القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

السلام الاقتصادي.. وشطر الوطن الفلسطيني

السلام الاقتصادي.. وشطر الوطن الفلسطيني

هشام منور

لا يمكن إنكار أن جولات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لتسريع وتيرة المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي تنبني في مضمونها على مخطط ‘السلام الاقتصادي’، وهو المفهوم الذي سوّق له رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقال عنه إنه ليس بديلاً عن السلام السياسي، لكنه عنصر ضروري لتحقيقه.

فالسلام الاقتصادي بالنسبة إلى مروجيه سيُوجد ظروفاً لإنضاج المناخ من أجل تحقيق السلام السياسي، ‘السلام الاقتصادي’ الذي سيُدار إسرائيلياً من إدارة يترأسها وزير خاص، تقوم بمشاريع مشتركة مع الفلسطينيين، بالتنسيق مع المجتمع الدولي، خاصةً مع مبعوث الرباعية، بالإضافة إلى السلطة الفلسطينية، ويدعم تلك الإدارة فريق من الخبراء المختصين بالمجال الاقتصادي والقضية الفلسطينية. وقد يكون بعض القادة الدوليين أعضاء في ذلك الفريق. وعناصر السلام الاقتصادي تتمثّل في تأسيس وتنفيذ مشاريع اقتصادية في المناطق الخاضعة للسلطة، وتتنوع المشاريع بين الزراعي أو الصناعي أو السياحي، وتأسيس ‘مراكز توظيف’ بالقرب من المدن الكبرى، ما يعفي الفلسطينيين من الحاجة إلى العمل في مناطق الـ48، كما يهدف السلام الاقتصادي إلى تأسيس ممرّ للحجّاج النصارى الذين يريدون زيارة المواقع السياحية على ضفاف نهر الأردن، بموازاة البحر الميت، على ان يبني الفلسطينيون هذا الممر بالتنسيق مع ‘إسرائيل’.. وستجلب ‘إسرائيل’ السيّاح من الخليل، والسلطة ستجلب السياح من بيت لحم وأريحا، كما يقضي السلام الاقتصادي بتسهيل العبور عبر المعابر ومحاولة إيجاد الاستثمارات الخارجية. يسعى الاحتلال بالسلام الاقتصادي البديل عن رفضه للانسحاب إلى حدود الرابع من حزيران 1967 وحق العودة وتقسيم القدس وإزالة المستوطنات، للالتفاف على عجزه عن امتلاك رؤية أو حل للصراع العربي الصهيوني، والتخفي بأهدافه العنصرية وراء الواجهة الاقتصادية، وتسييج جدار مضادّ حول خطوط حدوده المطاطية. وخطة وزير الخارجية الامريكي كيري الاقتصادية عنوانها العريض مستمد من مكامن الرؤية الإسرائيلية للسلام، ومن مسعاها الحالي للدخول في المفاوضات عبر بوابة الاقتصاد.

ليس من مهام السلام الاقتصادي الذي تنبني عليه خطة كيري تسويق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين فحسب، بل أضحى من مهمته شطر الوطن الفلسطيني، عبر تغذية الشطر الضفاوي بالتسهيلات والأموال والمشاريع، وإضعاف الشطر الغزي، من خلال تركيز حصاره وإدامته، فالسلطة الفلسطينية ستطلب من اجتماع لجنة تنسيق مساعدات الدول المانحة نهاية الشهر الجاري في نيويورك تقديم 500 مليون دولار لدعم الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية حتى نهاية العام الحالي، بهدف تمكينها من مواجهة التحديات المالية والاقتصادية والإيفاء بالتزاماتها وتقديم الخدمات للمواطنين. السلطة الفلسطينية في نص الخطة التي تقدمها إلى الاجتماع تشير إلى ‘تراجع كبير في الدعم الخارجي للموازنة من متوسط قدره 1.4 مليار دولار عامي 2009 2010، إلى 761 مليون دولار أمريكي عام 2011، و826 مليون دولار عام 2012، وهذا الانخفاض الحاد منذ عام 2009 يعادل 12? من الناتج المحلي الإجمالي. ومع ذلك تتطلب، الإصلاحات المالية الصعبة دعما قويا من المجتمع الدولي وكذلك التعاون المستمر من قبل السلطات الإسرائيلية، بحسب تعبير نص الخطة.

