القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

الفهم الاستراتيجي الصهيوني ليهودية الدولة

الفهم الاستراتيجي الصهيوني ليهودية الدولة

د. فايز رشيد

ذات الوقت الذي تنشغل فيه السلطة الفلسطينية بالمفاوضات مع الكيان الصهيوني، على الرغم من تعنته في رفض الحقوق الوطنية الفلسطينية جملة وتفصيلاً، فإن القادة الإسرائيليين منشغلون بوضع الأسس الاستراتيجية ليهودية الدولة. هذا الشعار الذي عملت من أجل تحقيقه تسيبي ليفني إبّان تسلمها لحقيبة الخارجية في إسرائيل، أخذ فكرته بنيامين نتنياهو وطورّها إلى ضرورة اعتراف دولي بيهودية إسرائيل، وبالفعل اعترفت به دول عديدة في العالم من بينها الولايات المتحدة وفرنسا. لم يكتف نتنياهو بذلك بل أخذ يشترط على الفلسطينيين والعرب الاعتراف به مقابل إجراء التسويات (التي بطبيعتها هي حلول إسرائيلية) للصراع مع الطرفين ضمن الفهم الإسرائيلي له.

إسرائيل تنظر إلى شعار’يهودية دولتها’ بمنظار استراتيجي أعمق بكثير مما يعتقده العالم، ومن بين صفوفه الفلسطينيون والعرب، الذين رأى فيه بعضهم، طريقاً للقضاء نهائياً على حق العودة للفلسطينيين، في إطار قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الشأن، وتبريراً لإجراء ترانسفير مستقبلي لفلسطينيي منطقة 1948. الدولة الصهيونية ترى في تحقيق الشعار اعترافاً رسمياً من كل من يعترف ‘بأن إسرائيل هي الوطن الموعود للشعب اليهودي’، باعتبار اليهودية ليست ديناً فحسب وإنما أيضاً ‘قومية’. هذا المفهوم يختلط للأسف على الكثيرين حيث يردده هؤلاء من دون تفكير فيه. إسرائيل تقصد من وراء الشعار الاعتراف بأنها الوطن المشروع لكافة أبناء (القومية) اليهودية في مختلف أنحاء العالم، لذا بدأت في سن مشاريع قوانين في الكنيست توضح وتفصّل فيها، الأسس الاستراتيجية القانونية للشعار. لقد سارع رئيس كتل الائتلاف الحاكم النائب المستوطن ياريف لفين إلى إعادة صياغة ما يسمى’قانون دولة القومية’، وهو مشروع قرار كانت قد اقترحته الأطراف الأكثر تشدداً في الكنيست السابقة، وبسبب من حل الكنيست لم تتم قراءته الثانية والثالثة ليصبح قانوناً خلال الكنيست الحالية (وهي الأشد تطرفاً من السابقة)، لذا فإن صياغة القانون تحولت إلى ‘أرض إسرائيل هي وطن الشعب اليهودي’، ليس هذا فقط وإنما تمت صياغة قانون آخر سيجري تقديمه إلى الكنيست في دورته الحالية تحت عنوان ‘اللوبي من أجل أرض إسرائيل’. في الشرح (المُبهم) للقانون يحدد ‘أرض إسرائيل’ ب’أرض فلسطين التاريخية’ التي تعني كل فلسطين عملياً من (النهر إلى البحر). في حالة سن مثل هذا القانون فإنه يقطع الطريق على أية حكومة إسرائيلية حالية وقادمة، الانسحاب من الضفة الغربية (التي هي بالمفهوم الإسرائيلي يهودا والسامرة)، وبذلك سوف لن تتم إقامة دولة فلسطينية تحت أي ظرف من الظروف، هذه هي المرحلة الأولى. أما ما قد يحصل مستقبلاً من تطوير للقانون فقد يتحول إلى’أرض إسرائيل التاريخية’ وهذا ليس ببعيد بالطبع، وسيصبح تفسير القانون بأنه ‘أرض إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات’.

