العودة إلى مخيم اليرموك
بقلم: علي بدوان
بات فلسطينيو سورية، وفلسطينيو مخيم اليرموك تحديداً، أيتاماً من دون رعاية أو احتضان، فقد نزح عن المخيم غالبية سكانه من اللاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم قرابة ربع مليون مواطن فلسطيني يسكنون قبل المخيم (لُب المخيم) ومعهم عدد مضاعف من أشقائهم السوريين من سكان المخيم الذين يقيمون داخله وعلى حدود قشرته السميكة، وبقي داخله أقل من 30 في المئة من سكانه، بعد أن عاد إليه عدد كبير من مواطنيه، إلا أن استمرار الاشتباكات والتطاحن الدموي على مداخله وأطرافه، دفعهم من جديد لمغادرة اليرموك، الذي أصبح الآن مكاناً شبه مهجور وأعداد السكان فيه لا تتجاوز نحو 20 في المئة من مواطنيه السوريين والفلسطينيين على حد سواء، بعد أن كان ينبض بالحياة، وقد تَحوّل خلال شهور الأزمة السورية الى ملاذ آمن لكل من دخله، خصوصاً من مناطق التوتر المحيطة به، حيث قدرت أعداد من لجأوا إليه في ذروة التوتر في احياء التضامن والحجر الأسود والعسالي والقدم وحي الزهور وبلدة يلدا وببيلا وغيرها ... بنحو ستمئة ألف مواطن سوري، وجدوا في اليرموك ملاذاً آمناً، ويداً شقيقة طيبة قدمت لهم يد المساعدة على اكثر من صعيد.
لقد أدى الإنفجار المدوي والهائل الذي وقع ليلة 28 كانون الأول (ديسمبر) الماضي في ساحة رئيسية من ساحات المخيم والتي تسمى بساحة (الريجي) والواقعة بالقرب من مدخله الرئيسي، الى نزوح الجزء الأكبر ممن تبقى في اليرموك. فقد كان ذاك الإنفجار مروعاً ومأسوياً وقد خلف وراءه دماراً هائلاً يحتاج الى مبالغ طائلة تقدر بمئة مليون ليرة سورية لإصلاح العقارات والمحال التجارية وغيرها التي دمرها الإنفجار الذي نجم عن سيارة مفخخة.
كاتب هذه السطور كان منزوياً في الطابق الأرضي من منزله القريب من ساحة الإنفجار وعلى بعد أقل من مئتي متر منها، وقد ارتجت الأرض وعموم الأبنية والمنطقة بشكل عام، لتخلف ذاك المشهد الذي لا يبشر بالخير أبداً، وقد قال أحدهم «أول الرقص حنجلة» وفق المثل الشعبي الفلسطيني السائد.
مخيم اليرموك يعيش الآن وضعاً صعباً ومأسوياً، فغالبية منازله وعقاراته فارغة من أهلها وسكانها (بالمناسبة: إن معظم عقارات مخيم اليرموك هي عقارات مُنظمة ومُسجلة بسجلات كاتب العدل والطابو وليست من مناطق العشوائيات المعروفة حول مدينة دمشق)، فيما توزع غالبية فلسطينيي المخيم على قوس واسع في مناطق داخل مدينة دمشق وعلى أطرافها، كما غادرت أعداد جيدة منهم نحو مصر ولبنان وبعض الدول الأوروبية.
لقد عجزت الفصائل والقوى الفلسطينية مجتمعة عن حل استعصاءات مشكلة مخيم اليرموك، وعجزت عن وقف عمليات التطاحن داخل بعض شوارعه ومداخله، كما عجزت عن إقناع مختلف الأطراف بوقف القنص من بعض الشوارع لما يسببه من إصابات قاتلة نالت عدداً كبيراً من مواطنيه الذين سقطوا مضرجين بدمائهم كأبرياء من دون ذنب اقترفوه، خصوصاً من كان منهم يحاول العودة الى منزله لجلب بعض الثياب أو الأغراض الخاصة.
اللافت للإنتباه في هذا السياق، أن صوت الجهات الفلسطينية الرسمية لم يعد ينطلق بشأن اليرموك، وأن جهودها المتواضعة توقفت الآن عملياً عن المبادرة للإتصال مع جميع الأطراف لتجنيب اليرموك مأساة جديدة، ومن أجل إعادته كما كان ملاذاً آمناً للجميع من دون سلاح أو إقتتال في شوارعه. وعليه فإن مصيراً قاتماً ينتظر مخيم اليرموك وسكانه، اذا بقيت الأمور كما هي عليه الآن. فنحن أمام سيناريوات عدة:
أولها: أن تُترك الأمور على ما هي عليه، وبالتالي علينا أن ننسى مخيم اليرموك نهائياً، ولن يبقى داخله أحدٌ من سكانه مع استمرار الإشتباكات على أطرافه وبعض شوارعه.
وثانيها: قيام الجيش السوري بشن عملية عسكرية شاملة في مواجهة «الجيش الحر» داخل اليرموك، وعندها سيكون الدمار الكبير هو حال اليرموك كما حصل مع مخيم نهر البارد في شمال لبنان قبل سنوات.
وثالثها: أن تتوصل جميع الأطراف المعنية وبجهود فلسطينية إضافية على أعلى مستوياتها ومن قبل الجهات الرسمية والفصائلية في منظمة التحرير الفلسطينية من أجل وضع حد لما يجري، وإعادة الحياة لمخيم اليرموك، ولدوره السابق خارج إطار مفاعيل الأزمة الداخلية السورية، بجانبها المتعلق بالتصعيد العسكري وبقاء دوره كحاضنة دافئة للجميع. ويبدو أن حظوظ هذا السيناريو متواضعة حتى الآن.
المصدر: الحياة، لندن