الذكرى 56 لمجزرة كفر قاسم مجزرة الترانسفير أو تحديد
الهوية والمصير
ياسر علي/ لاجئ نت
حتى العام 1956، بقي الصهاينة يصورون
أنفسهم أمام العالم أنهم ضحية أمام اجتماع
وبربرية الدول العربية، وأن العرب الموجودين فيها هم من الإسرائيليين، دون تفريق
أو عنصرية.. وبقيت هذه الفكرة راسخة في العقل الغربي حتى ذلك التاريخ، حين تفتحت
عيون العالم على أقلية منسيّة ما يسمى ((عرب إسرائيل)).. الذين نكرر دائماً أن
التسمية الفلسطينية المتفق عليها لهم هي ((فلسطينيو 1948)).
حتى ذلك التاريخ، كان العالم يعتقد أن
أرض فلسطين بلا شعب، أو أنهم شعب عادوا إلى حمى زعمائهم وملوكهم الذين دعوهم إلى
الخروج من فلسطين (حسب الرواية الصهيونية)، من غير أن يدرك الغرب أن هناك حوالي
100 ألف لم يتأثروا بمجازر 1948 ولم يهربوا من قراهم ريثما تنتهي الحرب، كما فعل
750 ألفاً من اللاجئين.
واليوم، وصل عدد اللاجئين إلى خمسة
ملايين ونصف المليون، فيما وصل عدد المئة ألف المتبقّين إلى مليون ومائتي ألف،
شكلوا خطراً جديداً على الكيان الغاصب بات معروفاً بالخطر الديمغرافي الوجودي عليه.
أما البقية فهم من أهل الضفة الغربية وقطاع غزة والاغتراب، حيث أن عدد الفلسطينيين
في العالم يبلغ اليوم عشرة ملايين نسمة، يقوم الفلسطينيون بإحصائهم كل عام، كي لا
يفوتهم حق أحد حين تحين العودة المظفّرة إلى أراضيهم وممتلكاتهم. ولكي يظل شخصياً
أمام أعين العدو، أن العودة تعني إمكانية تواجد عشرة ملايين فلسطيني على الأراضي
الفلسطينية التاريخية من البحر إلى النهر.
وقد أنتجت هذه البقية شخصيات قيادية
بارزة من وزن الشيخ رائد صلاح والدكتور عزمي بشارة.
في الذكرى الخمسين للمجزرة، لم نكتب هذا
المقال الاستذكاري لاستعادة حزنها، ولكن للاعتبار منها، ولنقول أن فلسطينيي 1948
لم يتم الالتفات إليهم وإلى أوضاعهم حتى العام 1998. أي في الذكرى الخمسين للنكبة.
فقد بقيت قضيتهم المعروفة سياسياً، مجهولة على المستوى الاجتماعي.. وقد ساهمت
الفضائيات العربية في إطلاع العالم على أوضاعهم، بعد أن كانوا ((منسيّين)) نسبياً،
حتى ان فضاية أبو ظبي أجرت أول تحقيق لها عنهم بعنوان ((المنسيّون)).
وقد شهدت هذه الشريحة استعادة بصورة
واسعة، حتى في أوساط اللاجئين، الذين وثّقوا قراهم ومدنهم. ومجزرة بمستوى مجزرة
كفر قاسم، لم تشهد توثيقاً يليق بها إلا في السنوات الأخيرة، وبجهد بدأ فردياً من
الدكتور إبراهيم أبو جابر، الذي اعتمدنا في هذا المقال على موسوعته "جرح
النكبة" بشكل رئيسي.
والجدير بالذكر أن مؤسسة السينما
السورية قامت بإنتاج فيلم أخرجه اللبناني برهان علوية حول تفاصيل المجزرة
ودقائقها. أما غير ذلك فلم يتم توثيقه إلا مؤخراً على الورق والتسجيل الصوتي.
نشير إلى أن اللوبي الصهيوني في
الولايات المتحدة رصد في تسعينات القرن الماضي لمؤسسة توثق شهادات "الناجين
من الهولوكوست" بميزانية قدرها 200 مليون دولار. تحت إشراف المخرج العالمي
اليهودي ستيفن سبيلبيرغ.
مشهد
ليست هذه السطور التي في الفقرة التالية
مشهداً من فيلم برهان علوية، بل هو مشهد واقعي، فلنشاهده معاً:
..ثم جاءت السيارة مع البنات وهن يغنّين
ويطبّلن لأنهن غير عارفات بالحاصل في البلد... قالت واحدة منهن شوفن فيه ناس
نايمين على الشارع.. ردت أخرى هذول ميتين مش نايمين.. سكتن...
