القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

الفوضى الأمنيّة في نابلس تؤرق السلطة الفلسطينيّة

الفوضى الأمنيّة في نابلس تؤرق السلطة الفلسطينيّة

بقلم: عدنان أبو عامر

في حادث مفاجئ بعد ظهر يوم 15 أيلول/سبتمبر، أقدم مسلّحون مجهولون على مهاجمة سيارة نقل أموال تابعة لبنك "الاستثمار الفلسطينيّ" عند مدخل بلدة بير نبالا، قرب مدينة رام الله في وسط الضفّة الغربيّة، وتمكّنوا من الاستيلاء على مبالغ ماليّة تقدّر بـ2.5 مليون شيكل إسرائيليّ و200 ألف دولار أميركيّ، فيما شهدت مدينة جنين ليلة 15 أيلول/سبتمبر حالة من الفوضى الأمنية، تخللها إطلاق مسلحين مجهولين النار على قوات الأمن الفلسطينية أدى لإصابة عدد منهم بجروح.

تيّارات متصارعة

هذا الحادث يسلّط الضوء على حال الفلتان الأمنيّ، الّتي تسود الضفّة الغربيّة في الأشهر الأخيرة منذ بداية عام 2015، لا سيّما في بعض المدن الرئيسة مثل جنين ونابلس في شمال الضفّة، سواء أكان على خلفيّات مشاكل عائليّة أم اشتباكات بين مسلّحين من "فتح" والأجهزة الأمنيّة.

وإنّ تدهور الوضع الأمنيّ في الضفّة الغربيّة دفع رئيس الحكومة الفلسطينيّة رامي الحمد الله إلى عقد جلسة في 14 أيلول/سبتمبر، لقادة الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة للاطّلاع على الأوضاع الأمنيّة في الضفّة.

وأبلغ مسؤول فلسطينيّ رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويّته، "المونيتور" بأنّ "مظاهر الفلتان الأمنيّ في الضفّة الغربيّة حصدت منذ عام 2015 حوالي 26 قتيلاً فلسطينيّاً، وكانت حصّة مدينة نابلس لوحدها 7 قتلى، وغالبيّة المتورّطين في أحداث الفوضى الأمنيّة من عناصر الأجهزة الأمنيّة".

وإنّ التوتّر الأمنيّ، الّذي يسود نابلس دفع الأجهزة الأمنيّة الفلسطينيّة في 5 أيلول/سبتمبر إلى بدء حملة أمنيّة لاجتثاث الفلتان الأمنيّ فيها، واستقدمت قوّات معزّزة للمدينة تضمّ 3 فرق أمنيّة مدرّبة في الأردن، فيما هدّد محافظ نابلس أكرم الرجوب في لقاء صحافيّ بـ5 أيلول/سبتمبر العناصر المتسبّبة بالفلتان الأمنيّ بالملاحقة والاعتقال، لأنّ الفوضى الأمنيّة أصبحت لا تطاق في المدينة.

كما أنّ تزايد الفلتان الأمنيّ في الضفّة، دفع عضو المجلس التشريعيّ عن "فتح" حسام خضر من نابلس، إلى أن يشنّ عبر "المونيتور" هجوماً حادّاً على الرّئيس محمود عبّاس، لأنّه "يتجاهل الفلتان المسلّح، وتجارة المخدّرات في نابلس، ومستشاروه يخفون حقيقة التسيّب الأمنيّ عنه، ولا يضعونه في صورة واقع الأراضي الفلسطينيّة".

ومنذ قدوم السلطة الفلسطينيّة في عام 1994 تشهد نابلس تنافراً واضحاً بين قياداتها الأمنيّة والسياسيّة، لا سيّما بين عضو اللّجنة التنفيذيّة لمنظّمة التّحرير غسّان الشكعة، وهو رئيس البلديّة السّابق الّذي استقال في 10 آب/أغسطس إثر احتجاجات شعبيّة على سوء خدمات البلديّة، وبين عضو اللّجنة المركزيّة لـ"فتح" محمود العالول، وهو المحافظ السّابق للمدينة، بجانب الصراع بين أكرم الرجوب وعضو المجلس التشريعيّ عن "فتح" جمال الطيراوي، ويتورط في الفوضى الأمنية التي تعيشها الضفة الغربية محمّد دحلان، القياديّ الفتحاويّ من غزّة، الذي بات له تأثير واضح في الضفّة، عبر تحالفه مع غسان الشكعة وجمال الطيراوي.