وفي دراسة صادرة عن شبكة السياسات الفلسطينية، بينت الدراسة أن مجمل المساعدات المالية الدولية التي حصلت عليها السلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاقية أوسلو وبروتوكول باريس الاقتصادي عامي 1993 و1994 وحتى العام 2011 بلغت أكثر من 23 مليار دولار. وقالت الشبكة (وهي مؤسسة مستقلة مقرها في واشنطن) إن السلطة تعتبر من أكثر المستفيدين من المعونات غير العسكرية في العالم، إلا أنها لم تجذب أي استقرار سياسي أو اقتصادي، بحسب تعبيرها.

مجمل المساعدات حتى نهاية النصف الأول من العام الجاري يتجاوز 26 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي لنهوض اقتصاد أي دولة من الصفر، لكن تم تصريفها في قنوات خدماتية واستهلاكية، أبرزها رواتب موظفي القطاع الحكومي البالغ عددهم 156 ألف موظف وموظفة، بفاتورة شهرية تتجاوز 100 مليون دولار. وبحسب الدراسة، وفي ذروة تدفقات المعونة في عامي 2008 2009، حلت السلطة الفلسطينية في المرتبة الثالثة بعد ليبريا وتيمور- ليشتي على قائمة أكثر متلقي المعونة، بحسب نسبتها المئوية من الناتج المحلي الإجمالي. وبينما يتم ضخ الأموال إلى السلطة لتعزيز موقعها التفاوضي امام جمهورها الفلسطيني، وقوتها امام خصومها السياسيين، وبالذات حركة حماس وغيرها من الفصائل المقاومة، عبر ترسيخ مبدأ قوة الاقتصاد وقدرتها على إدارة المناطق الفلسطينية التي لا تزال تحت الاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر، يرزح الشطر الآخر من الوطن في قطاع غزة تحت نير الحصار الاقتصادي من الجانبين الإسرائيلي، ومن جديد المصري، فوزير الاقتصاد في الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة، علاء الرفاتي، يؤكد أن الخسائر التي تكبدها القطاع جراء الحملة المصرية على حدوده وما ترتب عليها من إغلاق للأنفاق، تجاوزت 250 مليون دولار. مشيراً إلى أن ‘الوضع الإنساني في غزة، دخل مرحلة حرجة وخطيرة، جراء تشديد الحصار، بعد تدمير عدد من الأنفاق التي كانت تستخدم لإدخال البضائع والمواد الأساسية’. وأوضح أن الجيش المصري دمر منذ بداية حملته ما يقرب من 126 نفقاً حدودياً بين مصر وغزة، وأنها تسببت في تأزيم الأوضاع الإنسانية والصحية والبيئية.

الأنفاق ستبقى بطبيعة الحال طالما لم يتوفر بديل رسمي لحل الأزمات وتسهيل دخول البضائع إلى القطاع، ومصر بحكم الجوار والأخوة مطالبة بفتح معبر رفح البري بشكل رسمي، والسماح بحركة الأفراد والبضائع عن طريقه، لمساعدة أهالي القطاع في التخفيف من حدة الحصار المستمر منذ 7 سنوات، لكن السؤال الذي بات تحدياً كبيراً أمام الشارع الفلسطيني وأنصار القضية الأكثر عدالة على وجه الأرض هو: إلى متى يستمر اللعب بالورقة الفلسطينية وشطر الوطن الواحد إلى كيانين، من خلال تنشيط الوضع الاقتصادي في مرافق الضفة وجعل اهلنا في الضفة من مدمني المساعدات الدولية، التي باتت تنهش في جسد الاقتصاد الفلسطيني في مدن الضفة، فيما ينهش الفقر والحصار في الشطر الآخر من الجسد الفلسطيني في قطاع غزة، من دون مراعاة انعكاس ذلك مستقبلاً على وحدة الصف الفلسطيني؟

القدس العربي، لندن، 23/9/2013