مشت السيارة ثم وقفت... حاولوا ينزّلوا
البنات... سمعن صوت يقول انزلن...ونزلن وهن يبكين... ثم سمعت صوت رصاص والصراخ
زاد... شوية هيك إلا وصوت واحد من ناحية مطعم السلام (محمد سليم) يصيح ويقول:
تعالوا طخوني... كملوا علي.. يا أمي يا حبيبتي... كان وقتها مرمياً بالقرب من بئر
الماء... ذهبوا إليه وقالوا له فضحتنا وطخوه...
سليم البشير كمان كان يصرخ ويبكي ويقول
يا مرتي (زوجتي) يا أولادي يا مرة (إمرأة) ديري بالك على الأولاد... بقي يصرخ حتى
مات....
هكذا لخّص عبد الرحيم سليم طه (أبو
اليزن)، في مشهد واحد مجزرة كفر قاسم.[1]
قرية كفرقاسم
قرية كفر قاسم، ترتفع 125 متراً عن سطح
البحر. مساحتها 58 دونماً. تقع في ظاهر كفربرا الجنوبي وعلى مسيرة 23 كم للجنوب من
بلدة طولكرم، وهي آخر عمل في قضاء طولكرم من الجنوب.. عدد سكان كفر قاسم في عام
1922 بلغ 622 شخصاً.. وفي عام 1931 بلغ 989 شخصاً. في 1/4/1945 قدروا بـ 1460
شخصاً.[2]
المجزرة
عشية العدوان الثلاثي على مصر، رأت قيادة
الجيش الإسرائيلي أن تفرض حظر التجول على عدد من القرى العربية. وفي 29/10/1956،
استدعى قائد كتيبة حرس الحدود يسخار شدمي، الرائد شموئيل ملينكي إلى مقر قيادته
وأبلغه المهمات الموكولة إلى وحدته والتعليمات المتعلقة بطريقة تنفيذها.. وطلب
شدمي من ملينكي أن يكون منع التجول حازماً لا باعتقال المخالفين وإنما بإطلاق
النار. وقال له: ((من الأفضل قتيل واحد)) (وفي شهادة أخرى عدة قتلى) بدلاً من
تعقيدات الاعتقالات. وحين سأل ملينكي عن مصير المواطن الذي يعود من عمله خارج
القرية دون أن يعلم بأمر منع التجول، قال شدمي: ((لا أريد عواطف)). وأضاف بالعربية
((الله يرحمه)).[3]
يمكننا الإشارة إلى فصول أربعة أساسية
لمجزرة كفر قاسم تؤكد أننا أمام جريمة منظمة وإرهاب دولة.
الأولى: مجموعة الأوامر التي صدرت قبل
المجزرة والتي مهدت لتنفيذها.
الثانية: المجزرة وأحداثها وبشاعة أعمال
القتل التي تمت بدم بارد.
الثالثة: المحاكمة الصورية التي انتهت بأحكام،
خُفِّضَتْ فيما بعد، وانتهت بعفو عام أصدره رئيس الدولة، ليتسلم بعدها المجرمون
مناصب رفيعة في الدولة.
والرابعة: المصالحة التي كانت وبكل
المعايير مذبحة أخلاقية ضد الضحايا وأسرهم وضد كفر قاسم بشكل عام.[4]
توجّه ملينكي إلى مقر قيادته وعقد
اجتماعاً حضره ضباط الوحدة وأبلغهم بتنفيذ حظر التجول على عدد من القرى، مشدداً
على الحزم بدون اعتقالات، وقال ((من المرغوب أن يسقط بضعة قتلى)).[5]
كان واضحاً إسرائيل ستستغل ضجيج
((العدوان الثلاثي)) وتحتج بالعمليات الميدانية لتنفيذ خطة معدّة مسبقاً للترحيل،
أرادوا لها سيناريو شبيهاً مجزرة دير ياسين وما بعدها. وقد جاءت شهادات مرتكبي
المجزرة في هذا السياق.
شهد قائد السرية الثانية في كتيبة ملينكي،
يهودا فرينكنتل بوجود مخطط مسبق لطرد عرب المثلث، أما بنيامين كول والذي كان ضابطاً
تحت إمرة ملينكي، فقد شهد بأنه (شعر مما جاء في المنشور أن الحرب ستكون على الجبهة
الشرقية ضد الأردن، ويجب تسديد لكمة لعرب المثلث حتى يهربوا إلى الجانب الآخر
للحدود، وليعملوا ما شاؤوا).
