القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 23 تشرين الثاني 2024

الذكرى الـ 71 للنكبة.. ومخاطر الأبواب المفتوحة للتطبيع

الذكرى الـ 71 للنكبة.. ومخاطر الأبواب المفتوحة للتطبيع

أمين مصطفى

تأتي الذكرى الحادية والسبعين لنكبة العام 1948، والأمة العربية والإسلامية – عدا استثناءات محدودة – غارقة في أزماتها ومشاكلها، وتعيش واقعاً مريراً وصعباً، وذلك نتيجة جملة من الأحداث والتطورات التي أدت إلى تدمير بعض بلدانها، وشل قدراتها واستنزافها، ووضعها أمام ظروف قاسية ومعقدة. وقد حصل كل ذلك وفق خطة مبرمجة، استهدفت المنطقة برمتها للإستيلاء على خيراتها، وتعزيز مكانة ودور الكيان الصهيوني، من خلال التآمر على القضية الفلسطينية، ومحاولة شطبها بشكل تدريجي، وما وَهِم "صفقة القرن" سوى أحد تجليات المشهد.

وبدل أن يستنفر هذا الوضع المتردي البلدان العربية والإسلامية لمواجهة هذه الهجمة الشرسة، نجد أنها انحنت أمام العاصفة، وهرولت باتجاه التطبيع مع العدو في المجالات كافة: السياسية، الأمنية، الاقتصادية، التجارية، الثقافية، الإعلامية، الرياضية، الفنية وغيرها، حتى بتنا نسمع عزف النشيد الصهيوني "الهتكفا" في بعض العواصم العربية، كما نشهد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يقوم بزيارة بعض الدول، ووفوداً صهيونية تتجول في الأسواق والمساجد والمتاحف العربية، وتشارك في المؤتمرات والندوات والاحتفالات والمباريات، وتعقد الصفقات، تحت حجج وعناوين واهية، وكأن الأمر بات اعتيادياً ومألوفاً !

كل ذلك وغيره الكثير أتاح فرصة للكيان الغاصب أن يتوسع في حركته الاستيطانية في الضفة والقدس المحتلتين، ويعتقل المئات في السجون، وينفي ويطارد، ويضيِّق الخناق على السكان ويصادر الأراضي، ويهدم المنازل، ويواصل اعتداءاته على قطاع غزة، غير مكترث بالقوانين والأعراف الدولية والقيم الإنسانية .

وإذا كانت بدايات طريق التطبيع والهرولة الرسمية العلنية باتجاه العدو بدأت مع زيارة أنور السادات للقدس المحتلة عام 1977، فإن هذه الكرة تدحرجت لتشمل الأردن عبر اتفاق وادي عربة والسلطة الفلسطينية من خلال اتفاق أوسلو، وهي تواصل مسارها مع دول عربية أخرى، في مقدمتها الخليجية لإحكام الطوق على عنق القضية الفلسطينية.

تمر ذكرى النكبة اليوم وكأنها لا تعني بعض الأقطار العربية شيئاً، وكأن ما حصل بالأمس بات مسلماً به، والمخطط يستكمل لنسج باقي خيوط المؤامرة على ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية.

وفيما يقدم الفلسطينيون يومياً قوافل الشهداء والجرحى من أجل حقهم في تحرير أرضهم والعودة إليها، ويواصلون مسيراتهم الكبرى في هذا السياق، نسمع – للأسف الشديد - أصواتاً عربية نشازاً تدافع عن الصهاينة، وتستنكر على الفلسطينيين واجبهم في الدفاع عن قضيتهم التي هي قضية كل الأمة، وتذهب وسائل إعلامها إلى فتح أبواب قنواتها الفضائية والمسموعة للصهاينة، سياسيين وإعلاميين وعسكريين، لبث سمومهم ومزاعمهم عبرها، لتشويه الحقيقة وتزوير التاريخ، ودفع الناس إلى حالة من اليأس والإحباط !

ويزيد الأمر سخرية تطاول بعض الأقلام والصحف الصفراء على الشعب الفلسطيني، وتنفي وجوده، وحقه في وطنه وأرضه!

كل هذه المهازل لم تكن لتحصل لولا موافقة الأنظمة الخائفة على عروشها، والمتوهمة بأن مثل هذه التصرفات من شأنها أن تساعدها في الحصول على مكانة خاصة لدى واشنطن والكيان الغاصب، والبقاء أطول فترة ممكنة في الحكم، وممارسة أبشع أساليب القمع ضد شعوبها خوفاً من ارتفاع منسوب الغضب من تحت الأرض إلى فوقها، وإعلان ثورة التغيير.

لكن كل هذا الضغط، والتجاهل، والتآمر والصفقات الواهنة، والمزاعم والممارسات القمعية لم تزد الشعب الفلسطيني إلا قوة وعزيمة وثباتاً على قناعاته ومبادئه، وذلك استناداً إلى مقاومته، ورفضه لكل أشكال التطبيع مع العدو، ولكل الإغراءات والمساومات وأنصاف الحلول.

تأتي الذكرى الحادية والسبعين للنكبة وقد ترسخت في ذاكرة الأجيال الفلسطينية، عمق التمسك بحقه في العودة، ومواجهة كل التحديات القائمة والمحتملة.

وإذا كانت معظم الأنظمة العربية عاجزة، أو مشاركة في مشاريع إنهاء القضية الفلسطينية، فإن الرهان لا يزال معقوداً على الأفواج العربية الشابة، التي ترفض التطبيع وتشارك الشعب الفلسطيني قناعاته ومقاومته من أجل استعادة أرضه، وهي مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى القيام بالضغط على أنظمتها الرسمية لوقف تماديها في التطبيع، وإفشال كل المحاولات الجارية في هذا المجال.

الذكرى الحادية والسبعين للنكبة، كما تشهد قرع ناقوس الأخطار المحدقة بالقضية، هي محطة اختبار للجميع، وفي ضوئها تحدد خرائط المستقبل وكتابة التاريخ