الفلسطينيون.. والتقاط اللحظة التاريخية !!...
نواف ابو الهيجاء
ليس من شك أن ما يجري في الساحة العربية وفي مقدمتها الحدثان الرئيسيان في تونس ومصر والمخاض المؤلم للولادة العربية الجديدة في عدد من أقطارنا العربية إنما يصب في النهاية في صالح الانتماء القومي للتاريخ بمعاصرته وامتداده العميق في الزمن وشمولية رؤية نظرته الثاقبة لمستقبل عربي تكون فيه للجماهير العربية الكلمة الفصل.
وليس من شك بالتالي أن المنتج النهائي للجاري إنما هو في صالح القضية العربية المركزية -فلسطين- ولقد اتضح مرة أخرى أن انكفاء الواقع الفلسطيني على ذات منغلقة هنا وتطلعات انفعالية هناك لم يقدم للقضية إلا محاولات السعي لتركيز انفصالها عن جذورها وعن عمقها وأصالتها كقضية للأمة كانت مركزية وتبقى كذلك إلى أن تنجز الثورة العربية الفلسطينية مهمتها في التحرير والعودة.
هذا ليس كلاماً إنشائيا نابعاً عن عاطفة مخلصة متقدة بزخم الشباب برغم الشيب الذي خط الرأس واشتعل فيه وإنما هو استقراء للآتي من الحدث العربي -ولا أقول من الأحداث العربية- فما جرى ويجري في ساحات عربية بعينها- وفي توقيتاته وأساليبه وشعاراته إنما يكشف لمن هم في حاجة إلى الاكتشاف أن الأمة العربية واحدة وأن الجسد العربي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
هي ذي الحقيقة التي منها يتخوف الأعداء: إعادة اكتشاف حقيقة وكنه أن الطريق القومي أقوى من التضليل ومن الهزائم ومن الهجمات المتعاقبة والمتتالية بل أن ما يجري ضد الأمة كان لإدراك العدو مدى حيوية الأمة وقدرتها على الانبعاث -والنهوض- والسعي لإعادة حركة التاريخ نحو مجراها الطبيعي بما يعنيه ذلك من موقف مبدئي ضد المحتلين الصهاينة ومن اجتثاث لكل ما من شأنه تضليل الجماهير وإبعادها عن قياد مصيرها ومستقبلها وأن تخضب بالدم فللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق هذه الأيام والأحداث لابد أن ترغم الفلسطينيين في كل أماكن تواجدهم في القطاع والضفة كما في مخيماتهم وفي الشتات على إعادة النظر في مسارهم الماضي في ضوء ما يجري واستنطاق الحياة العربية الجديدة ومدى انتمائها إلى صلب القضية ومنهجها.
إن الأحداث تميل حتماً إلى جانب الحق العربي -الفلسطيني والمخاض لابد أن يسفر عن استنهاض جديد للأمة بدءاً من إدراك حتمية استعادة قدراتها ومكانتها تحت الشمس بدءاً من وحدتها في مواجهة التحدي المصيري الذي يمثله الكيان الصهيوني وامتداداته وتحالفاته- خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية.
يستطيع الفلسطينيون اليوم اغتنام الفرصة وذلك بالشروع الفوري في إنجاز التحرك الضروري نحو استعادة قوتهم (وحدتهم) -نحو إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية نحو التخلص من كل ما علق من شوائب في مسارهم منذ التوقيع على اتفاقية (اوسلو) وحتى اللحظة بمعنى البدء الفوري بعملية غسيل وتطهير تعيد إلى الثورة الفلسطينية ألقها ونصاعتها ...أليس الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الرصاصة الأولى؟ ألا يملك كل الخصائص التي يتميز بها شعبنا العربي من محيطه إلى خليجه ؟ ألم يحن الوقت لإدراك حقيقة أن (السلطة) في رام الله مجرد وهم ؟ ألم تخرج الجماهير في رام الله ترفع شعار (الشعب يريد الوحدة الوطنية)؟
إنه الوقت الأكثر مناسبة لحركة تثير ليس خوف العدو بل كل مخاوفه بقدر ما تثير كل هواجس أعدائنا من قدراتنا واكتشاف -جديد وواع وشبابي- لماهية العرب في الحاضر وفي رسم المستقبل بعد قراءة معمقة لدورهم تاريخيا في الحضارة الإنسانية بأسرها.
الوقت يسمح الآن باستعادة جديدة لمواقع القوة الفلسطينية لإضافة نوعية ملهمة للقوة العربية بحيث يشكل الفعل الفلسطيني رافعة عربية وبحيث يكون الانبعاث القومي المتجدد رافعة للفعل الجدي نحو الارتقاء بما تكتنزه النفس العربية من مكنون الخبرة والإيمان بالنصر إلى ذروات جديدة تنطلق منها الأمة نحو استعادة ذاتها وذلك لن يتم إلا حين يعود الإدراك العربي التام بأن فلسطين هي الخطوة الأبرز وهي التتويج العملي لمتطلبات وأهداف وشعارات الحركة العربية نحو استعادة التوهج من جديد والتقاط الفرصة السانحة لكي تعود ليس فلسطين حسب بل الأمة إلى حيث دورها وجدارة قيادتها في المسرى الإنساني نحو الكرامة والاستقلال وتأمين حقوق الإنسان وكسر أغلاله كلها دفعة واحدة.
هل يلتقط المعنيون الفلسطينيون في رام الله وفي القطاع وفي العواصم اللحظة التاريخية فينهضون بما ينبغي من نفض لغبار الزمن الذي أريد له أن يغيب نصاعة وأصالة وحقيقة الانتماء القومي للقضية الفلسطينية والاحتضان العربي للقضية المركزية عبر إدراك وإيمان بأن المحتل الصهيوني هو الخطر الأكبر على الأمة ومصيرها واستعادة دورها وحقوقها خاصة بعد انجلاء غبار الأحداث عن الصورة الجديدة لأمل الأمة ؟..
المصدر: جريدة الثورة السورية