السلطة الفلسطينية حبيسة المساعدات الدولية
بقلم: نبيل السهلي
طرح عجز السلطة الفلسطينية عن دفع رواتب موظفيها
منذ بداية عام 2015 بشكل منتظم أسئلة عديدة حول قدرتها على الاستمرار في قيادة شؤون
الأراضي الفلسطينية، والقيام بتنمية حقيقية، حيث تقدر رواتب موظفي مؤسسات السلطة الفلسطينية
شهرياً بـ125 مليون دولار.
وتؤكد دراسات مختلفة أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية
أدت إلى سيطرة إسرائيلية شبه كاملة على أهم مقدرات الاقتصاد الفلسطيني، كما أبقت اتفاقات
أوسلو وما تلاها من اتفاقات اقتصادية الأبواب مشرعة لربط الاقتصاد الفلسطيني بعجلة
الاقتصاد الإسرائيلي ولمصلحته.
وهو الأمر الذي أوقع السلطة الفلسطينية التي أنشئت
في ربيع عام 1994 في شرك الضرائب المحتجزة من قبل إسرائيل -التي تقدر بنحو 50 مليون
دولار شهرياً- ناهيك عن المساعدات الدولية والابتزازات السياسية من قبل الدول المانحة.
ويؤكد اقتصاديون بأنه ومنذ اليوم الأول لاحتلالها
الضفة الغربية وقطاع غزة في الخامس من يونيو/ حزيران 1967، سعت «إسرائيل» من خلال عملية
مخطط لها مسبقاً إلى تفكيك الاقتصاد الفلسطيني وتهميش قطاعاته الرئيسية، مثل الزراعة،
بغية ربطه بالاقتصاد الإسرائيلي ولمصلحته في نهاية المطاف.
واستطاعت السلطات الإسرائيلية السيطرة بشكل تدريجي
على أهم الأراضي الزراعية لصالح الأنشطة الاستيطانية التي لم تتوقف على رغم عقد اتفاقات
أوسلو في سبتمبر/ أيلول 1993. كما صادرت 80 في المائة من إجمالي الموارد المائية الفلسطينية
المتاحة والمقدرة بنحو 750 مليون متر مكعب سنوياً.
وقد أدت السياسات الاقتصادية الإسرائيلية إلى
تهميش قطاع الزراعة الفلسطيني، ما دفع آلاف العمال العرب في الضفة والقطاع إلى العمل
في الاقتصاد الإسرائيلي ووفق شروطه المجحفة، وذلك رغم رفع الفلسطينيين شعار مقاطعة
العمل العبري في السنة الأولى من عمر الاحتلال.
وتشير دراسات اقتصادية إلى أن الحكومات الإسرائيلية
المتعاقبة أصدرت قوانين تم من خلالها السيطرة على البنوك الفلسطينية وإلحاقها بالبنوك
الإسرائيلية، كمقدمة لتفكيك الاقتصاد الفلسطيني. وتبعاً لذلك، تراجع أداء الاقتصاد
الفلسطيني في قطاعاته كافة، وخاصة قطاع الزراعة الذي كان يساهم بالنسبة الكبرى في الناتج
المحلي الإجمالي الفلسطيني، وكذلك في استيعاب عدد كبير من قوة العمل الفلسطينية قبل
عام 1967.
واللافت للمتابع بأن اتفاقات أوسلو الموقعة في
عام 1993، لم تسعف الاقتصاد الفلسطيني، بل أبقت على تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، وأصبح
السوق الفلسطيني الثاني بعد السوق الأميركي في إطار العلاقات التجارية الإسرائيلية-
الدولية، إذ تهيمن "إسرائيل” على أكثر من 90% من إجمالي التجارة الخارجية الفلسطينية
بشقيها الصادرات والواردات.
والثابت –وفق دراسات اقتصادية- أن نسبة الصادرات
الإسرائيلية إلى السوق الفلسطيني كانت على الدوام أعلى من نسبة الواردات منه، الأمر
الذي جعل العجز التجاري الفلسطيني مع الاقتصاد الإسرائيلي سيد الموقف. ولهذا لم يكن
بمقدور السلطة الفلسطينية تحقيق تنمية تلبي طموحات الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية
وقطاع غزة، بعد احتلال مديد نال من الأرض والموارد الاقتصادية، في وقت تزيد معدلات
النمو السكاني بين الفلسطينيين في الضفة والقطاع عن 3% سنوياً، ما أدى إلى الاعتماد
المتزايد على المساعدات الدولية، وبات وجود السلطة واستمرارها مرهوناً بانسياب المساعدات
الدولية إليها، وحبيس الضرائب التي تحتجزها إسرائيل بين فينة وأخرى، بغية إخضاع الفلسطينيين
سياسياً.
وثمة إجماع بين الخبراء الاقتصاديين والمحللين
السياسيين، على أن السياسات الاقتصادية الإسرائيلية الممنهجة خلال ثمانية وأربعين عاماً
من الاحتلال (1967-2015)، كانت بمثابة مقدمات جعلت المجتمع الفلسطيني عرضة لابتزازات
سياسية دائمة من إسرائيل، التي جعلت من الضرائب المفروضة على العمال العرب من الضفة
والقطاع الذين يعملون في الاقتصاد الإسرائيلي، وكذلك الضرائب المتحصلة على التجارة
الفلسطينية التي تعتمد على منافذ إسرائيلية، عنواناً آخر للضغط ومحاولة إخضاع الفلسطينيين
سياسياً عبر البوابة الاقتصادية.
وتشير دراسات اقتصادية إلى ظهور أزمات اقتصادية
فلسطينية مستعصية نتيجة عدم القدرة على التنمية المستقلة، من أهمها البطالة، التي بلغت
معدلاتها نحو 60 في المئة في قطاع غزة، ونحو 30 في المئة في الضفة الغربية خلال العام
المنصرم 2014، وكان لذلك تداعيات خطيرة على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، فقد
انتشر الفقر المدقع بين ثلثي المجتمع الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية.
وقد تواجه السلطة الفلسطينية خطر الانهيار في
ظل ربط انسياب المساعدات الدولية بانطلاق المفاوضات مع "إسرائيل” دون أي شرط فلسطيني.
وقد أشار متابعون إلى أن مخاطر انهيار السلطة الفلسطينية باتت ماثلةً وحاضرة بقوة،
خاصة بعد انضمام فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية.
لكن الثابت أيضاً أن معادلة ربط المفاوضات مع
استمرار وبقاء المستوطنات جاثمة على صدر الفلسطينيين، باتت مرفوضة من قبل قيادة الشعب
الفلسطيني، التي تطالب بتفكيك معالم الاحتلال الإسرائيلي، وبشكل خاص المستوطنات الإسرائيلية،
فضلاً عن تفكيك جدار الفصل العنصري الإسرائيلي الذي سيبتلع المزيد من أراضي الضفة الفلسطينية.
وقد يعزز التوجه الفلسطيني المذكور تنامي الانحياز الشعبي والرسمي في العديد من دول
العالم الى جانب الحق الفلسطيني، خلال السنوات الأخيرة.
المصدر: الحياة