الفلسطينيون من مذبحة إلى أخرى
بقلم: سمير الحجاوي
لم يتوقف الحقد اليهودي الإسرائيلي الصهيوني ضد الفلسطينيين منذ تفكير الحركة الصهيونية بإقامة دولة لليهود في فلسطين، وهو حقد ترجمته العصابات الصهيونية ما قبل إقامة الدولة وما بعدها على شكل مجازر دامية، تعتبر من المجازر الكبرى في التاريخ، والتي لم يقترف مثلها إلا معمر القذافي في ليبيا وبشار الأسد في سوريا ومن قبلهم حافظ الأسد في حماة، فهؤلاء جميعا ينهلون من نفس البئر الحاقد على الإنسانية جمعاء، فالعصابات اليهودية ذبحت الفلسطينيين في دير ياسين وقبية وكفر قاسم، وبعد أن أقامت كيانا على أرض فلسطين السليبة ارتكبت أكثر من 400 مجزرة كبيرة وصغيرة قتل فيها ما يزيد على 100 ألف فلسطيني، وهي عملية لا تزال مستمرة حتى الآن في فلسطين، بل إن المجزرة الإسرائيلية اتخذت شكل الحصار الشامل كما يحدث مع قطاع غزة حيث يرزح مليون ونصف مليون فلسطيني تحت الحصار في أكبر سجن جماعي في العالم.
هذه المجازر دخلت التاريخ الإنساني وتلطخ الصفحات اليهودية الصهيونية الإسرائيلية بالخزي والعار لأنها مكتوبة بالدم الفلسطيني والدماء العربية في لبنان ومصر والأردن وتونس ودبي ودول أخرى نفذت فيها العصابات اليهودية جرائم كبيرة وعمليات اغتيال وتصفيات ضد الفلسطينيين وأماكن كثيرة من العالم أيضا.
نفتح هذه الصفحات الدامية في الذكرى التاسعة عشرة لمجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف والتي قتل فيها الإرهابي اليهودي المتطرف باروخ غولدشتاين 29 فلسطينيا وجرح 150 آخرين أثناء تأديتهم صلاة الفجر في منتصف شهر رمضان المبارك في المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل والذي يصادف الخامس والعشرين من فبراير 1994.
لم يكن يعلم المصلون في الحرم الإبراهيمي أنهم على موعد مع الموت مع بزوغ فجر ذلك اليوم من رمضان، ولم يخطر ببالهم أن حاقدا متطرفا يتربص بهم ويدور كالضبع حول المؤمنين المستغرقين في صلاتهم، فقد أعد باروخ جولدشتاين عدته من أجل القتل وسفك الدماء.. أعد عقيدة حاقدة متطرفة تعلمها في مدارس الحقد الصهيوني في مستوطنة كريات أربع، وتتلمذ على القتل على أيدي متخصصين في حركة كاخ الإرهابية وكان أيضاً جنديا احتياطيا في جيش الاحتلال الإسرائيلي وهدفه المعلن قتل أكبر عدد من الفلسطينيين واقتلاع الوجود الفلسطيني من الخليل وكل فلسطين، تدرب على ذلك في معسكرات صهيونية داخل فلسطين المحتلة ومعروف بحقده الشديد على الفلسطينيين والمسلمين والعرب.
لم ينفذ جولدشتاين مجزرته وحيدا في فجر ذلك اليوم من رمضان، بل قتل بمساعدة وتواطؤ من جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي قام بإغلاق باب المسجد لمنع المصلين من الهرب أثناء تنفيذ المجزرة، وسمحوا له بإدخال السلاح وكمية كبيرة من الذخيرة، مما مكنه من قتل 29 مصليا خلال عدة دقائق قبل أن ينقض عليه المصلون ويقتلوه.
الإرهابي باروخ جولدشتاين ليس حالة عابرة في الحالة الإسرائيلية فقد سبقه بن غوريون ومناحيم وبيغن وإسحق شامير وارييل شارون الذين أصبحوا رؤساء وزارات للكيان الإسرائيلي الغاصب لأرض فلسطين، وإلى جانبهم عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين وقادة الجيش ووحدات الاغتيالات والتصفيات والمستعربين وغيرهم، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي يصبح فيها القتلة مسؤولين كبارا، وبالتالي فإن جولدشتاين ليس حالة معزولة بل هو جزء من منظومة القتل الإسرائيلية التي تتغذى على الحقد الأسود ضد الشعب الفلسطيني، وهي منظومة دينية ثقافية تعليمية بالدرجة الأولى، تشكل العمود الفقري للشخصية اليهودية الإسرائيلية التي يضاف لها مكون سياسي يتمثل بالصهيونية.
