الشباب
والثورة: ضد حماس أم معها؟!
د. نهاد
الشيخ خليل
يعتبر
البعض أن الوضع الجديد في مصر جعل حماس في مهب الريح، وأن الثورة باتت وشيكة ضد
حماس في غزة. يعتمد هؤلاء في تحليلهم على زيادة إحكام الحصار، وبالتالي توقف دخول
الأموال إلى غزة، والعودة إلى الأوقات التي كانت البضائع شحيحة، وحينها سيثور
الناس على حماس!
هل هذا
ممكن، أو قابل للتحقق؟
المستقبل
في علم الله، لكننا نحاول القراءة والتنبؤ بما يمكن أن يحدث في مصر، وفي غزة
أيضاً، وذلك من خلال النقاط التالية:
أولاً:
لقد تم تجريب هذا الأسلوب، وخلت المحلات من بضائع كثيرة بما فيها حليب الأطفال،
إضافة إلى نقص شديد في السولار والبنزين والغاز، أما عن الكهرباء فحدث ولا حرج،
وصدرت في حينه الدعوات للثورة على حماس؛ لأن الحكومة والحركة في غزة فاشلتان،
وعاجزتان عن توفير متطلبات الحد الأدنى من احتياجات الناس.
وبالفعل
حدثت الثورة، ولكن الناس ثارت مع حماس وليس ضد حماس، فدخلت الجماهير إلى العريش
كسراً للحصار، ثم حفر الشباب الأنفاق لإدخال البضائع، وصمد الناس في حربين مع
حماس، وتضامنت أطراف خارجية عديدة مع غزة وحماس، وجاءت السفن والقوافل لكسر
الحصار، إلى أن حدثت تصدعات حقيقية في جدار الحصار.
ثانياً:
لم تعتمد حماس في ترسيخ وجودها على الإخوان المسلمين المصريين، حيث تمكنت من ترسيخ
أقدامها في غزة عندما كان الإخوان في مصر بلا حول ولا قوة، ولذلك فإن بقاء مرسي
سيقوي المقاومة، لكن لو نجح تغييبه فلا أعتقد أن هذا سيُضعف المقاومة أو حماس.
ثالثاً:
الجيش المصري، وبقية أجهزة الدولة العميقة، احتاج إلى عامين ونيف، مع ضخ أموال
رهيبة لتجميع قاعدة شعبية مساندة لهم، إضافة إلى تشويه صورة الإخوان، وتم توظيف كل
مؤسسات الدولة الإدارية والإنتاجية والقضائية والشرطية لخدمة التمرد، واستخدم الجيش
قوته المادية والمعنوية بشكل مكثّف لإخراج الجماهير، وترتيب وتضخيم احتشادهم من
خلال التصوير عبر الطائرات. أما في غزة، فإن دعاة التمرد والانقلاب فإنهم لا
يملكون شيئاً من هذا.
رابعاً:
الانقلاب على الإخوان في مصر تحقق، لأن كل مؤسسات الدولة معه، ورفضت التعاون مع
الرئيس المنتخب، أما بخصوص غزة، فإن حماس تمتلك كتلة شعبية واسعة وصلبة مؤيدة
لحماس بقوة، تستطيع حماس والقسام الادعاء في أية لحظة أنها تمتلك تفويضاً من هذه
الكتلة لعمل أشياء كثيرة، وحماس تسيطر على كل أجهزة السلطة، وتمتلك إعلاماً قادراً
على توصيل رسالتها، والمؤسسة الأمنية للحكومة في غزة قادرة على الضبط والسيطرة،
والقدرات التي يمتلكها القسام فوق الأرض وتحت الأرض لا تضاهيها قوة فلسطينية أخرى.
خامساً:
رغم كل ما توافر من إمكانيات للتمرد في مصر، إلا أن قسماً كبيراً من الجماهير لا
تزال ترفض نتائج التمرد، وتتحدى بخطوات يتسع ويتصاعد إيقاعها، وترفض التسليم
بنتائج ما جرى، رغم قوة الجيش والداخلية، إضافة إلى مساندة رجال الأعمال، وجيش
المثقفين الداعمين للتمرد والثورة على الإخوان.
بعد سرد
ما تقدم يمكن القول إن الدعوة للثورة على حماس في غزة غير واقعية، فدعاة الثورة
ليسوا ثوريين، ويراهنون على القذف بالشباب للمواجهة، ويمكن القول إن المحرضين على
التمرد لا يريدون إسقاط حكم حماس في غزة، لأنهم يدركون قبل غيرهم أن إمكانياتهم لا
تسمح لهم بالسيطرة على غزة في ظل وجود أجنحة المقاومة المسلحة بإمكانياتها
المختلفة.
وتتركز
أهداف دعاة الثورة والتمرد إلى تصعيد القلاقل، وزيادة المشاكل التي يعاني منها
الناس، وإبقاء حالة عدم الاستقرار، في محاولة لتوظيف معاناة الناس وغضبها في
انتزاع مواقف سياسية من حركة حماس.
هذه
الصورة ليست خافية على الشباب في غزة، وهم أكثر ذكاءً، وأرقى وعياً من المتذاكين الذين
يتنبؤون بالثورة، وينظِّرون لها، خاصة بعد أن رأى الشباب في غزة وغيرها، حجم
الخديعة التي تعرّض لها الشباب المصري بعد 30 يونيو، إذ تبين لهم أنهم (مضحوك
عليهم)، وأنهم عملوا لصالح الثورة المضادة.
وفي
المقابل، فإن الشعب الفلسطيني لم يوقع لأحد على بياض، وأن الأجيال الجديدة لديها
قضاياها، ومشاكلها، وطموحاتها، هذه القضايا لا بد من التعامل معها بمسئولية عالية،
وإيجاد الحلول المناسبة لمشاكل مستفحلة مثل البطالة، وتوفير المساكن، وتطوير
الخدمات الصحية، وإصلاح شبكات الطرق، وتيسير الخدمات التي تقدمها المؤسسات الحكومية
والبلديات.
أود
التأكيد على أن عدم استجابة الشباب لدعوات الثورة المزعومة، لا يعني أن الشباب في
غزة جامدون، بالعكس، فإن غزة تزخر بطاقات شابة لا تتوقف عن التفكير بوسائل توفير
أسباب العيش الكريم، إضافة إلى التقدم على طريق إعادة بناء حركة التحرر الوطني
الفلسطيني.
إذا
انتبهت حماس، حكومة وحركة، إلى احتياجات الشباب وقضاياهم ومشاكلهم وتطلعاتهم،
فبإمكانها أن تجندهم في ثورتها نحو التحرر، وإذا أهملت، أو تقاعست وقصَّرت فسيزداد
طموح خصوم حماس لتوريطها في مواجهات مع الشباب!
فلسطين
أون لاين، 3/8/2013