الفلسطينيون يبحثون عن أمل جدّي
بقلم: عبير بشير
في حين يقوم وزير الخارجية الأميركي جون كيري بمساعيه، من
أجل دفع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لتقديم التنازلات المتبادلة من أجل العودة مجددا
إلى طاولة المفاوضات، وفي حين يتحدث كثير من المحللين عن عدم قدرة الطرفين على التوصل
إلى تسوية سياسية في الظروف الراهنة،- حتى لو أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد رقّ
ولأن للضغوطات الشديدة عليه من الجانب الاميركي ووافق على لقاء نتنياهو، واستئناف المفاوضات
تحت سقف الاستيطان الهادئ ، مقابل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين - ما قبل أوسلو- كنوع
من حفظ ماء الوجه. -، حتى لو تم كل ذلك، فإن المراقبين يتوقعون تفجير المحادثات مع
بدء الغوص بالتفاصيل حول الملفات العالقة كالحدود والأمن وغيرها من الملفات.
وفي هذا الإطار، حذر كبير المحللين السياسيين في صحيفة يديعوت
أحرنوت ناحوم برنياع، من أن تسونامي سياسياً، سيضرب إسرائيل في حال فشل عملية السلام،
وستعود إسرائيل بقوة إلى المواجهة المفتوحة مع المجتمع الدولي ومع الفلسطينيين، الذين
سيحاولون بكل جهد انتزاع الاعتراف تلو الاعتراف في المنظمات الدولية. وبالتوازي مع
ذلك شكك برنياع، في قدرة نتنياهو على الاستمرار في حصر الاهتمام الدولي في المشروع
النووي الإيراني، وحشر الملف الفلسطيني في الزاوية، وأوضح بريناع بأن فوز حسن روحاني،
دفع الدول الغربية إلى أخذ قسط من الراحة، وتجميد الخيار العسكري إلى حين تظهير المشهد
الإيراني، وتبيان الموقف الرسمي لروحاني من الملف النووي.- هذا من جانب -. ومن جهة
أخرى، فإنه يرى، بان أبو مازن ليس ياسر عرفات وهو لا يؤمن بقوة العنف للوصول إلى الأهداف،وأن
الدبلوماسيين الأجانب يتحدثون بتأثر عن جهود الرئيس الفلسطيني في مكافحة الإرهاب ،
كلما حاول نتنياهو أن يشدهم إلى مخاوفه الأمنية في سياق أي اتفاق مع الفلسطيينن.
على كل حال، يخلص كثير من المراقبين الإسرائيليين وعلى رأسهم
برنياع، بأن الرأي العام عند الطرفين قد يئس من تحقيق السلام، حيث أنه لا سبيل للضغط
على الزعماء بالرأي العام، لأن الجمهور لم يعد هناك منذ زمن !!! ويؤكدون روايتهم بالقول،
بأن جموع الفلسطينيين خرجت إلى الشوارع منتشيه في رام الله وغزة والناصرة، ليس للاحتفال
بنجاح جهود كيري السلمية، وتحقيق حل الدولتين، بل للاحتفال، بنجاح شاب من غزة، اسمه
محمد عساف - في الوصول إلى التصفيات النهائية في برنامج غنائي شهير على مستوى الوطن
العربي والفوز بلقب محبوب العرب، حيث أخرجهم الشاب الملتف بعلم فلسطين وبكوفية ياسر
عرفات،- والكلام للصحافة الإسرائيلية - إلى الساحات العامة للابتهاج بنصر عزيز- دون
الحاجة إلى تقديم تنازلات سياسية أو مصافحة عدو ، فهم سيكتفون بهذه الخطوة حينما لا
يكون هناك حل واقعي مقنع في الأفق.
ومن الأهمية بمكان أن نقول، بأن ظاهرة محمد عساف، فرضت نفسها
على وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي لم تستطع تجاهلها، وهي من المرات القلائل التي
يتناول فيها الإعلام الإسرائيلي موضوعاً فلسطينياً بعيداً عن الصورة النمطية للفسطيني-
الإرهابي والانتحاري - الذي يحمل حزاماً ناسفاً أو زجاجة مولوتوف، ويستهدف الإسرائيليين
الأبرياء. حيث خرجت الصحف العبرية بمانشيتات عريضة تتحدث بأن عساف نجح في توحيد غزة
والضفة تحت علم فلسطين، فيما ذكرت صحيفة هآرتس، بأنه لأول مرة منذ احتلال الأراضي الفلسطينية
عام 1967، يلتف الفلسطينيون حول تجربة فريدة من هذا النوع.. في الوقت نفسه، حذر كثير
من الإسرائيليين من خطورة ظاهرة محمد عساف، الذي نجح في كسر الصورة الذهنية للفلسطيني
لدى الرأي العام الدولي، ونقل صورة مشرقة للفلسطيني الحالم المفعم بالحياة والحب، وكان
سفيرا فوق العادة لبلاده وقضيته واللاجئين الفلسطينيين لدى دول العالم، حيث ردد أغاني
وطنية، تخلد قضية وطنه ومعاناة شعبه، واهتز على أنغامها ملايين المشاهدين والمستمعين،
وهو يرتدي الكوفية رمز النضال الوطني الفلسطيني حذروا من تلك الظاهرة على الرواية الصهيونية،
ودعوا في المقابل إلى خلق بطل قومي- عبري - يلتف حوله الإسرائيليين، ويكسب تعاطف دول
العالم ورشحوا لهذه المهمة جلعاد شليط -.
