الذكرى الـ69 للنكبة.. فلسطينيو الخارج والدور
المطلوب
بقلم: ماجد الزير
يُحيي الشعب الفلسطيني والمتضامنون معه هذه الأيام
ذكرى مرور 69 سنة على وقوع نكبة فلسطينغرد النص عبر تويتر، ولعلها تعتبر المناسبة الأهم
في الرزنامة الوطنية طوال هذا العام. ويشير الاهتمام الفلسطيني الصارخ في الداخل والخارج
بالتوقف أمام هذا التاريخ -وبأشكال منوعة وشاملة- إلى أن جرح النكبة ما زال ينزف ولم
يندمل.
كما يُرجع هذا الاهتمامُ القضيةَ إلى بداياتها
وأصلها الذي هو إقامة كيان باطل على الأرض الفلسطينية، وما نتج عن ذلك من التهجير القسري
لما يزيد على سبعمئة ألف فلسطيني تشتتوا في مخيمات ما زالت قائمة. وفي الجانب الإيجابي
الأهم؛ فإن ذلك يدل على استمرار المطالبة بالحقوق.
ونجد لزاما -في هذه الأجواء- أن نستعرض المشهد
الفلسطيني في الفترة الحالية من جوانب عدة سواء كانت سياسية أو تتعلق بواقع الشعب الفلسطيني،
ونحاول استشراف مآلات الأمور على المستوى القريب والبعيد، وتساعد في هذا دراسة العوامل
التي تؤثر في رسم مستقبل القضية.
تعيش القضية الفلسطينية حالة انسدادِ أفقٍ حقيقية
على أكثر من صعيد، وأبرز مظاهر ذلك استمرار سيطرة الاحتلال الصهيوني على مساحة فلسطين
بالكامل، سواء بتحكمه في مجريات الأحداث بالضفة الغربية ومفاصل الحياة فيها، أو بإحكامه
الحصار على قطاع غزة، وفوق ذلك ممارساته العنصرية بكافة أشكالها على أهلنا في أراضي
48.
وترافق هذا أزمة فلسطينية داخلية حادة ينقسم
فيها الشعب على نفسه، ويتجلى ذلك في مشهديْ إدارة الأمور على المستوى السيادي الفلسطيني
في رام الله وغزة.
وصعَّب الأمر ما يجري حول فلسطين في الإقليم
العربي من أوضاع داخلية مضطربة ونزاعات مسلحة في عدة أقطار، مما ساهم في تراجع الاهتمام
بالقضية إلى مراتب متأخرة، أما القوى الدولية التي لديها مصالح في المنطقة فيطغى على
اهتمامها بالقضية والالتفات لمظالم الشعب الفلسطيني انشغالها بمصالحها، المتمثل في
انخراطها في أزمات المحيط العربي الذي يموج بالأحداث.
وبشيء من التفصيل لواقع القضية في كافة الجوانب؛
نقول إن الاحتلال الصهيوني ما زال يُحكم قبضته على القدس الشريف ويمارس سياسة التهويد
التي تسير بخُطى متسارعة، حيث يعزل المدينة بطوق استيطاني وجدار عزل ويُمعن في التهجير
القسري، ويُطلق أيدي المستوطنين في انتهاك حرمة المسجد الأقصى.
وحال الضفة الغربية لا يقل سوءا، فالمستوطنات
قطّعتها إلى معازل حقيقية، والحواجز العسكرية تغطي مساحتها، والجدار العنصري يمتد على
مساحة الضفة برمتها. هذا إضافة إلى سياسة مصادرة الأراضي وهدم البيوت والاعتقالات الواسعة.
وهذه السياسة أفرزت وجود ما يقارب سبعة آلاف
أسير يتوزعون على سجون الاحتلال ويعانون من صنوف الاضطهاد والتعذيب، وهذا ما دفعهم
للدخول في إضرابات مفتوحة عن الطعام، آخرها إضراب الكرامة الذي انطلق في 17 أبريل/نيسان
الماضي، ويشارك فيه أكثر من 1500 أسير.
وفي لوحة مأساوية أخرى؛ فإن ما يقارب مليونين
من سكان قطاع يعيشون في حالة حصار مطبق مضى عليه أثر من 11 سنة، ولا يمكن وصف القطاع
إلا بأنه سجن مفتوح يشهد عقابا جماعيا تتواطأ عليه أطراف عديدة محلية وإقليمية ودولية.
وقد نتجت عن هذا أوضاع إنسانية يندى لها الجبين. علما بأن معظم سكان القطاع هم لاجئون
-حسب سجلات الأمم المتحدة- ويعانون أصلا وضعا معيشيا سيئا.
