القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

الفلسطينيون ومجلس الأمن

الفلسطينيون ومجلس الأمن

بقلم: د . ناجي صادق شراب

قرر الفلسطينيون بعد فشل المفاوضات وفقدان الأمل في حل سياسي تفاوضي ينهي الاحتلال "الإسرائيلي"، ويؤسس لقيام دولة فلسطينية كاملة، الذهاب إلى مجلس الأمن صاحب القرارات الملزمة، والقادر على فرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بقراراته . وقبل الدخول في تفاصيل دور مجلس الأمن والقضية الفلسطينية أذكّر بأكثر من ملاحظة لعلها تفيد ونحن ذاهبون لمجلس الأمن نطلب منه إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي"، وقيام الدولة الفلسطينية .

الملاحظة الأولى أن مجلس الأمن أصدر العديد من القرارات والبيانات وتبنى مشاريع قرارات كثيرة بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، ومجمل هذه القرارات والبيانات أن الاحتلال "الإسرائيلي" غير شرعي للأراضي الفلسطينية، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره . والملاحظة الثانية والمهمة أن مجلس الأمن لم يتبن أي قرار ملزم ضد "إسرائيل"، ولم يصدر أي مشروع قرار استناداً إلى الفصل السابع الذي يتيح فرض عقوبات على "إسرائيل" واستخدام القوة ضدها، وبالتالي كل قراراته مجرد توصيات، وليست ملزمة، والسبب في ذلك استخدام الولايات المتحدة حق الفيتو الذي تجاوز أكثر من أربعين مرة لحماية "إسرائيل"، والحيلولة دون فرض عقوبات، ولذلك بقي دور مجلس الأمن بعيداً عن دوره الحقيقي في الحفاظ على السلام والأمن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية . وآخر فيتو استخدمته الولايات المتحدة كان ضد قيام دولة فلسطينية كاملة العضوية فاكتفى الموقف الفلسطيني بدولة مراقب .

اليوم يتكرر هذا الخيار بالعودة لمجلس الأمن، والإصرار على تقديم مشروع قرار عربي يحمل مجلس الأمن مسؤولية إنهاء الاحتلال "الإسرائيلي"، وتحديد فترة زمنية، وهو مطلب على أهميته لكنه غير مسبوق في عرف مجلس الأمن، أن يتم تقديم مشروع قرار ويطلب فيه تحديد فترة زمنية قاطعة . الأهم من تقديم القرار الذي يحتاج أولاً إلى الحصول على موافقة تسعة أصوات من خمسة عشر صوتاً، وليس بالضرورة أن يكون من بينها كل أصوات الدول الدائمة العضوية، أي "الفيتو" في هذه المرحلة لا يستخدم، قد تكون هذه المرحلة مهمة جداً، ولكن الفشل فيها يكون أصعب، ومع التسليم بضمان تسعة أصوات، بعدها يعرض للمناقشة والتصويت، ويشترط موافقة تسعة أصوات من بينها الخمسة الدائمون، وهو أمر مستبعد كلية مع تأكيد الولايات المتحدة على استخدام "الفيتو"، وهو ما يعني عدم تبني المشروع مقدماً .

والسؤال لماذا إذاً التقدم بمشروع القرار؟ لا تعني المعرفة المسبقة أن دولة ما ستستخدم "الفيتو" ألا تتقدم الدول بمشروعات قرارات تخص السلام والأمن العالميين، فهنا لا بد من تحميل مجلس الأمن مسؤولياته . وثانياً يتم تسجيل مواقف سياسية، وتحميل الولايات المتحدة مسؤوليتها الخاصة بفشل مسار السلام، وهذا قد يشكل ورقة ضغط عليها، وبالذات في زمن التحولات العربية، وتشكيل تحالف دولي لمحاربة "داعش"، وكل هذه القضايا لها علاقة بالقضية الفلسطينية . والأمر الآخر هو فقدان الفلسطينيين لخياراتهم في التفاوض وحتى في المقاومة، وبالتالي لا بد من الذهاب إلى الخيار الدولي، وتحميل الأمم المتحدة ودولها مسؤولياتها في استمرار الاحتلال "الإسرائيلي"، وهذا من شأنه أن يعمق من عزلة "إسرائيل"، ويفتح الطريق أمام مزيد من دعم الدول واعترافها بفلسطين كدولة كاملة . والأمر الآخر والأهم أن هذه الخطوة توسع من خيار الشرعية الدولية، بتفعيل دور فلسطين في المنظمات الدولية، خصوصاً الانضمام لمعاهدة روما، وهو ما يعني فتح معركة جديدة مع "إسرائيل"، وهذه المعركة ليست معركتها، ولا تتحكم في كل أوراقها . وبالتالي هي معركة خاسرة بالنسبة إلى "إسرائيل" . لكنها معركة طويلة وتحتاج إلى صبر سياسي طويل، ودعم من قبل الدول العربية والإسلامية والصديقة .

ومن الأبعاد المهمة في هذه المعركة تفعيل خيار قانون الاتحاد من أجل السلام، والذي بموجبه يمكن لفلسطين والدول العربية المدعومة دولياً تحويل مشروع القرار إلى مجلس الأمن، وهنا قد تعقد جلسة طارئة، وفي حال حصول مشروع القرار على ثلثي الأصوات وفقاً للقانون المذكور عندها يمكن التغلب على "الفيتو" الأمريكي، ويصبح القرار ملزماً، ويحمل الأمم المتحدة مسؤوليات أكبر .

هذه المعركة، أي معركة تفعيل دور الأمم المتحدة، وتحميل المجتمع الدولي المسؤولية يحتاجان إلى أرضية فلسطينية صلبة وقوية، وعمق عربي قوي، وتأييد دولي فاعل . لذلك هي المعركة الحقيقية لإنهاء الاحتلال، لكنها لا تعني في الوقت ذاته عدم تفعيل الخيارات الفلسطينية الأخرى، وبالذات خيار تفعيل المقاومة المدنية السلمية التي من شأنها أن تخلق قوى ضغط كبيرة على المستوى الدولي . هذا الخيار يحتاج إلى رؤية وخيال سياسي مبدع، ورؤية استراتيجية واقعية وتكامل بين كل الخيارات الفلسطينية المتاحة والممكنة .

الخليج، الشارقة