المجرم جبرئيل دهان، والمجرم عوفر أدليا
هما أيضاًَ بشهادة مفادها، أن الأوامر التي أصدرها ملينكي لهم باسم القيادة
العسكرية والسياسية العليا، قد فُهم منها أن إسرائيل معنية من وراء تنفيذ المجزرة
بـ (دفع العرب على الهرب إلى الأردن بضغط الخوف والرعب).[6]
توزعت الوحدات على القرى العربية في
المثلث، واتجهت مجموعة بقيادة الملازم جبرئيل دهان إلى قرية كفر قاسم. وقد وزع
دهان مجموعته إلى أربع زُمر رابطت إحداها عند المدخل الغربي للقرية.
وفي الرابعة والنصف من مساء اليوم نفسه
استدعى رقيب من حرس الحدود مختار كفرقاسم وديع أحمد صرصور، وأبلغه أنه فرض منع
التجول وطلب منه إعلام أهالي القرية بذلك. فقال المختار إن هناك 400 من الأهالي في
العمل خارج القرية ولن تكون مدة نصف ساعة كافية لإبلاغهم. فوعد الرقيب أن يدع جميع
العائدين من العمل ((أن يمروا على مسؤوليته ومسؤولية الحكومة)).[7]
وهكذا، بدأ ((الحصاد))، قبل سريان منع
التجول، ففي شهادة صالح خليل عيسى الذي كان ضمن الدفعة الأولى من سائقي الدراجات
الهوائية، يقول:
كنت أشتغل في البيارات في ضواحي بيتح
تكفا (مستوطنة)، أنا وأبناء عمي الإثنين.. وبانتهائنا من عملنا رجعنا على دراجاتنا
إلى البيت في الساعة الرابعة. وعندما وصلنا الجهة الغربية من القرية حوالي الساعة
الرابعة والدقيقة الخمسين صادفتنا خلية من ثلاثة جنود. أشاروا إلينا بالوقوف
فوقفنا ومددنا أيدينا إلى جيوبنا لإخراج بطاقات الهوية وذلك لأننا افتكرنا بأنهم
يريدون فحصها، وإذ بأحدهم يصدر أمره بإطلاق النار علينا فأطلقوا النار التي من
جرائها قتل المرحوم عبد سليم عيسى، وجرحت أنا وابن عمي الثاني أسعد سليم عيسى
فسقطنا على الأرض. وفجأة شاهد الجنود دراجات أخرى تقترب وأمرهم الجنود بالوقوف
ورأيت بأنهم يبلغون أحد عشر شخصاً وفي إمكاني إعطاء أسماء البعض منهم إذا ما طولبت
بذلك. وأصدر أحدهم أمره بهذا اللسان ((أحصدوهم)) فضربوهم وسقطوا فوقنا..[8]
((وفي كل مجموعة من العمال العائدين قتل
قسم وجرح قسم آخر، وقليلون فقط نجحوا بالهرب دون أن يصابوا. ولقد راحت نسبة القتلى
بين العائدين ترتفع. ففي المجموعة الأخيرة التي كانت مكونة من 14 امرأة وولد و4
رجال قُتل الجميع سوى فتاة واحدة أصيبت بجروح بالغة)).[9]
عدد القتلى
كان بين 43 عربياً الذين قتلوا عند مدخل
القرية الغربي سبعة من الأولاد والبنات وتسع من النساء والشابات ومُسنّتان إحداهما
عمرها 66 عاماً. وأما الثلاثة الذين سقطوا في الطرف الشمالي للقرية فكان من بينهم
ولدان عمرهما 9 و15 عاماً وفي وسط القرية سقط شهيدان من بينهما طفل عمره 8 سنوات.[10]
وبهذا يكون عدد الضحايا 49 شهيداً سقطوا
في كفر قاسم وكان عدد سكانها لا يتجاوز الألفي نسمة ولم تبقَ عائلة في كفر قاسم
إلا وفقدت شهيداً.