وينفرد العدو الصهيوني بفلسطينيي 48 الذين تجذّروا
في أرضهم وبقوا شوكة في عيون المحتل؛ حيث يقوم بممارسة العنصرية بصنوفها ضدهم. ومن
ذلك الإجراءات المتخذة بحق بدو النقب من هدم بيوتهم المتكرر، ومنع فلسطينيي 48 من القيام
بدورهم الوطني تجاه إخوانهم في الضفة وغزة.
وقد بدا هذا واضحا في الأحكام الصادرة ضد زعيم
الحركة الإسلامية هناك الشيخ رائد صلاح ونائبه الشيخ كمال الخطيب، سواء باعتقالهم أو
منعهم من دخول البلدة القديمة والوصول للمسجد الأقصى.
أما فلسطينيو الخارج فالتعامل معهم ووصف حالهم
يتباين من بلد لآخر سواء من الناحية القانونية أو الإنسانية المعيشية. وتبرز الحالات
الأصعب في لبنان الذي يعيش لاجئوه وضعا لا يمكن أن يكون مقبولا بأي شكل، وهو عموما
يحتاج إلى تحرك حقيقي لتغييره.
فمجرد زيارة سريعة لمخيم برج البراجنة (وسط العاصمة
بيروت) تعطي انطباعا سريعا بأن أحوال الشعب الفلسطيني في المخيمات هناك لا ترقى لأي
درجة من الحدود الدنيا لحقوق الإنسان.
وتشهد الحالة الأردنية تناقضا غريبا في التعامل
مع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم جرش (المعروف بمخيم غزة)؛ فقد تفوقت السياسة الأردنية
باكرا في التعامل مع الفلسطينيين بمنحهم الجنسية الأردنية بالكامل، ومعاملتهم بالمساواة
مع أشقائهم الأردنيين في الحقوق والواجبات. ولم يحرمهم هذا ممن ممارسة ارتباطهم العضوي
بجذورهم الفلسطينية والعمل على استعادة حقوقهم.
ومع ذلك فقد عجز الأردن عن استيعاب نحو مئة ألف
لاجئ فلسطينيي من أصول غزية انقطعت بهم السبل، وأوضاعهم القانونية والمعيشية تحتاج
إلى مراجعة حقيقية لمساواتهم بباقي الأردنيين من أصول فلسطينية.
ومنذ ست سنوات تصدرت أخبار فلسطينيي سوريا العناوين،
وهم الذين كانوا يوصفون بأنهم الأحسن حالا بين إخوانهم في باقي المناطق، ولم تحدث أية
أزمة تعكّر صفو حياتهم إلى أن اندلعت الأحداث سنة 2011، فانقلبت حالة استقرارهم إلى
أوضاع دموية لم تقفل فصولها إلى الآن.
وقد نتجت عن ذلك نكبة متجددة لهم وأضحى أكثر
من ثلثهم خارج حدود القُطر السوري، حتى وصل إلى أوروبا وحدها نحو مئة ألف منهم هربا
من جحيم الحرب.
يغذي قتامةَ الصورة فيما أوردناه؛ الحالُ الداخلي
السياسي الفلسطيني باستحكام الخلاف بين قطبيْ السياسة حركتيْ "فتح" و"حماس"،
الذي مضى على حدته العالية أكثر من عقد. وهذا ما أدى -وبشكل جلي- إلى استفراد العدو
الصهيوني بالشعب الفلسطيني في الداخل، ولا تبدو أي بوادر انفراجٍ قريبٍ لهذا الوضع.
فنحن نتكلم عن برنامجين متناقضين وهذا يفرز سياستين
تسيران في اتجاهين متعاكسين، فعلى جانب تستمرئ قيادة "فتح" كل صنوف التعامل
مع الاحتلال والتعامل والتنسيق معه. وعلى الجانب الآخر سياسة مقاومة بكل صنوفها وعلى
رأسها الكفاح المسلح، ولا أعتقد أن أي مصالحة ستُنهي الأزمة، وإنما يمكن أن تنجح أي
مساع مفترضة في تخفيف حدتها.
ما الذي يمكن أن يكون عليه المستقبل في ظل واقع
وأجواء كهذه؟ رغم سوداوية الصورة في الواقع الحالي؛ فإننا نعتقد جزما بأن مآلات الأمور
-على المستوى البعيد كنهاية للصراع- ستكون بشكل حتمي لصالح استعادة الشعب الفلسطيني
كامل حقوقه غير منقوصة.
