الحوار الفلسطيني ــ اللبناني: الاعتذارات لا تطعم تفاهماً
بقلم: علي السقا
لم تنفع مبادرات المجتمع المدني في إطلاق حوار فلسطيني ــ لبناني حقيقي. ما زال جزء يسير من الطرفين يعيش كأنّ الحرب الأهلية لم تنته. لماذا؟ هذا ما حاولت الدراسة التي أعدّها الباحث الفلسطيني جابر سليمان الإجابة عنه..
«قبل أن نتكلم على مكامن الخلل والتقصير في مبادرات المجتمع المدني الهادفة إلى خلق حوار فلسطيني ـــــ لبناني، أعتقد أنه يجب علينا السؤال عن الحوار. لا أعتقد أن اللبنانيين يريدون فعلاً الحوار مع الفلسطينيين». لم يكد « أبو جابر »، المسؤول السياسي في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، يكمل كلمته، حتى هبّ محسن زين الدين، ممثل «مؤسسة عامل» من مكانه، قائلاً: «لا أسمح لك بأن تتكلم بهذه الطريقة. أنا موجود هنا لأقول إني مع الحوار. المطلوب مني أن أضغط على حكومتي لإعطائكم (الفلسطينيون) حقوقكم وتتهمني بأني لا أريد الحوار؟». لم تستمر الجلبة كثيراً، إذ غادر زين الدين الجلسة. ما تقدم كان بعضاً من جوّ الندوة التي أقيمت أمس في فندق «غولدين توليب»، بعنوان «مبادرات المجتمع المدني في لبنان تجاه الحوار الفلسطيني ـــــ اللبناني والمصالحة وحقوق اللاجئين (منذ عام 2005)»، وهي عبارة عن دراسة أعدّها الباحث جابر سليمان، بتكليف من «المركز الدولي لأبحاث التنمية ـــــ كندا».
من خلال شرح موجز لمحاور الدراسة، خلص سليمان الى أن مبادرات الحوار، منذ عام 2005 حتى اليوم، أثمرت نتائج محدودة. إذ إنها لم تدخل عميقاً في العلاقة بين اللبنانيين واللاجئين الفلسطينيين. فـ«الصورة النمطية التي تشكلت في الوعي اللبناني عن الفلسطيني لم تتخلّص بعد من رواسب الحرب اللبنانية إذ بقي الأخير موضع ريبة». لم يوضح جابر معنى هذه الريبة وأسبابها. هل لأن الدولة ما زالت تنظر الى المخيمات بوصفها «مرتعاً» للخارجين عن القانون؟ أو مكاناً تنمو فيه الحركات الإسلامية المتشددة، كفتح الإسلام وعناصر من القاعدة التي تنطلق منها لـ«الجهاد» داخل الحدود وخارجها، كي تبقي الحكومة اللبنانية على منطقها الأمني في التعاطي مع الفلسطينيين؟
بأي حال، لم يكفِ «إعلان فلسطين في لبنان» في عام 2008، الذي قدم فيه السفير الفلسطيني السابق عباس زكي اعتذاراً لما سبّبه الفلسطينيون للبنانيين من ضرر عن وعي أو غير وعي، في إعطاء الحوار الفلسطيني ـــــ اللبناني الرسمي والشعبي الزخم المطلوب. صحيح أن هذا الإعلان قوبل بـ« اعتذار » مماثل من قبل 44 شخصية مسيحية، إلا أن هاتين المبادرتين بقيتا بحسب جابر، فوقيّتين غير نابعتين من المجتمع والقاعدة الشعبية. مكانك راوح. الفلسطيني ما زال يحيا في البؤس، واللبناني ما زال مقيماً في مخيّلته، وفي ما تمليه عليه السياسة التي يعمد أقطابها إلى استغلال الملف الفلسطيني، كل وفق مصالحه.
«حصيلة المبادرات كانت فاشلة، وآخرها التحرّك للاعتراف بحقوق اللاجئ الفلسطيني، أو ورشات عمل الحوار والتعارف التي تقام وتضم 60 شاباً وشابة لا يخلقون حالة حوار واسعة »، يفصح جابر. ويضيف إن الكثير من المبادرات التي قامت بها بعض الجمعيات اضطرّت إلى سلوك منحى واحد فرضته عليها الجهات المموّلة. «حل النزاعات » كان عنوان ورشات عمل الغالبية منها. حسناً، ماذا عن سكان المخيمات؟ هل ينفع أن يدخلوا في حوار حقوقي وسياسي وهم يعيشون أوضاعاً اقتصادية واجتماعية وصحية مزرية؟ بالطبع لا. إذ ليس من المنطقي، وفق جابر، أن نطلب مثلاً الى سكان مخيم نهر البارد الحوار، وهم بعد مشردون يشعرون يوماً بعد يوم بأن الحكومة اللبنانية لا تريد لهم العودة الى بيوتهم.
«نحن بحاجة إلى جمعيات أهلية محلية تتشارك في ما بينها لنتمكن من الحوار، من دون اللجوء الى منظمات خارجية تفرض علينا شروطها»، عقّب بسام حبيشي من المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان. اختلف ممثلو الجمعيات، من الحضور، في الاتفاق على أسباب الأزمة وكيفية الخروج منها. فقاسم العينا من «بيت أطفال الصمود» اقترح زيادة الروابط مع المؤسسات الدينية في لبنان، لأن الاخيرة تملك سلطة كبيرة تخوّلها دفع الدولة باتجاه مساعدة الفلسطينيين اجتماعياً. فـ «الفلسطيني المريض بحاجة الى دواء، لا إلى حوار في الحقوق». أما حسن مصطفى، فرأى أن الحلّ يكون بمصالحة فلسطينية لأن مسألة التوطين هي سبب رئيسي في الأزمة. ودعا وفيق هواري الطرفين إلى حوار حقيقي في كل شيء «ليعرف كل منهما ماذا يريد من الآخر». وكذلك إدوار كتورة الذي تساءل عن ضرورة إقامة الندوات نفسها، بوجود الأشخاص أنفسهم، عوضاً عن إقامة أخرى تذهب إلى القاعدة الشعبية مباشرة.
المصدر: الأخبار