هذه المنظومة القاتلة التي قتلت وجرحت العشرات داخل المسجد، أكمل عملها جنود الاحتلال الذين فتحوا النار على الفلسطينيين من مدينة الخليل الذين هبوا لنجدة المصلين في المسجد حال سماعهم نبأ المجزرة فقتلوا 21 فلسطينيا مما رفع العدد إلى 50 شهيدا وفي وقت لاحق قتلوا 10 آخرين ليرتفع عدد الشهداء إلى 60 شهيدا وعدد الجرحى إلى أكثر من 500 مصاب.
بعد هذه المجزرة البشعة كانت النتيجة تقسيم الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود، يسيطر اليهود على القسم الأكبر منه، ويستخدم المستوطنون المسجد الإبراهيمي كله أثناء الأعياد اليهودية ولا يسمح فيها برفع الأذان في الحرم أو دخول المصلين المسلمين إليه.
الآن وبعد 19 عاما تحولت مجزرة الحرم الإبراهيمي إلى مجرد تاريخ وتحول الشهداء الفلسطينيون إلى أرقام في سجل ضحايا الإرهاب اليهودي الإسرائيلي، في حين تحول القاتل المجرم الإرهابي باروخ جولدشتاين إلى بطل قومي يعامله المستوطنون على أنه "قديس" لأنه استطاع قتل أكبر عدد من الفلسطينيين مرة واحدة في غضون دقائق وأقاموا له نصبا في مستوطنة كريات أربع حيث دفن.
مجزرة الحرم الإبراهيمي اليهودية ضد الفلسطيني حلقة في سلسلة متصلة من المجازر التي لا تزال مستمرة، بهدف الإلغاء المادي للفلسطينيين، فـ"الفلسطيني الجديد هو الفلسطيني الميت" حسب الثقافة والعقيدة والعقلية الإسرائيلية، التي تعمل مع أجل إقصاء الفلسطينيين ماديا ومعنويا وتاريخيا وجغرافيا، فالكيان الإسرائيلي يحتل الأرض ويقتل الفلسطينيين ويزور التاريخ من أجل إلغاء الآخر الذي يهدد شرعيته المزيفة.
لهذا فإن العقلية الإسرائيلية لا تعرف السلام ولا التعايش مع الآخر وقد أثبتت سنوات التفاوض العقيمة أنها لا تعرف غير القتل والدم والعدوان، فاوضهم ياسر عرفات فقتلوه، وانتخب الشعب الفلسطيني قيادته بطريقة ديمقراطية فحاصروه وتنازل لهم محمود عباس عن كل شيء فقالوا عنه إنه ليس شريكا في السلام، وأبرم معهم الملك الأردني الراحل حسين معاهدة فاستباحوا عاصمته وحاولوا قتل خالد مشعل في عمان، هذا فيض من غيض يثبت أن هؤلاء القوم لا يعرفون السلام ولا الوفاء العهود.
من العبث الاعتماد على مشروع تسوية لا قيمة له من الناحية العملية وإضاعة الوقت بحثا عن سراب خادع، وليس من خيار أمام الفلسطينيين ومعهم العرب سوى إنجاز مشروع وطني فلسطيني جامع يقوم على المقاومة أساسا بعد أن جرب الفلسطينيون والعرب المفاوضات دون فائدة ولم يجنوا سوى تهويد القدس وزرع الضفة الغربية بالمستوطنات والمستوطنين وحصار قطاع غزة وحربين كبيرتين على غزة وارتكاب مجازر دامية بحق الفلسطينيين.. لا خيار سوى المقاومة وغير ذلك عبث يسفك الدم الفلسطيني ويمهد الطريق أمام الإسرائيليين للانتقال من مجزرة إلى مجزرة.
المصدر: الشرق، الدوحة