دفن الضحايا[11]
بعد انتهاء المذبحة قام أفراد شرطة حرس الحدود بجمع
جثث الشهداء ال (49) وحملوها في شاحنة وقذفوا بها في حرش قرب مركز شرطة المستوطنة
الصهيونية رأس العين، وتم دفن الجثث هناك بشكل مؤقت، وبعد يومين قرر الإرهابيون
دفنهم في مقبرة القرية ولكي يتم تشخيصهم. بحثوا عن أحد وجهاء القرية فوقع اختيارهم
على السيد ذياب عبد حمد الذي أصيب ابنه ناجي بجراح طفيفة في المذبحة وطلبوا منه
مرافقتهم لتشخيص الضحايا، فذهب معهم ورفع الجثة الأولى فكانت جثة ابنه الثاني
ويدعى موسى، وقد تم تشخيص (47) جثة وبقيت جثتان لامرأتين لم ينجح أحد في التعرف
عليها بسبب كثرة التشويه. واستدعت قوات الاحتلال (50) رجلاً من قرية جلجولية
المجاورة، وأبلغوهم أن عليهم حفر آبار أو حفرات صغيرة تستخدم لأغراض عسكرية، ولكن
اتضح بعد ذلك أنهم قد استدُعوا لحفر قبور شهداء كفر قاسم الذين حصدتهم أسلحة العدو،
واتضح أن حفر القبور ومحاولات الدفن كانت ستتم بشكل منافٍ للشريعة الإسلامية.
يذكر أن أحد أولئك الرجال قال ذات مرة "اعتقدنا
أننا نحفر قبوراً لأنفسنا وذلك نظراً لأعداد الجنود الذين رابطوا قرب
المقبرة". وكانت كل جثة تعرض أمام المشخص ثم بعد ذلك تدفن بقليل من التراب
وتوضع ورقة صغيرة فوق القبر تحمل اسم الشهيد، وتنوّعت ردود الفعل وكان أقواها رد
من محمد فريج الذي شاهد جثة ولده أحمد بين الجثث حيث صرخ فيهم وقال: هذا الشيء
فظيع لم أسمع به ولم أشاهده طيلة حياتي الطويلة عُصور مرّت علينا قاسية إلا أن هذه
المأساة أقسى ما عرفت ورأيت. ثم أخرج بطاقة الهوية من جيبه وألقاها على الأرض وقال
للعسكريين: إذا كنتم تريدون طردنا من البلاد فلماذا تلجأون إلى مثل هذه الوسائل،
اطردونا لكن لا تقتلونا، ما الذي فعلناه حتى نستحق مثل هذا المصير.
وهذا مما يدل على الوعي المبكّر والمباشر بأهداف
العملية الصهيونية، حيث أن مواطناً عادياً صرخ، بعفوية المفجوع على استشهاد ابنه،
بهذه الكلمات.
خروج الناس[12]
ما أن فرغ المنادي من إبلاغ الناس بانتهاء أمر منع
التجول في 31/10/1956 الساعة العاشرة صباحاً حتى كان الشارع الرئيسي في القرية قد
امتلأ بأمواج من البشر في دقائق قليلة، ويصف عمر عصفور ذلك المنظر فيقول: لقد خرج
الناس من بيوتهم بخطى بطيئة لا يتكلمون ويتوجهون تلقائياً إلى الموقع الغربي وجه
القرية. هناك رأيت حصى حمراء كأن أحداً صبغها، واقتربت لأسمع من أحد الناجين فقال:
لقد قتلوا النساء والرجال وانظر إلى هذا المنظر الذي يفتّت القلب وتحرك لمشهد آخر
وهو يقول هنا ضربوا فلان.. وبين هذه المناظر وقفنا واجمين تأكل الحسرة قلوبنا
ولهيب الغضب يشع في كل صدر، أما الدمع فقد جف في المآقي هل نبكي لهذا المنظر
الغريب من نوعه..
في يوم الخميس كانت الساحة العامة ممتلئة بالناس
وفجأة وحوالي العاشرة صباحاً قفز أحدهم وكان هائجاً. إنه المناضل صالح رابي، الذي حرّك
مظاهرة جبارة اتجهت إلى بيت المختار وديع أحمد أبو دية ليفعل أي شيء وعدم السكوت
على مأساة القرية الدامية. وارتفعت أصوات الناس تردد الله أكبر أين أولادنا الله
أكبر الله اكبر وسرعان ما علمت السلطات بما يجري فأرسلت على عجل نائب المثلث فارس
حمدان في ذلك الوقت، فجاء فارس حمدان وألقى خطبته التي انتقد فيها حكام الدول
العربية المجاورة. وكانت كفرقاسم وما زالت تردد كلماته لا للإعجاب وإنما للسخرية
والاحتقار.
إخفاء معالم الجريمة
حاولت الحكومة طمس معالم المجزرة، وخرج
بن غوريون في البداية ليتحدث عن (حدث وقع في قرية عربية حدودية). لم يُرِدْ أحد أن
يتحدث، ولم تقبل الحكومة أن تعترف بوقوع المجزرة، إلا بعدما فرضت بعض وسائل الإعلام،
وبعض القيادات السياسية العربية واليهودية، منهم توفيق طوبي ولطيف دوري وأوري
أفنيري، على الحكومة الكشف عن حقيقة ما حدث.[13]
ولم يتم ذلك إلا بعد 20/11/1956؛ أي بعد
مرور ثلاثة أسابيع على المجزرة، حيث تسلل عضوا الكنيست توفيق طوبي وماير فلنر إلى
البلدة لاستقصاء الحقائق مباشرة من شهود المجزرة والمصابين.