فالحكم على صراع ممتد لأكثر من قرن لا يتعلق
بحقبة واحدة، ويخطئ من يظن أن بإمكانه التحكم في قفل الملف الفلسطيني دون رجوع الحق
لأصحابه.
فالمستقبل هو حصيلة الماضي والحاضر، وقياس الحراك
الفلسطيني وتفاعله مع العدو الصهيوني طوال هذه الفترة يعطي نتيجة تفيد بأن الصراع
-بعد سبعة عقود من نكبة فلسطين- ما زال مفتوحا على مصراعيه.
والدلائل الميدانية على أرض الواقع بمستويات
عدة تشير إلى مخزون قوة لدى الشعب الفلسطيني كامن في جوانب وظاهر في جوانب أخرى، ويدل
على أن كفة الميزان وإن أختلت في هذا الزمان لصالح الكيان الصهيوني فإن في الحراك الفلسطيني
يستطيع -إن توافرت له الظروف- تحقيق تقدم مهم تجاه الاقتراب من استعادة الحقوق.
يكفي أن نقول إن ما يقارب نصف الشعب الفلسطيني
يعيش على أرض فلسطين التاريخية رغم كل الممارسات الصهيونية، وأغلبية باقي الشعب من
فلسطينيي الخارج يعيشون في الجوار الفلسطيني.
ونشير أيضا إلى أن كل وسائل الكفاح الممكنة ما
زالت مستخدمة وبأشكال متقدمة، وهذا أيضا يدل على أنه في المجمل لم يسقط أي خيار، بما
فيه الكفاح المسلح الذي نصت القوانين الدولية على شرعنته للشعوب الواقعة تحت الاحتلال.
وضمن الصراع الدائر حول فلسطين يحاول أصحاب المصالح
-على تنوعهم- رسم خطوط المشهد المستقبلي لمصلحة إرادتهم. وهنا نشير إلى الطرفين الرئيسين
وهما الشعب الفلسطيني والمحتل الصهيوني، ومن حولهم الأطراف الإقليمية والدولية.
وفي ظل وصفنا للضعف الفلسطيني الحالي عموما مقابل
التفوق الصهيوني؛ فإن ما يمكن وصفه بالمشاغلة الفلسطينية الشاملة للعدو وعدم تركه يصول
ويجول، مهمة وإستراتيجية لجسر الهوة بين ضعف الحاضر وقوة المستقبل المنتظرة.
وهنا يبرز عنوان استخدام جميع مخزون القوة لدى
كل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن وجوده في الداخل والخارج، وتعبئته لتقوية هذه المشاغلة
وتضييق الخناق على المشروع الصهيوني.
وبالنسبة لفلسطينيي الداخل؛ فإن دورهم في تجذّرهم
في الأرض ومواجهتهم المباشرة للممارسات التعسفية المجحفة يمثل ذروة الدور المطلوب،
ويعظم من هذا استخدام وسائل المقاومة المتقدمة المشروعة، مما يجعل مهمة الكيان صعبة
في الاستفراد بالأرض.
ويتكامل مع هذا دور فلسطينيي الخارج الحيوي والذي
نعتقد أن من شأنه أن يقلب الطاولة على الكيان الإسرائيلي وصنّاعه. ولا بد من الإقرار
بأن هذه الشريحة من الشعب قد جرى تهميشها طوال ربع قرن، وقد بدأت تنضج محليا في أماكن
اللجوء، بل إن بعضها دخل في حالة إبداع. وكان لاتفاق أوسلو عام 1993 الأثر البالغ في
رفع الغطاء عن فلسطينيي الخارج.
نفهم درجة الأهمية القصوى لدور فلسطينيي الخارج
من إدراكنا أن الدعم الغربي على جانبيْ الأطلسي -وما يتبعه من غطاء دولي- هو العامل
الرئيسي في قيام هذا الكيان الصهيوني الباطل على أرض فلسطين، بل وتغذيته بسبل الحياة
مما أدى لاستمراره.
ومن هنا فإن تعظيم شأن فلسطينيي الخارج لكي يتحركوا
على مستوى الدول التي يعيشون فيها، دعماً لقضيتهم وفضحاً لممارسات الكيان الصهيوني
اللاقانونية، من شأنه أن يزاحم ساسة الكيان في المساحة التي كانوا يعتقدون أنها حكرة
عليهم.
