الحشد الفلسطيني في مهرجان صيدا أكثر من رسالة في أكثر من اتجاه
بقلم: أحمد الحاج*
للحشد الفلسطيني الذي تجمّع في مهرجان دعت إليه حركة (حماس) في
لبنان، أكثر من معنى، ويحمل العديد من الأبعاد. جاء هذا الحشد مشابهاً في دلالاته
للحشود في مخيمات لبنان التي صاحبت الانتفاضة الأولى عام 1987. يومها كانت
المخيمات الفلسطينية في لبنان محاصرة، والمقابر تضيق بساكنيها، حتى اضطر
الفلسطينيون إلى إنشاء مقابر جديدة على عجل.
كلّ ما حولهم كان يدعوهم إلى اليأس، والهجرة (إن أمكن الخروج من
المخيم)، والتشكيك بانتصار القضية. سمعوا، عبر الأثير، أن مظاهرات غاضبة خرجت في
جباليا وبلاطة وخان يونس، وكل مكان احتضن غضباً، فتفجّر كرامة. عاد جسد
الفلسطينيين في لبنان، وقتها، للحركة. الغضب تظاهرات في الأزقة، وفلسطين ينادونها
من خلف تلك الأسوار، متجاوزاً الصوتُ الحواجز. إنها المقاومة وقد نفخت فيهم أملاً.
واليوم، تجاوز الفلسطينيون في لبنان مآسي الغرقى في البحار، ومآسيهم،
إنها انتفاضة الأقصى، إنها المقاومة في حلّة جديدة. تجاوزوا أزقتهم وقد أغرقها
المطر في جوّ عاصف. تجاوزوا حصارهم بالحواجز والقوانين. لم يلتفتوا في لحظة تضامن
مع الذات إلى كل ذلك. إنه يوم المقاومة. فكان الحشد يليق بالمقاومة والانتفاضة
والوحدة ورائدة المقاومة؛ (حماس).
انبعث الجسد، بعدما ظنه غافلون أنه قد صار حطاماً. جهات في لبنان
تكاد لا تخفي أن علّة وجودها هو تحطيم الوجود الفلسطيني، من خلال قوانين جائرة،
وتصاريح عنصرية، وعرقلة أية معاملة آدمية للفلسطينيين. جاء الحضور الفلسطيني،
ليقول أنا أقاوم، أنا موجود، وعلى كل أولئك المصابين بفوبيا التوطين أن يعيدوا
قراءة المشهد الفلسطيني بعد هذا المهرجان.
هذا الفلسطيني لم ينبعث وحيداً أو مجزّءاً في هذا المهرجان؛ بل انبعث
موحّداً، من خلال حضور شكّل كل الفسيفساء الفلسطينية، بعلم واحد، يرمز لفلسطين
واحدة لا تعرف القسمة. ليس من المبالغة القول إن المهرجان أعاد للعلم حضوره، وهو
فرصة لانطلاق الألوان الأربعة مجتمعة، بعدما كادت تضيع في زحمة الانقسام.
الحشد الفلسطيني الذي كان، لا يمكن حصر تأثيره بالجانب السياسي، فله
أثر نفسي، ربما بخطوات مواكبة، يمكن أن يكون في الاجتماع والاقتصاد، أليس هناك من
اعتبر الأثر النفسي العامل الأول في التنمية الاقتصادية؟
الحشد الفلسطيني في مهرجان "بالوحدة والانتفاضة نحمي القدس
والأقصى"، بعث بأكثر من رسالة، لا تخطئها عين قارئ، ولم تكن مبالغة حين قال
بعض المراقبين إنه قد يكون لحظة تغيير، في المشهد الفلسطيني في لبنان على الأقل.
* كاتب فلسطيني