السؤال عن خلافة عباس
بقلم: عدلي صادق
يردد كثيرون السؤال عن خلافة الرئيس الفلسطيني، محمود
عباس. لم يستمع سائل إلى جواب شافٍ، ليس، كما يُقال، لأن عباس في الهزيع الأخير، بحسابات
العمر وبحسابات البيدر، وما يجعل سُنة الحياة على وشك النفاذ. فالأعمار، أولاً، بيد
الله، ثم إن حسبة الحصاد، على الصعيد الفلسطيني، يُعللها، في كثرتها وضآلتها، مستويان
من العوامل، هما الموضوعي والذاتي. الأول، تمليه تأثيرات الإقليم والعالم، وقدرتهما
على كبح جماح الشيطان الصهيوني. والثاني تعلله وضعية النظام السياسي، والإجابة عن سؤال
حول قدرته على أن يشتغل في المنعطفات والملمّات، أو أن يؤمِّن، على الأقل، انتقالاً
سلساً للسلطة، يحظى بدرجة معقولة من الرضا الشعبي العام، مثلما يُشترط عند قيام الكيانات،
أو عند ضبط مسارها التاريخي. في هذه الأيام،
لا يلتقي مواطن بأي مهتم بالشأن العام، إلا ويكون السؤال: من في رأيك سيأتي بعد عباس؟
واجبنا هنا أن نصارح بأن هذا الأمر أحد أهم شواغل الناس، ثم أن نستعرض بشفافية، في
مقاربات الإجابة؛ كل العناصر المساعدة على تخليق توقعات وترجيح أسماء. أما طرح الأسماء
قبل استعراض هذه العناصر، وعلى الرغم من حقائقها، مثلما يفعل بعضهم؛ فإنه يمثل قفزات
في الهواء، ويفتح مجالاً لطامحين، لتسريب أسمائهم بأنفسهم، في ما يُعد من جنس الترويج
الملعوب.
لندخل في موضوع العناصر التي يمكن أن تقوم عليها
أية مقاربة للإجابة عن السؤال: من يأتي بعد عباس؟
لدينا أولاً وضعية النظام السياسي الفلسطيني. لنتأمله،
ولنفتش عن إجابة عن سؤال فرعي مهم: هل النظام الفلسطيني في حال تساعده على أن يرشح
رجلاً لمهام الرئاسة، ويحشد له الجمهور الذي يرفعه إلى سدة الحكم، عبر انتخابات رئاسية
عامة، نزيهة وشفافة؟ فإن كانت الإجابة أن الحال لا تساعد؛ علينا أن نواجه حقيقة الواقع
الخطير، وأن نجترح سبل تغيير الحال قبل تغيير الشخص، لكي يقوم لنا نصاب. ونتذكر أننا
في يوم غياب الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وجدنا أنفسنا، بعد سنوات من الانتفاضة الطويلة
الثانية، بصدد نظام سياسي، لا يستطيع وحده حسم أمر خلافة الرجل. كل ما فعلناه أن القوة
الفصائلية التي كان لها القول الفصل داخلياً في تسمية من يخلف عرفات؛ اختارت محمود
عباس، ليس باعتباره أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وحسب، وإنما لأن تسميته
جاءت استباقاً لعراقيل من كل جهة، كانت ستوضع، في حال تسمية غيره ممن يقيمون في الخارج،
أو من يقيمون في الداخل ولم ينخرطوا في عملية التسوية. وكانت المفارقة أن الذين كانوا،
قبل أشهر قليلة، أو حتى قبل أسابيع؛ أشبعوا عباس هجاءً، باتوا سباقين الى دعمه ومساندته.
لعلها كانت غريزة الحرص على النجاة، في خضم مخاطر الفناء السياسي والاندثار، أو الموت
الفيزيائي!
لكن اشتراطات العامل الموضوعي، الإقليمي والدولي،
وهي بيت القصيد، وضعتنا، بعد اختيار عباس، أمام مفارقة تعكس بؤس حالنا. فلم يكتف اللاعبون
الإقليميون والدوليون بوجهة الرجل السياسية المعلومة، ولا بلغته الرافضة تماماً فكرة
استخدام السلاح للمقاومة، ولا بحديثه عن المؤسسات وأهميتها وعن المحددات الدستورية،
وهذا، للأسف، حديث تدحضه تجربة عباس في الحكم، كما يعرف الجميع على النحو الذي يمكن
اعتباره سبب بؤس النظام السياسي. لم يشفع له كل هذا عند نقطة التقاطع بين العاملين،
الذاتي الضعيف والموضوعي الطاغي. اشترطوا عليه، ولا مجال هنا للإطالة في هذه النقطة.
عندما يندثر الاجتماعي السياسي ويترهل النظام؛ يطفو
رميم النعرات العشائرية والمناطقية. فمن يتخيل أن له شعبية، وأنه جدير بخلافة عباس،
تتعذى أوهامه بمؤشرات محلية جداً، أو من دوائر علاقات خاصة ومغلقة، يرى فيها نفسه رقماً
صعباً. لذا، وباختصار، ينبغي أولاً، قبل الحديث عن خلافة عباس، مباشرة العمل على ترميم
النظام السياسي، وتكريس ثقافة العمل الوطني الجامع، وإنهاض فتح.
المصدر: العربي الجديد