وقام توفيق طوبي بتدوين شهادة الأحياء
الناجين والذين شهدوا مسرح الجريمة ونجوا، وسجلت الحقائق في مذكرة مفصلة وزعت في
23/11/1956 بالمئات بالبريد وباليد، بالعربية والعبرية والإنكليزية.[14]
المحاكمة
حُكم على الرائد شموئيل ملينكي بالسجن
17 عاماً، وعلى جبرئيل دهان وشالوم عوفر بالسجن 15 عاماً بتهمة الاشتراك بقتل 43
عربياً. وأما الجنود الآخرون فحكموا بالسجن لمدة 8 سنوات بتهمة قتل 22 عربياً.
وما إن أصدر القرار حتى جرى استئنافه أمام
محكمة الاستئناف العسكرية العليا، وقررت هذه المحكمة أن العقوبات التي فرضت شديدة،
فتم تخفيض الحكم على ملينكي إلى 14 عاماً، وعلى دهان إلى 10 أعوام وعوفر إلى 9
أعوام. ولكن القائد العام آنذاك، موشيه ديان، لم يكتفِ بهذا التخفيض، حتى أصبح
الحكم على مالينكي عشرة أعوام، ودهان ثمانية أعوام والباقي أربعة أعوام.[15]
وجاء دور رئيس الدولة الذي خفض الأحكام
إلى 5 أعوام لكل من ملينكي وعوفر ودهان. وأخيراً جاء دور لجنة إطلاق سراح
المسجونين فساهمت بنصيبها وأمرت بتخفيض الثلث من مدة سجن كل واحد من المحكوم
عليهم. وهكذا أطلق سراح آخر واحد منهم في مطلع عام 1960.[16]
وأخيراً تسلم عدد كبير من هؤلاء
المجرمين مناصب رفيعة في الدولة، حيث تسلم مالينكي وظيفة ضابط الأمن في مفاعل
ديمونة النووي، وتسلم جبرئيل دهان - ويا للسخافة - منصب مدير الدائرة العربية في
بلدية الرملة.[17]
أما يسخار شدمي الذي كان صاحب الأمر
الأول في هذه المذبحة فقد قُدّم إلى المحاكمة في مطلع عام 1959، وكانت عقوبته
التوبيخ ودفع غرامة مقدارها قرش إسرائيلي واحد (أغورة).[18]
فهل استطاعت الحكومة الإسرائيلية أن
تغسل أيديها من دماء 49 فلسطينياً من أبناء كفرقاسم الذين لم ينسوا بعد خمسين سنة
هذه المجزرة الوحشية المنظمة.
[1]
د. إبراهيم أبو جابر، جرح النكبة، الجزء الثالث، ط1 (أم الفحم: مركز
الدراسات المعاصرة، 2006)، ص 399 (نسخة PDF عن الإنترنت).
[2]
الدباغ، بلادنا فلسطين، ج1، ق1، ط2، 1973، ص258.
[3]
انظر صبري جريس، العرب في إسرائيل – سلسلة دراسات
فلسطينية (بيروت: مركز الأبحاث الفلسطينية، 1967)، ص22.
[5]
الموسوعة الفلسطينية، ق ع، ج3،
ص653.
[6]
انظر صرصور، مرجع سابق.
[7]
الموسوعة الفلسطينية، ق ع، ج 3،
ص653.
[8]
د. إبراهيم أبو جابر، جرح النكبة، ج3، ص 405.
[9] صبري جريس، العرب في إسرائيل، ص30.
[10]
الموسوعة الفلسطينية، ق ع، ج3، ص653.
[11]
د. إبراهيم أبو جابر، جرح النكبة، ج3، ص 412.
[12]
د. إبراهيم أبو جابر، جرح النكبة، ج3، ص 413.
[13]
انظر صرصور، ((أسرار وخفايا مجزرة كفر قاسم،)) موقع بلدية
كفر قاسم.
[14]
أبو جابر، جرح النكبة، ج3، ص 404.
[15]
أبو جابر، جرح النكبة، ج3، ص 404.
[16]
الموسوعة الفلسطينية، ق ع، ج3،
ص653.
[18]
الموسوعة الفلسطينية، ق ع، ج3،
ص653.