الفلسطينيون والاشتغال بالهم العام
بقلم: ماجد الزير
عناوين المشهد الفلسطيني عديدة ومتنوعة، فالصراع مع العدو الصهيوني المدعوم من قوى عالمية بما يعني هذا من تداخلات على مستوى المعمورة، والعامل الجيوسياسي الحاضر أيضاً بتشتت الشعب الفلسطيني في أقطار الدنيا واختلاف البيئة السياسية من مكان لآخر، فابتداءً من فلسطين من بحرها لنهرها، نرى أن الضفة تختلف عن غزة والاثنتان ليستا في ظرفيهما كفلسطين الـ 48، ثمّ مخيمات اللجوء وفلسطينيو الدول العربية الأخرى والأقطار البعيدة على طرفي الأرض، فالحراك السياسي الفلسطيني مضطرب لأسباب عديدة من أهمها مؤشر البوصلة السياسية للأقطاب الفصائلية الفلسطينية الذي يشير لاتجاهات مختلفة إن لم تكن متعاكسة أحياناً.
يعمل كل من يريد أن ينهي الصراع لصالح الطرف الصهيوني على استغلال هذا بشكلٍ منظمٍ لكي يغذي ما يظهر من زاوية نظرهم أنه عوامل ضعف في الجسم الفلسطيني، فدعم لا محدود للكيان الصهيوني، واستخدام كافة الوسائل لتفتيت أي مشروع تحرري فلسطيني مقابل، بل وأية خطوة فلسطينية يمكن أن توظف لصالح بروز عامل قوة من شأنه أن يكون مخزوناً بعيد المدى لصالح الحق الفلسطيني في هذا السياق، فنفهم حينها أسباب تغذية الخلاف الفلسطيني، والمساعدة في بروز شخصيات فلسطينية تقتل روح الثورة، ومثال آخر بظروف مختلفة ما حصل لفلسطينيي العراق وعدم استيعابهم في دول الجوار الفلسطيني بعد نجاتهم من القتل داخل تجمعات الفلسطينيين في بغداد.
فيما نرى.. أعطى اختلاف العناوين والظرف خلال الستة عقود الماضية نتائج حيوية أسهمت في بقاء القضية حية بمفرداتها النقية، فالصراع ما زال مفتوحاً على مصراعيه ولم يسقط الحق الفلسطيني، فقد خلق تنوع الجغرافيا فرصاً مهمة في مختلف جوانب الحياة والتي وظفها الفلسطينيون إيجاباً، بل وفوّت وجود الفلسطينيين في الداخل والخارج بثقل متوازٍ تقريباً الفرصة على الاستفراد بالشعب الفلسطيني ككتلة واحدة أو محاصرة قراراته المصيرية.
فمن زاوية أخرى كانت الآفاق المفتوحة لأبناء الشعب الفلسطيني في دول مختلفة مناسبة لأن يشتغل بما يهم الشعب الفلسطيني بالعموم كالقضايا الفلسطينية الكبرى من قبيل القدس وحق العودة والأسرى والمستوطنات والأبعاد القانونية للحق الفلسطيني، ومن مسائل الهم العام ايضا الاهتمام بالقضايا الاغاثية في الشئون الحياتية اليومية عند بعض الفلسطينيين في دول مختلفة. وأن يدخل في صراع مع العدو بظروف أخرى متوازية مع المقارعة اليومية مع المحتل، لتواكب من زاوية أخرى الكفاح المسلح المشروع ضد المحتل في الداخل.
يحضر هنا ما يقوم به فلسطينيو أوربا من حراكٍ نافذٍ في كافة المجالات المتاحة في القارة وهي كثيرة لطرح القضية الفلسطينية في أرجائها والتأثير فيها، وتحقيق إنجازاتٍ مهمةٍ، كمؤتمر فلسطينيي أوربا للتمسك بحق العودة، والحملة الأوربية لرفع الحصار عن غزة، ومجلس العلاقات الفلسطينية الأوربية، والشبكة الأوربية لنصرة الأسرى الفلسطينيين، والمبادرة الأوربية لإزالة الجدار والمستوطنات، ولجان حق العودة الأوربية، وحملات التضامن مع الشعب الفلسطيني والمؤسسات الاجتماعية والثقافية الفلسطينية في كل بلد، والمؤسسات الخيرية والعديد من مؤسسات حقوق الإنسان المختصة بالشأن الفلسطيني.
هذا لا ينفصل عن حال الحراك الفلسطيني في الأمريكيتين والشرق البعيد، وهو يحاكي الحراك الرائد في مخيمات اللجوء بطبيعة الحال، ويحاول أن يرقى لتضحيات أبناء الشعب الفلسطيني في الداخل، ومجموع هذا يقفز على الجمود في الحالة السياسية الفلسطينية في انتظار تبدل الحال الحتمي لصالح وحدة القرار الفلسطيني التحرري ضمن منظومة وهيكل يشارك فيه الجميع، ولا مانع بأن تكون منظمة التحرير هي الحاضنة لكل هذا.
وإلى أن يأتي ذلك، فإن اخذ زمام المبادرة من قبل الناشطين من ابناء فلسطين اينما كانوا لخدمة كل القضايا المهمة في القضية فيما يمكن ان نعرفه بالاشتغال بالهم العام. سيظل هذا كما كان أحد ضمانات بقاء القضية حية.
المصدر: مجلة العودة العدد الـ55