وإلى جانب ملاحقة الكيان الصهيوني وداعميه عبر
العالم ضمن الوسائل القانونية المتاحة؛ يقع على فلسطينيي الخارج دوران محوريان لتكتمل
ثلاثة محاور نعتبرها إستراتيجية في دورهم.
فمن ذلك تمتين وجودهم في بلدان اللجوء، وتطوير
أدائهم، والتسلح بكل صنوف المعرفة، واستثمار الأدوات المتاحة في البلدان بما يسمح به
القانون، والاهتمام بالأجيال الناشئة وربطها بالقضية.
وكذلك التمكن من وسائل التكنولوجيا الحديثة الذي
يدخلهم في دائرة النفاذية، ثم يأتي دور الإسناد لأبناء شعبهم في الداخل والخارج، حيث
يلزم تقديم ما تيسر من دعم سياسي وقانوني وإغاثي ضمن الوسائل المتاحة.
وتساعد في هذا كثيرا مأسسةُ العمل لفلسطين بين
قطاعات فلسطينيي الخارج، والتخصص في عناوين يُعمل الذهن والعقل ويُبذل الجهد لكي تعطي
نتائج متقدمة. وحتى نتحرى الدقة؛ فإن مجهودا جماعيا تم بذله عبر العقود الماضية في
الخارج الفلسطيني ساهم في بقاء القضية حية.
وهنا نتوقف عند دور منظمة التحرير الفلسطينية
(م.ت.ف) التي نشأت في الخارج، وانطلاق معظم التنظيمات والفصائل الفلسطينية في الخارج،
وإسهام الخارج في دعم صمود الداخل خاصة إبان الانتفاضة الأولى.
لكن فترة أوسلو أدت لدخول الكوادر الفلسطينية
إلى الداخل، وإفراغ منظمة التحرير من قوتها لصالح السلطة الفلسطينية في رام الله، بما
في ذلك إنهاء المنظمات الشعبية التي كانت تابعة لـ"م.ت.ف"، والتي كانت تعمل
في كل القطاعات الممكنة الفئوية والتخصصية.
وعليه؛ فإن الدور المنشود لكل أبناء الشعب الفلسطيني
من شأنه أن يضمن انخراط ما يقارب 13 مليون كتعداد عام في الهم الوطني، ويقلل حال الخلاف
لصالح الالتقاء على القواسم المشتركة.
وخير دليل على ذلك الالتفاتُ حول دعم إضراب الكرامة
للأسرى الفلسطينيين، والإجماع على حملة مطالبة بريطانيا بالاعتذار، وإحياء ذكرى نكبة
فلسطين، وغيرها من أعمال لا يختلف عليها اثنان من أبناء الشعب.
وتجدر الإشارة إلى نجاح تجارب في الخارج أخذت
بعين الاعتبار في مسيرتها النقاط المذكورة أعلاه، منها مركز العودة الفلسطيني في لندن،
الذي عمل أكثر من عشرين عاما على التخصص في شؤون اللاجئين وحقهم في العودة. واستطاع
الوصول إلى منصة الأمم المتحدة كمنظمة غير حكومية مسجلة، رغم التحديات والضغوط الصهيونية
الشرسة والمدعومة من قوى دولية.
وتأتي ضمن هذا تجربة 15 عاما من مؤتمرات فلسطينيي
أوروبا التي شكلت رافعة للعمل الوطني الفلسطيني في الغرب الأوروبي. وبوادر تنسيق فلسطيني
لمؤسسات جامعة كمؤتمر فلسطينيي تركيا وتكتلات الفلسطينيين في أميركا الشمالية وأميركا
الجنوبية. والتجمعات النقابية والمهنية التي بدأت تبرز وتأخذ دورا وطنيا من واقع التخصصات.
وأخيرا تم تتويج ذلك بانطلاق المؤتمر الشعبي
لفلسطينيي الخارج كتجربة عمل وطني شعبي مشترك، تمثل بعدا واعدا لأخذ فلسطينيي الخارج
دورهم الكامل في مسيرة استعادة الحقوق.
نخلص من كل ذلك إلى أن الدور الشعبي الفلسطيني
وتطويره في كافة المجالات الوطنية؛ من شأنه تحقيق النفاذية والتغلب على الصعاب في سبيل
استعادة الحقوق، وأن البعد الشامل باستخراج كل عناصر القوة في القضية هو الكفيل باقتراب
ساعة الحقيقة ورجوع الحق لأصحابه. ونقول إننا رغم كل الظروف الصعبة التي تكتنف القضية
فإن الشعب الفلسطيني بات أقرب من ذي قبل لاستعادة حقوقه.
المصدر: الجزيرة