السلطة الفلسطينية على مسار الانتحار
بقلم: د. مردخاي كيدار*
هناك من يعتقد بأن الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية سيخلق موازنة جديدة تمكن الفلسطينيين من جني ثمار أكبر من مفاوضاتهم مع إسرائيل في مواضيع الحدود والمستوطنات واللاجئين والقدس.
هؤلاء لا يعلمون شيئا عن طبيعة الوضع السياسي الإسرائيلي، ويراهنون على فلول اليسار الذين وقعوا معهم اتفاقات أوسلو، رغم أن دورهم في السياسة الإسرائيلية تقلص منذئذ شبه كلية.
قيادة منظمة التحرير اليوم أصبحت حبيسة شعاراتها وأوهامها ولا تعلم كيف تنزل من الشجرة التي تسلقت عليها بعد أن حرقت السُلم.
هل تأتي أساطيل العالم لإخراج إسرائيل من القدس، عاصمة اليهود التاريخية، خاصة في ظل السكوت العالمي على المجازر في سوريا واليمن؟ هل ستهرع جيوش العرب الجرارة وجيوش الدول الإسلامية الجبارة لإنقاذ فلسطين بعد أن باعها الفلسطينيون لليهود طيلة القرن الماضي بثمن بخس دراهم معدودة؟
القيادة الفلسطينية لا تصغي للتهديدات الأمريكية بوقف المساعدات المالية لو توجهت للأمم المتحدة بصورة أحادية الجانب، كما وأن إسرائيل ستتمكن من إلغاء اتفاقات أوسلو وإيقاف تمرير الأموال للفلسطينيين لأن التوجه الفلسطيني للأمم المتحدة مخالف جذريًا لهذه الاتفاقات. وعندما تأتي الدولة الفلسطينية إلى حافة الإفلاس ولا تتمكن من دفع رواتب الموظفين إلى أين تتجه؟ إلى إيران المفلسة تحت الضغوط العالمية والفساد المحلي؟ أو إلى أثرياء العرب الذين أداروا ظهرهم للفلسطينيين منذ عقود؟
وهناك خطر من الداخل الفلسطيني أيضا، فالكل يعلم طبيعة الطلاق البائن بين قطاع غزة والضفة الغربية، كما وهناك الكثير من العشائر في الضفة التي لا ترضى بحكم (زمرة تونس) عليها. ولكن الخطر الأكبر هو من اللاجئين الفلسطينيين في الضفة والقطاع والشتات لأن إسرائيل ستقول للفلسطينيين: (الآن لكم دولتكم المعترف بها دوليا فعودة اللاجئين ستكون إليها).. والعالم بطبيعة الحال سيقبل بهذا المنطق. لهذا يعتبر اللاجئون هذا التوجه للأمم المتحدة كطعنة في ظهرهم وسحب البساط تحت أرجلهم، فإلى أين سيوجهون سخطهم، وضد مَن يصوّبون غضبهم؟
ولكن الشيء الأخطر هو أن الاعتراف الدولي بفلسطين على الضفة الغربية وغزة سيعطي إسرائيل في حدود 1949 بوليسة تأمين دولية، وهكذا يتحول (احتلال 1948) شرعيا حسب المعايير الدولية. فماذا سيقول المتحدثون باسم حماس؟ والجهاد؟ والجبهات؟ والإخوان المسلمين في مصر؟ والإيرانيين؟ وفاروق القدومي؟
وعندما نشاهد المصاعب التي تواجه القيادة الفلسطينية - الاقتصادية والشعبية، الداخلية والخارجية - لا مفر لنا من الاستنتاج بأن هذه الحفنة من المستوزرين التي يقودها محمود عباس تقود الفلسطينيين إلى الهاوية بل والانتحار كشعب وكمشروع دولة أيضا.
الاعتراف الدولي سيأتي بوثيقة إضافية تنضم على الرف لآلاف الوثائق التي جمعها الفلسطينيون طيلة التاريخ ولم تأت بهم إلى الحل المنشود. التاريخ شاهد بأن اتفاق مع إسرائيل وحده يأتي بالنتائج الإيجابية للفلسطينيين مثل إقامة السلطة الفلسطينية عام 1994، وهناك خطر بأن التوجه الأحادي الجانب للأمم المتحدة رغم المعارضة الإسرائيلية سيقضي على الأحلام الفلسطينية كليا وسيخسر الفلسطينيون جميع مكاسبهم.
وإذا لجأوا مرة أخرى إلى العنف لوجدوا أن الشعب الإسرائيلي سيندفع مرة أخرى إلى اليمين ويقف صفا واحدا وراء أقسى التدابير التي تتخذها الحكومة الإسرائيلية ضد (الإرهاب الفلسطيني).
لو كانوا يجلسون مع الحكومة الإسرائيلية لوجدوا أن اليمين الإسرائيلي يتمكن من تنفيذ أي اتفاق يتوصل إليه الجانبان لأنه لا يعاني من معارضة اليمين بينما اليسار الإسرائيلي مشلول الحركة بسبب المعارضة اليمينية.
ولكن هناك من يريد الحصول على المستحيل ورفع أحلام الفلسطينيين إلى ارتفاعات لا يمكنها إلا أن تسقط منه إلى صخرة الواقع وتتحطم ربما للأبد.
لقد قال المرحوم أبا إيبان الذي شغل منصب وزير الخارجية الإسرائيلي قبل 30 عاما إن الفلسطينيين لم يضيعوا فرصة لتضييع فرصة.
رحم الله الفلسطينيين إذا كان من يقودهم مصاب بهذه الدرجة من العمى. ربما سيكون لهم عَلَم يرفرف على العامود رقم 194 في مقر الأمم المتحدة، ولكن هناك شك كبير في إمكانية قيام دولة لهم هنا في فلسطين.
* الدكتور مردخاي كيدار يعمل في قسم الدراسات العربية، بجامعة بار إيلان، إسرائيل.
المصدر: موقع CNN بالعربية