العنصرية المتصاعدة ضد الفلسطينيين
في لبنان
بقلم: أحمد الحاج علي
فرّ الفلسطيني أحمد أبو عرب من مناطق
القتال في سورية مع زوجته وثمانية من أبنائه منذ عام تقريباً. مرضت ابنته فاطمة،
دخلت المستشفى. العجز عن دفع تكاليف الطبابة أجبره للعودة الى سورية، لاستدانة بعض
المال من أصدقائه.
في هذه الأثناء صدر قرار من الأمن العام اللبناني
يُمنع بموجبه فلسطينيو سورية من دخول الأراضي اللبنانية. منذ أيام، يمكث الفلسطيني
أحمد أبو عرب عند الجانب السوري من معبر المصنع. عائلته في مخيم برج البراجنة في
بيروت تنتظر، وفاطمة أيضاً طال انتظارها.. في المستشفى.
قصص استهداف الفلسطينيين سواء الذين
حاولوا اللجوء من سورية، أو الفلسطينيين الذين يسكنون لبنان، تتكرّر بشكل شبه يومي
في لبنان. فالعنصرية هي أصل الحكاية، وجذورها تمتدّ بعيداً لتصل إلى نشأة النظام
اللبناني نفسه، وتفاصيل تكوينه الطائفي الذي تهيمن عليه فكرة التمايز عن الآخر.
مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية
عام 1990، لم يسع اللبنانيون إلى المصارحة، بل حاولوا التعمية على الأسباب المحلية
للحرب، فانطلقت مقولة "حرب الآخرين على أرضنا"، والتركيز على الأسباب
الخارجية للحرب، وتحميل الفلسطينيين الجزء الأكبر من المسؤولية، مع أن هناك حرباً
أهلية غير مكتملة عام 1958، أي قبل دخول السلاح الفلسطيني طرفاً في المعارك،
واستمرّت الحرب الأهلية ثماني سنوات بعد خروج المنظمات الفلسطينية من بيروت عام
1982.
وقّع الفلسطينيون اتفاقاً شاملاً مع
الحكومة اللبنانية مثّل الفلسطينيين فيه فضل شرورو وصلاح صلاح، وتناول الاتفاق كل
الهواجس لدى الجانبين من السلاح إلى الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين. لكن
السلطات اللبنانية لم تلتزم بنص الاتفاق الذي يتعارض مع مصالح إقليمية، كانت تسعى
إلى إشعار اللبنانيين بشكل دائم بخطر كامن في المخيمات، يمكن أن يصل إلى أي منطقة
لبنانية، في مسعى لإدامة هيمنة تلك القوى الإقليمية على القرار اللبناني، وتبرير
بقاء قواتها بعد اتفاق الطائف، وإنجاز السلم الأهلي.
وأصبح الخطاب اللبناني العنصري تجاه
الفلسطينيين من لوازم العمل السياسي لدى معظم الطبقة السياسية اللبنانية. يزرع
الخوف لدى الأتباع، يستحضر بعبع التوطين، يحذّرهم من السلاح المتأهّب في المخيمات،
فيطلب الخائفون الحماية. ولا يمكن التحدّث عن استثناءات في الطبقة السياسية
النافذة سوى النائب وليد جنبلاط وكتلته.
يمكن إيراد مئات التصاريح العنصرية،
كان أسوأها، وصف نائب في البرلمان اللبناني متهم على نطاق واسع بالفساد للمبعدين
إلى مرج الزهور بـ"النفايات السامة". وتضاعف عدد هذه التصاريح مع عودة
النائب ميشال عون إلى لبنان عام 2005، وتبنيه مواقف تدعو إلى مغادرة الفلسطينيين
لبنان إلى الدول العربية، ووقوفه بوجه أي تحسين في أوضاعهم الاجتماعية، بل معارضته
لإعادة إعمار مخيم نهر البارد، بذريعة أن مدينة فينيقية اسمها "أرتوزيا"
تقع أسفل منه.
ومن أبشع التصاريح المثيرة للاشمئزاز
تصريح جاء على لسان النائب سليمان فرنجية الذي ردّ على سؤال حول «السلاح الفلسطيني
خارج المخيمات»، بالقول إن «كل الوجود الفلسطيني في لبنان غير شرعي».
العنصرية لم تقف عند أبواب الخطاب،
بل تعدّته إلى قوانين تناقض أي تفكير إنساني، منها قوانين تمنع العمل في حوالى
سبعين مهنة، قانون منع التملك (قانون2001)، شبه حصار للمخيمات بمنع إدخال مواد
الإعمار، وإغلاق طرق، ونصب حواجز دائمة (تشديد متصاعد منذ عام 1996).
النظام اللبناني ولاّد لمعظم أشكال
العنصرية، الطائفية والإثنية والمناطقية. فالتناحر الطائفي دفع كل طائفة إلى
الانغلاق، ورفع أسوارها العازلة، من ثم تشكيل هويتها الذاتية على التضاد من الآخر.
وقادت هذه الانعزالية إلى خلق هويّة متخيّلة عن الذات والآخر بعيدة عن الواقع،
وإلى خوف، تحاول الجماعة الطائفية تبديده بآليات عنصرية، وخطاب متعالٍ، وتصرفات
جائرة، في توهّم أن ذلك يحفظ الجماعة.
فالعنصرية التي تستهدف الفلسطيني، هي
نفسها تقود إلى انتحار خادمة في لبنان كلّ أسبوع، وإلى اضطهاد العمال السوريين،
وإلى ازدراء ذوي البشرة السمراء. ومن هنا نستطيع فهم استهداف متاجر اللبنانيين عقب
أي اضطراب يقع في دولة أفريقية، بسبب تلك العنصرية التي حملها اللبنانيون معهم إلى
القارة السمراء.
كل ما سبق لا يعفي الفلسطيني من
ضرورة تصعيد نضاله السياسي والاجتماعي لنيل حقوقه الاجتماعية والإنسانية، فيُلاحظ
بشكل جليّ أن الجانب الفلسطيني الرسمي والفصائلي مقصّر جداً في هذا الصعيد،
وخصوصاً بعد اتفاق أوسلو، وهذا حديث تلزمه وقفة أخرى.
المصدر: السبيل