبطاح الاستسلامية والتبريرية، فاضحة لمقولاتهم
وطروحاتهم وأنظمتهم الانقلابية وحركاتهم الأمنية، تماماً كما كانت رافعة حملت
القضية والأمة نحو محطة جديدة، سيكون لها ما بعدها من دون شك، فغزة العزة التي
أورثت "إسرائيل" الرعب، سطرت تاريخا من العزة والكرامة ليس لغزة أو
فلسطين وحدها ولكن للأمة جميعا، ولتثبت أن الإنقلاب لا يؤدي إلى خذلان الداخل وحسب
ولكن الانقلاب يورث الخزي والتخاذل والتراجع لكل معاني الكرامة في الداخل والخارج.
المقاومة
للانقلاب والمقاومة لإسرائيل يثبتان أن قدرات المقاومة تمثل فعل الأمة وفاعليتها،
وعز الأمة وحقائق تمكينها، هل تعلمنا درس المقاومة من خبراتها المتعددة على مر
التاريخ والتي استطاعت أن ترد العدوان على الأوطان استبدادا أو احتلالا وأن تحمي
شرف الأمة وكرامتها، أم أن البعض لم يعد يعرف لمعانى الشرف والكرامة والعزة معنى،
أنها المقاومة لا مساومة من أرباب السياسة القذرة وواقعيتها الواهنة التي في
حقيقتها ليست إلا سقوطا واهنا ووقوعا لا واقعية، ولا مقاولة للمنتفعين من هذه
السياسات في الحفاظ على كراسيهم، شاهت وجوههم وساء مايفعلون.
المصدر: موقع عربي 21