نحن لا نتجنى على الكيان الصهيوني، وإنما نتطرق إلى ما يجري داخله من تطورات بعيدة عن التناول والتركيز الإعلامي عليها. نقول ذلك برسم الذين يعتقدون من العرب والفلسطينيين بإمكانية موافقة إسرائيلية على قيام دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة عام 1967.

مشروع قانون آخر يقترحه لفين (وللعلم فإن ما حصل عليه المشروعان من أصوات مؤيدة بين أعضاء الكنيست بعد القراءة الأولى، تؤهلانهما ليصبحا قانونين بعد القراءتين الثانية والثالثة في الكنيست) وجاء بصيغة ‘إعطاء الأولوية في التطبيق القانوني للقيم اليهودية’، أي أن المرجعية الأساسية لتفسيرات القوانين الإسرائيلية هي’القيم اليهودية’ وليس النظام الديمقراطي (الذي تدّعيه إسرائيل).

في تفسير المشروع يَرِدْ، الحق في الحصول على الأرض والمسكن هو لليهود بدون ذكر للفلسطينيين في منطقة عام 1948. كما يدعو مشروع هذا القانون إلى شطب اللغة العربية كلغة رسمية ثانية في الكيان الصهيوني. هذا المشروع له أساس قانوني في إسرائيل، إذ من المعروف أن الحكومة الاسرائيلية برئاسة مناحيم بيغين قامت بتحصين الطابع اليهودي للدولة في القوانين والتعليمات الإسرائيلية في ما يتعلق بقرارات محكمة العدل العليا، وذلك بإصدار قانون ينص على ما يلي: ‘عندما تواجه المحكمة بسؤال قانوني يتطلب قراراً لا يوجد جواب له في القانون الوصفي- قانون الحالة - أو من خلال التحليل، يتوجب على المحكمة أن تقرر في ضوء مبادئ الحرية، العدالة، المساواة والسلام الخاصة بالتراث اليهودي’.

معروف أيضاً، أنه وفي الفترة ما بين عامي 1948 (عام إنشاء دولة الكيان الصهيوني) وعام 2009 أقرّت الدورات المختلفة للكنيست الصهيوني 32 قانوناً عنصرياً تمييزياً ضد الفلسطينيين العرب. وفقط في خلال الأربع سنوات الأخيرة تم إقرار 8 قوانين عنصرية، وهو ما يوضح طبيعة التحولات الجارية في إسرائيل، وكلها تشير إلى التحول في الاتجاه الأكثر تطرفاً وعنصرية.

بالقانون الإسرائيلي تمت مصادرة 800 ألف دونم من أراضي النقب، اضافة إلى تدمير 40 قرية عربية وتهجير 80 ألف فلسطيني. وبالقانون ممنوع على الفلسطينيين إحياء ذكرى النكبة عام 1948.

وبالقانون يحق لوزير الداخلية الإسرائيلي انتزاع الجنسية من أي مواطن فلسطيني عربي توجه له اتهامات بالعمل ضد الأمن الإسرائيلي، وبالقانون تم نزع هويات الفلسطينيين العرب في القدس وأعطيت لهم بطاقات إقامة مؤقتة لمدة عشر سنوات وغير ذلك من القوانين. الأغرب من كل ما سبق هو الادعاء الصهيوني بأن إسرائيل هي دولة (ديمقراطية). الأكثر غرابة أن المجتمع الدولي في غالبيته يعتقد بهذه (الديمقراطية) المزيّفة. ما يجري الآن من تعد تمييزي عنصري ضد فلسطينيي المنطقة المحتلة عام 1948 يحدث في القرن الواحد والعشرين وليس في القرون الوسطى، ورغم ذلك لا تدين الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي سن القوانين العنصرية الصهيونية.

الكنيست الصهيوني ما يزال في بداية دورته الجديدة (التاسعة عشرة) وعلى مدى السنوات الأربع القادمة سنشهد المزيد من القوانين العنصرية والمزيد من الوضوح الإسرائيلي في ما يتعلق بشعار’يهودية الدولة’.

القدس العربي، لندن، 15/8/2013