القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الفلسطينيون السوريّون... والبحث عن ملاذ آمن!!

الفلسطينيون السوريّون... والبحث عن ملاذ آمن!!

بقلم: سمير عطية

تتباين المعلومات في تقدير الأرقام، لكن الحقيقة الثابتة أنهم يشردون، وتختلف الأخبار في تفاصيل الحكاية، لكن الثابت أنهم يقتلون، وتتفاوت التقديرات في توصيف الواقع، لكن الأكيد أنهم مقهورون. ويوماً فيوماً يصبح اللاجئ الفلسطيني في سورية فصلاً مؤلماً من فصول التهجير، أو انتظار الموت عبر دبابة أو طائرة أو قنّاص.

لو كتبت هذه السطور قبل عامٍ لظنّ البعض أنها جزء من كتاب يؤرخ للنكبة، أو شاهد من شهود الهجرة، لكنّ الذي يحدث أنها عبارات مخففة لما يحدث للفلسطينيين هناك.

يقف أحمد عبدالله ابن مدينة صفد عند مبنى الهجرة والجوازات في العاصمة السورية دمشق. مئات الحالات المشابهة لحالته، تقف في صفوف طويلة، وما كان يلزم لاستخراجه وإنجازه في يومين، صار يحتاج إلى أطول من ذلك بكثير.

الفلسطينيون السوريون الباحثون عن مكان آمن لهم ترتفع أعدادهم باطّراد. الأفق الذي صار يغطى بالدخان، والقنابل والقذائف التي تصمّ الآذان، تجبر الفلسطيني على إعادة النظر في وضعه الحالي، وخاصة مع انحسار الخيارات وانكشاف الأحداث عن جغرافيا لا تبتعد عنها الأزمة في سورية، مدينة أو قرية أو مخيماً أو تجمُّعاً.

وإذا كان بعض الكُتّاب يصف الوقوف الفلسطيني في ساحة الأزمة بأنه مثل رقعة الشطرنج المليئة بالجنود والبيادق والقلاع، وضيق الخيارات أمامه، فإنّ هذا لم يمنع من هجرات داخلية مؤقتة، في مخيم بذاته، أو بين مخيم وآخر داخل سورية، وأخيراً البحث عن ملاذ آمن خارجها، في لبنان تارة وعبر شواطئ البحر المتوسط تارة أخرى، حيث المجهول!

الحديث عن لبنان يقودنا إلى الواقع الفلسطيني المتعب فيها، الذي وجد الأزمة تفرض على أشقائه وأبناء عمومته تشريداً جديداً، الأمر الذي أربكه اقتصادياً فوق ارتباكه، وبدأ يتعبه فوق تعبه، فلا الهجرة صارت تجاه فلسطين، ولا الفلسطيني في سورية بقي ملاذاً لأخيه في لبنان الذي كان يتكئ عليه في الملمّات والأزمات.

فواقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني لم يكن يوماً مشابهاً للفلسطيني السوري الذي عاملته القوانين السورية منذ الخمسينيات بمصطلح "ومن في حكمه" حين الحديث عن حقوق المواطن السوري في التملك والعمل وغير ذلك، ما يعطي إضاءة على حجم الضرر الذي يلحق بنصف مليون فلسطيني ليس لهم من مقر لهم منذ النكبة إلا فيها وبعض الدول العربية التي تسمح لهم للعمل فيها!!

تأتي كل هذه المستجدات الخطيرة في ظل تباطؤ الجهات المعنية عن حماية اللاجئ الفلسطيني، والقيام بمسؤولياتها على الوجه الأفضل وفق الواقع الخطير والدامي.

فلا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ولا هيئة اللاجئين الفلسطينيين قدمت حلولاً جذرية لإخراج الفلسطيني من دائرة الاستهداف الذي يُتهم فيه الطرف الآخر في كل مرة، ولا الفصائل الفلسطينية على الأرض قدمت حلولاً تعين على ذلك، بل ذهبت بعض الفصائل إلى أبعد من ذلك حين أصبحت لجانها في شوارع مخيمات مثل اليرموك، نقاطاً للتفتيش الأمني تضاف إلى سلسلة من الاعتقالات تصل في بعض المرات إلى المئات مثلما حدث قبل أيام قرب مشفى فايز حلاوة وامتداد شارع لوبية.

ومما يزيد الطين بلة، حسب وصف البعض، أنّ هذا يجيء في ظل انقسام فلسطيني تارة، وانشغال بهموم فصائلية داخلية تارة أخرى، وارتباك فلسطيني عام وفق الرؤية والمصلحة والتقدير!!! أتي هذا في إطار خريطة عربية مرتبكة تجاه الأزمة، وتباينات حادة في الموقف تجاه اللاجئين السوريين، فكيف باللاجئين الفلسطينيين الذين يعانون منذ عقود طويلة، مرارة اللجوء وضياع الوطن!!

يطالب عدد من الناشطين في قضية العودة بإنشاء خلية أزمة فلسطينية لإدارة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين هناك، وهي دعوة مهمة تعبر عن تجربة ورؤية وحرص، لكن للأسف ذهبت تلك الصرخة أدراج الرياح. لم يخذل شهر أيلول الماضي ذاكرة الفلسطينيين، فقد جاء دامياً موجعاً مليئا بالحزن والقهر، فيه من رائحة بارود أيلول الأسود، ودماء صبرا وشاتيلا، ومصابرة انتفاضة الأقصى. جاء على فلسطينيي سورية، فأدخلهم على أجندته... لاجئين جدداً في دروب القهر، وشهداء في أشلاء شوارع العروبة، ومعتقلين إلى أجل مجهول... وهناك من ينتظر انكشاف الأزمة، وانتهاء الوجع، راجياً أن يكون ذلك قريباً.

المصدر: مجلة العودة، العدد الـ61