الديموغرافيا الفلسطينية بعد 67 عاماً على النكبة
بقلم: نبيل السهلي
تعتبر قضية اللاجئين الفلسطينيين من أولى نتائج قيام إسرائيل قبل 67 عاماً،
وفي الوقت الذي تنفي فيه إسرائيل مسؤوليتها عن معاناتهم، تسعى جاهدة للخلاص من مشكلتهم
باعتبارها عنصر استمرار رئيسي للصراع العربي - الإسرائيلي، خصوصاً أن قرارات الأمم
المتحدة نصت على عودة اللاجئين إلى وطنهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم.
وتبعاً لبروز قضية اللاجئين، فإن هناك ضرورة ملحة لإجراء تقدير لأعدادهم
وتوزعهم بين فترة وأخرى، ما يكشف حجم المشكلة الناشئة نتيجة الطرد القسري الذي لحق
بنسبة كبيرة من الفلسطينيين عام 1948.
وتشير الإحصاءات إلى أن عدد سكان فلسطين كان في نهاية الانتداب البريطاني
مليونان ومئة الف نسمة، بينهم 30.9 في المئة من اليهود، و69.1 في المئة هم أصحاب الأرض
الفلسطينيون، أي كان هناك مليون و454 ألف عربي، في مقابل 650 ألف يهودي عشية النكبة
وإنشاء اسرائيل.
وقد لوحظ وجود ميل سياسي أثناء تقدير اللاجئين تبعاً لخلفية الباحث أو
الجهة التي أعدت تقديراً حول أعدادهم آنذاك، وقد راوح التقدير بين 960 ألف لاجئ فلسطيني،
وفق وكالة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين عام 1949، و940 ألفاً وفق الجامعة العربية،
و726 ألفاً وفق معطيات أخرى للأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة.
وتبعاً لحجم النكبة وتداعياتها على الشعب الفلسطيني، تحتم الضرورة تسجيل
التأريخ الشفوي للاجئين الفلسطينيين لدحض الرواية الإسرائيلية، وكشف مزيد من المجازر
التي ارتكبت بحقهم على يد العصابات الصهيونية.
وحول خريطة اللجوء بعد النكبة مباشرة، فإن من بين مجموع الشعب الفلسطيني
عام 1949 والبالغ مليوناً و466 ألف فلسطيني، بات نحو 736 ألفاً منهم لاجئين، و730 ألفاً
مواطنين أصليين في ديارهم. أي أصبح أكثر من 50 في المئة من سكان فلسطين العرب لاجئين،
استأثرت الضفة الغربية بـ 38 في المئة منهم في العام المذكور، في حين تركز 25،1 في
المئة في قطاع غزة الذي لا تتعدى مساحته 364 كيلومتراً مربعاً، وفي لبنان 13.6 في المئة،
وسورية 11.5 في المئة، والأردن 9.5 في المئة، ومصر نحو 1 في المئة، أما العراق فاستحوذ
على نحو 0.5 في المئة من إجمالي مجموع اللاجئين، وأغلب الذين تركزوا في العراق من قرى
قضاء مدينة حيفا.
ومنذ بروز قضية اللاجئين أصدرت هيئة الأمم المتحدة عشرات القرارات التي
تقضي بوجوب عودتهم إلى ديارهم، وتعويضهم عن الأضرار التي لحقت بهم نتيجة الطرد القسري
وتدمير قراهم. ورفضت إسرائيل تنفيذ القرارات الصادرة عن الشرعية الدولية، ومن أهمها
القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول (ديسمبر) 1948،
والقرار 302 الصادر في 8 كانون الأول 1950، والقرار 512 الصادر في 26 كانون الثاني
(يناير) 1952.
هذا إضافة إلى قرارات أخرى قريبة في بنودها لجهة تحقيق فرصة لعودة اللاجئين
إلى ديارهم وتعويضهم. ودخلت قضية اللاجئين الفلسطينيين مرحلة جديدة بعد دخول منظمة
التحرير الفلسطينية مفاوضات تسوية مع إسرائيل، وتوقيع اتفاق أوسلو في أيلول (سبتمبر)
1993، إذ أجّل المفاوضون من الطرفين قضية اللاجئين وغيرها من القضايا الجوهرية إلى
مفاوضات الوضع النهائي، وهكذا دخلت قضية اللاجئين في إطار عملية تسوية مؤجلة، رسمتها
الولايات المتحدة وبدأت أولى خطواتها في مدريد نهاية عام 1991.
ومنذ ذلك العام بدأت التصورات الإسرائيلية لقضية اللاجئين تظهر إلى العلن،
سواء تلك الصادرة عن مراكز البحث الإسرائيلية، أو أصحاب القرار، وكل تلك التصورات تركز
على إعادة تأهيل اللاجئين وتوطينهم في الدول المضيفة، وترفض مسؤولية إسرائيل عن قضية
اللاجئين وتبعاتها، ولكنها في الوقت ذاته تعتبر أن حلَّ هذه القضية مدخل لحل مجمل قضايا
الصراع العربي الإسرائيلي، في وقت يؤكد فيه اللاجئون الفلسطينيون أن حق العودة هو حق
شرعي ولا يتقادم مع مرور الوقت.
يقدر مجموع الشعب الفلسطيني خلال العام الحالي 2015 بنحو 12 مليوناً، منهم
ستة ملايين لاجئ، وثمة خمسة ملايين وأربعمئة الف مسجلون في سجلات الأونروا، 42 في المئة
يتركزون في الأردن، في حين تستحوذ غزة على 22 في المئة من اللاجئين، والضفة الغربية
على 16 في المئة، وينتشر 10 في المئة في سورية داخل المخيمات وخارجها، وكذلك الحال
في لبنان. وتتفاوت نسبة المقيمين في المخيمات التي تديرها الأونروا في مناطق عملياتها
الخمس، لكن مخيمات قطاع غزة هي الأكثر اكتظاظاً، تليها مخيمات لبنان وسورية والأردن
والضفة الغربية.
ويتضاعف مجموع اللاجئين كل عشرين عاماً. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك
نحو 270 ألف لاجئ فلسطيني داخل الخط الأخضر، يشكلون نحو 19 في المئة من إجمالي مجموع
الأقلية العربية في اسرائيل خلال العام الحالي، والبالغ مليوناً وأربعمئة الف عربي.
يبقى القول إن قضية اللاجئين الفلسطينيين تعتبر من أهم القضايا المؤجلة
إلى مفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، ففي الوقت الذي ظهرت
فيه التصورات الإسرائيلية إزاء تلك القضية إلى العلن منذ عام 1991، حصلت تحركات عدة
بين اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وداخل الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، تدعو
إلى حشد الطاقات الفلسطينية المادية والمعنوية والقانونية، لمواجهة التعنت الإسرائيلي
إزاء أهم قضية من القضايا الناشئة نتيجة إقامة إسرائيل في ظروف دولية استثنائية قبل
67 عاماً، فقضية اللاجئين طالت أكثر من ثلثي مساحة فلسطين التاريخية وكذلك النسبة الأكبر
من الشعب الفلسطيني.
المصدر: الحياة