نعم محمد عساف، نجح فيما فشل فيه القادة الفلسطينيون، ووحّد
الشعب الفلسطيني، ففجّر المحبة والفخر والإعتزاز في قلوب الملايين من الشعب الفسلطيني
في الوطن والشتات، في الضفة الغربية وغزة متجاوزا وعابرا للفصائل والتنظيمات إلى رحاب
الوطن الكبير.
هستيريا الحماسة والانبهار- في الشارع الفلسطيني - التي رافقت
متابعته مراحل تصفيات برنامج محبوب العرب ثم هستيريا الفرح التي أصابت الشعب الفلسطيني
كله من دون استثناء، حين إعلان تتويج محمد عساف، والمظاهر الاحتفالية العارمة والصاخبة
التي صاحبت ذلك، والحشد الهائل الذي زحف لاستقبال عساف على معبر رفح ثم في الضفة الغربية،
لا يمكن تفسيرها على أنها مجرد مظاهر احتفالية على حدث فني وثقافي كبير، بل هو أعمق
من ذلك بكثير، فهو بمثابة انفجار مدوّي للشعب الفلسطيني الذي يعاني الكبت على مدار
عقود، ومرارة فقدان الأمل، ما حصل يكشف الوجه الآخر للشعب الفلسطيني، بعيدا عن ما تتناقله
الكاميرات والفضائيات من صور القصف والدمار وتشييع الشهداء والحصار، يكشف عن مدى عشق
الفلسطيني لمشروع الحياة، وتشوقه لأن يحيا مثل شعوب العالم بسلام في دولة حرة ومستقلة.
يكشف بأن تحت الرماد وتحت الحصار وتحت الاحتلال....نار متقدة، ليس لأن تقتل أو تسفك
الدماء، بل لكي تنير مشعل الحرية والمعاني الإنسانية المفعمة بالمحبة والسلام.
وضمن هذا الإطار، وهذا المضمون، يمكن محاولة تفسير هذا الإقبال
غير المسبوق من الجماهير العربية، على اتساع رقعة الوطن العربي على برنامج غنائي من
مثل هذا النوع، وكما يقول د. جمال نزال : بأنه تعويذة تعلقها الشعوب العربية على صدورها،
ضد ربيع إسلامي حارق، وكما يتحدث كثير من المحللين بأنه رد فعل عكسي على ما يحدث في
سوريا وليبيا ومصر وتونس وما تشهده المنطقة العربية من مشاهد اقتتال وصراع وعنف وتطرف،
وتشير هذه الظاهرة، بأن الشعوب العربية ما زالت بغالبيتها تمثل التيار المدني، وما
زال الفن يمثل لغة الحوار الإنسانية للمجتمع المدني الكبير.
وغني عن الذكر، بان فلسطينية محمد عساف، وغزيته، أعطت لهذا
البرنامج الغنائي، هذا الزخم المبهر والتعاطف الواسع في لبنان وفلسطين والأردن ومصر،
وشمال أفريقيا، ودول الخليج، وأميركا اللاتينية ودول المهجر، ولكن بالتأكيد أيضا، فإن
حنجرة عساف الذهبية، وشخصيته الفنية الطاغية، جعلته لا يسعى للقب، بل اللقب يسعى إليه.
وكما يقول الأستاذ. طلال عوكل، فإن عساف وحّد الشعب الفلسطيني،
حين شتته السياسة، وحمل القضية الفلسطينية على أجنحة الريح، تمخر عباب البحار والفضاءات،
والفضائيات. عساف وعبر أغانيه، وعبر اللغة العالمية الموسيقى شرح القضية بأفضل ما يكون،
وسجل اعتزازه بكل مفاصلها: الكوفية، البندقية، حق العودة، الأسرى، الشهداء، الأرض،
الوطن، التراث، القدس.، لقد فرض على الجميع بأن يرفعوا، فقط العلم الفلسطيني، حتى لا
تظهر أي راية لأي فصيل في أي احتفال.
المصدر: المستقبل