القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

الفلسطينيون ينتظرون ربيعهم

الفلسطينيون ينتظرون ربيعهم

بقلم: ماجد كيالي

لم يستطع الفلسطينيون مواكبة موجة الثورات الشعبية العربية الحاصلة، بالطريقة المباشرة، برغم من إنهم كانوا يعتبرون عامل "تثوير" في هذه المنطقة، وبرغم من ميلهم الفطري إلى ذلك، بحكم أوضاعهم الخاصّة.

ليس في هذا "النكوص" (إذا جاز التعبير) نوع من التوجّس، أو الحيرة، أو التقصير، بالنسبة إلى الفلسطينيين، فكل ما في الأمر أن أوضاع هؤلاء باتت مختلفة جداً، إذ لم يعودوا أنفسهم، بعد كل التجارب المهيضة التي مرّوا بها.

ومثلاً، فإن منظمة التحرير باتت بمثابة نظام من الأنظمة السائدة، بكل ما لهذه الكلمة من معنى، وهي ذاتها بحاجة الى التغيير في طريقة عملها وعلاقاتها وبنيتها "الحاكمة"، مثلها في ذلك مثل غيرها، لتخليصها من ركودها ومن شيخوختها، وتجديد حيويتها وشبابها.

أما بالنسبة للحركة السياسية الفلسطينية فقد فقدت طابعها كحركة تحرر وطني بعد أن تحوّلت نوعاً من سلطة تحت الاحتلال في الضفة والقطاع، وبعد أن تخلّت عن المقاومة بكل أشكالها المسلحة وغير المسلحة في الضفة كما في القطاع. وفوق هذا وذاك فإن الفلسطينيين يعانون من انقسام نظامهم السياسي، وهم مستنزفون جرّاء الاختلاف والتنازع على القيادة والسلطة بين أكبر حركتين سياسيتين عندهم ("فتح" و"حماس") ما يضعف من فاعليتهم.

وفي الأراضي المحتلة فإن الفلسطينيين في الضفة الغربية يكابدون اليوم من سياسات الاحتلال القائمة على تقطيع التواصل بينهم، بالاستيطان والجدار الفاصل والحواجز العسكرية، في حين إنهم في قطاع غزة يعانون الأمرّين جراء إجراءات الحصار الإسرائيلية في البر والبحر، والتي تعزلهم عن العالم وعن محيطهم وحتى عن امتدادهم في الضفة.

وفي الخارج يبدو أن الفلسطينيين بات لديهم شعور بأنهم أضحوا خارج المعادلات السياسية، وخارج إطارات المشاركة السياسية، سواء الفلسطينية أو العربية. فعلى الصعيد الفلسطيني فإن تجمعات اللاجئين تعيش وضعا من القلق والحيرة والضياع، بعد انتهاء ظاهرة المقاومة المسلحة وأفول الفصائل وتهميش منظمة التحرير وغياب المنظمات والاتحادات الشعبية والمؤسسات الجمعية، وبعد تراجع حلمهم بالعودة.

وعلى الصعيد العربي فإن هؤلاء اللاجئين لا يستطيعون التصرّف أو حتى الشعور كمواطنين، رغم أن عليهم ما على هؤلاء، فهم خارج إطار المواطنة، في أي من البلدان التي يقطنون فيها، سيان كانت محسوبة على النظم القطرية أو القومية؛ مع ما في ذلك من تناقض بشأن كون العربي لاجئا في أمته العربية.

مع كل ذلك فإن هذا الوضع القلق للفلسطينيين لا يعني البتّة أن هؤلاء لا يجدون أنفسهم في خضم الثورات الشعبية، على العكس من ذلك، فهؤلاء، في الغالب الأعم، يظنّون بأن عدوى الثورة التي تسري في دمائهم باتت تسري في العروق العربية، وأن الشعوب الثائرة على الظلم، ومن اجل الحرية والكرامة والعدالة، باتت اليوم تشبههم أكثر من أي وقت مضى، تماما بقدر ما إنها أشعرتهم بأنهم باتوا عرباً أكثر من أي وقت مضى أيضا.

وعلى هذا المنوال فإن الفلسطينيين لا يخفون شعورهم بالفخر لجهة أن انتفاضاتهم باتت تجد تمثّلاتها في ميادين المدن العربية من المحيط إلى الخليج تقريبا (حتى أن كلمة الانتفاضة باتت تحتل موقعها في قاموس المتظاهرين في الوول ستريت في نيويورك).

عدا ذلك فإن الفلسطينيين، في غالبيتهم العظمى، يشعرون اليوم بأن هذه الثورات تنتصر لهم، ولقضيتهم، من الأنظمة التي ظلمتهم وكبّلتهم واستخدمتهم، آملين بأن معاني الحرية والعدالة والكرامة التي تنشدها هذه الثورات، برغم عثراتها ونواقصها ومشكلاتها، لابد أن تشملهم وان تنصفهم في الزمن العربي المقبل.

وعلى الأرجح فإن غالبية الفلسطينيين تأمل بأن التغيير في النظام العربي، المحمول على رياح الثورات الشعبية، وفي اتجاه إقامة نظم ديموقراطية وتعددية ومن خلال صناديق الاقتراع والتمثيل، ربما يسمح ويسهّل على الفلسطينيين تغيير نظامهم السياسي الذي بات له من العمر عقود مديدة من الزمن. وحقا فثمة شرعية للتصوّر المتعلق بإقامة نظام سياسي فلسطيني جديد يتأسّس على الديموقراطية والتعددية، والانتخاب والتمثيل، وعلى استعادة الحركة الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني ضد الاستعمار والعنصرية، لأن الفلسطينيين لا يعيشون في جزيرة معزولة، ولأنهم أكثر تأثرا من غيرهم بالتحولات السياسية العربية.

ثمة ناحية أخرى غاية في الأهمية، أيضا، ذلك أن قيام الدولة الديمقراطية ـ المدنية، دولة المؤسسات والقانون والمواطنين، في الواقع العربي سيجعل إسرائيل تبدو وكأنها بمثابة جزيرة جدباء قائمة على الاستعمار والعنصرية والأصولية الدينية، على نقيض الصورة التي طالما روّجتها إسرائيل عن نفسها باعتبارها "واحة" للحداثة والديمقراطية في صحراء العالم العربي. هذا سيضعف من إسرائيل وسيعزز من مسار نزع الشرعية عنها على الصعيد الدولي، ويضفي المزيد من الصدقية على كفاح الفلسطينيين ضدها.

وفضلا عن كل ما تقدم، وبالنسبة للفلسطينيين، فإن قيام دولة المواطنين الديمقراطية ـ المدنية في العالم العربي لابد سيعزّز من شرعية توسيع خياراتهم السياسية، من خيار الاستقلال في دولة في الضفة والقطاع إلى خيار العيش في دولة واحدة ديموقراطية - مدنية/علمانية في كامل فلسطين/إسرائيل؛ وهو الخيار الوحيد الذي يشكّل نقيضا لإسرائيل الصهيونية والعنصرية والدينية والاستعمارية.

المصدر: موقع القدس