القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الأحد 24 تشرين الثاني 2024

الدولة والعودة حقان لا يتعارضان

الدولة والعودة حقان لا يتعارضان

محمد خالد الأزعر

يتوجس البعض خيفة من احتمال أن تؤدي عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، إلى فقدان اللاجئين الفلسطينيين لحق العودة. وقد تفاقمت المخاوف بهذ الصدد، بفعل الفتاوى التي راح فقهاء ورجال قانون يتداولون فيها تبريرات وأسانيد حقوقية، توجب في نظرهم طي عودة اللاجئين إلى داخل إسرائيل، طالما أصبحت للشعب الفلسطيني دولة معترف بها وعضو في الأمم المتحدة، يمكنهم العودة إليها.

قد تكون لدى أصحاب هذا المنحى شروح معقولة لتحفظهم على الدفع بملف عضوية فلسطين إلى الأمم المتحدة، غير أن تعريض حق العودة الفلسطيني لخطر الشطب، لا يندرج ضمن المبررات التي يمكن قبولها أو تسويغها في هذا السياق، حتى من المنظور الحقوقي.

فمن ناحية، ليست ثمة قاعدة نظرية تقول بأن الحقوق الأساسية للأفراد أو الشعوب يجبّ بعضها بعضا، وأن تحصيل أو تأمين بعض هذه الحقوق، المضمونة بالمواثيق والقرارات ذات الصلة، يبطل بالضرورة أو الاحتمال حقوقا أخرى. لا نتصور مثلا أن الانتصار للحقوق المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كالحياة والتعليم والمأوى والعمل والتنقل والعودة، تخضع للانتقائية بحيث يخير المرء بين تحقيق بعضها، مقابل إلغاء أو التغاضي عن بعض آخر.

وعلى صعيد جماعي أوسع، لا نتصور أن يكون الاعتراف للشعب الفلسطيني بحقه في تقرير المصير، وبالتداعي حقه في الدولة المستقلة وعضوية الأمم المتحدة، سبيلا إلى القضاء على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة، طبقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194.. وذلك بذريعة أنهم جزء من الشعب الذي صارت له دولة مستقلة؛ عضو في الأمم المتحدة. فمن يقول بهذه الذريعة لا يعرض فقط حق العودة لخطر التشكيك والإلغاء، وإنما قد يتيح لإسرائيل ترحيل الجزء الآخر المقيم تحت سيطرتها منذ 1948، باعتبار أنهم بدورهم ينتمون إلى هذا الشعب! هل يعي أصحابنا هذا التداعي المدمر؟

ومن ناحية أخرى أكثر ارتباطا بالحالة الفلسطينية، يلاحظ أن قرار تقسيم فلسطين رقم 181 لعام 1947، الذي تضمن إنشاء دولة للشعب الفلسطيني، قد سبق صدور القرار رقم 194 لعام 1948، الضامن لحق العودة الفلسطيني. ومع ذلك لم يتطرق القرار الأخير، لا بالتصريح ولا بالتلميح، إلى أن عودة اللاجئين ستكون إلى الدولة الفلسطينية. لقد كان صناع قرار العودة على دراية بتخصيص شق من فلسطين التاريخية، يستطيع الفلسطينيون إقامة دولتهم عليه، ومع ذلك لم تجل في خواطرهم ولا ترجموا في قرارهم، فكرة عودة اللاجئين إلى هذه الدولة. والأرجح منطقيا أن النص على حق العودة الفلسطيني، جاء متسقا مع المبدأ الذي يقوم عليه هذا الحق عموما، وهو العودة إلى الأماكن التي أخرجوا منها كرها، بغض النظر عن وجود دولة فلسطينية من عدمه.

يتعزز لدينا هذا الفهم، حين نتذكر أن النص الأممي على حق العودة الفلسطيني، تكرر لاحقا لأكثر من مئة مرة، من دون أن يقترن تطبيق هذا الحق بقيام دولة فلسطينية. وفي ذلك حجة كافية للقناعة بأن المكان المرشح الوحيد لعودة اللاجئين، هو مساقط رؤوسهم ومراتع حياتهم التي غادروها في سياق حرب 1947/1949، وليس أي مكان آخر، ولو كان دولة فلسطينية تقام إلى جوار إسرائيل.

علاوة على ذلك كله، لم تعلق واحدة من الدول المعترفة بالدولة الفلسطينية راهنا (126 دولة)، خطوتها هذه على شرط تخلي الفلسطينيين عن حق العودة.. فمن قال إن قرار قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة سيكون مشروطا بمثل هذا التخلي؟

إن شرطا كهذا لا يمكن توقعه ولا افتراض وقوعه، لعدم حجيته وانتفاء منطقيته وصحته القانونية. ما ينبغي توقعه حقا والمجادلة به، هو أن حصول فلسطين على عضوية الأمم المتحدة، هو حق للشعب الفلسطيني المعترف له بتقرير المصير، وأن عودة اللاجئين إلى ديارهم هو حق آخر واجب التطبيق والنفاذ. أما كيفية تسوية وضع اللاجئين بعد العودة وبعد قيام الدولة الفلسطينية، فهو شأن آخر يمكن مناقشته في إطار التسوية العامة الشاملة والنهائية للصراع على أرض فلسطين. وهنا يمكن توقع حدوث مساومات وضغوط ومحاولات للمقايضة والمفاضلة بين الحقوق.. فالسياسة قد يكون لها رأي آخر غير ما يقوله القانون.

المصدر: جريدة البيان