وتمتلك هذه الأطراف الأربعة عناصر قوّة أمنيّة ودوائر نفوذ سياسيّة كبيرة، فالشكعة رئيس بلدية سابق، والعالول لديه تاريخ كفاحيّ ضد إسرائيل منذ التحاقه في فتح منذ سنوات السبعينات والثمانينات، وخاض معارك ضدها في الأردن ولبنان خلال هذه الفترة، ودحلان يمتلك موارد ماليّة يستطيع من خلالها شراء ولاءات تنظيميّة داخل "فتح". وهذا التّنافر يلقي بظلال سلبيّة على مخيّمات اللاّجئين في نابلس، خصوصاً بلاطة، عقب تدخّل مسلّحين تابعين لكتائب شهداء الأقصى الجناح المسلّح لـ"فتح"، الذين ينضمون لأحد أطراف الصراع، ويصدرون بيانات متبادلة، ويخوضون اشتباكات مسلحة منذ بداية 2015.

تزداد خطورة الفوضى الأمنية في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية، لأنها تعاني إهمالاً خدماتياً من قبل البلديات، ولا تحظى بالرعاية اللازمة من قبل السلطة الفلسطينية، مما يزيد من احتقان الفلسطينيين الذين يبدون تضامناً في بعض الأحيان مع المسلحين ضد أجهزة الأمن الفلسطينية في الأشهر الأخيرة.

وإنّ مراجعة سريعة لأحداث الفلتان الأمنيّ في الأشهر الأخيرة، تؤكّد أنّ الفوضى الأمنيّة شملت مدناً عدّة في الضفّة الغربيّة، فقد شهدت المنطقة الشرقيّة من نابلس، في 5 شباط/فبراير، اشتباكات مسلّحة بين عناصر أجهزة الأمن الفلسطينيّة ومسلّحين من "فتح"، استخدمت فيها الأسلحة الرشّاشة. ثمّ أقدم شبّان من مخيّم بلاطة في 25 نيسان/أبريل على خطف سلاح أحد عناصر جهاز المخابرات العامّة، إثر شجار وقع بينهما في وسط نابلس.

غياب عبّاس

وفي 24 أيّار/مايو، هدّدت كتائب شهداء الأقصى في نابلس المسئول في جهاز الاستخبارات العسكريّة المقدم عبد الحكيم وادي بالقتل، لاتّهامه بالعمالة للمخابرات الإسرائيليّة، فيما شهد مخيّم بلاطة مساء 25 أيّار/مايو اشتباكات عنيفة بين أجهزة الأمن الفلسطينيّة والمسلحين بعد محاولتها اقتحام المخيّم لاعتقال أحد المطلوبين لديها. كما اندلعت في مدينة طولكرم بـ13 حزيران/يونيو اشتباكات عنيفة بين أجهزة الأمن الفلسطينيّة والعديد من عائلات المدينة التي دعت إلى مسيرة تضامنيّة مع أحد أبنائها المعتقل لدى جهاز الاستخبارات العسكريّة الفلسطينيّة.

وكان ملفتاً خلال أحداث الفوضى الأمنيّة الّتي تحياها مدن الضفّة الغربيّة، إرسال عضو اللّجنة المركزيّة لـ"فتح" والرئيس السابق لجهاز المخابرات العامّة اللّواء توفيق الطيراوي رسالة إلى محمود عبّاس في 15 آب/أغسطس، حذّر فيها من فوضى أمنيّة عارمة قد تجتاح الضفّة الغربيّة.

وأبلغ صحافيّ فلسطينيّ من نابلس، رفض الكشف عن هويّته، "المونيتور" بأنّ "هناك حوادث أمنيّة في الضفّة تسفر عن انتشار الاشتباكات المسلّحة بسبب تجارة السلاح والمخدّرات والسيّارات، وحاولت السلطة الفلسطينيّة في الأشهر الماضية منذ بداية عام 2015، القيام بحملات أمنيّة عدّة لضبط الوضع الأمنيّ في الضفّة، بعد أن وصلتها معلومات بأنّ دحلان يزوّد بعض المجموعات المسلّحة بالعتاد والذخيرة، وانضمام مخيّمات أخرى إلى ظاهرة الفوضى الأمنيّة مثل: بلاطة، طوباس، عين بيت الماء، عسكر، والفارعة، نظراً لوصول ظاهرة انتشار المسلحين إليها، ورفض سكانها لما يعتبرونه اعتداءات تنفذها الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضدهم".

وعلم "المونيتور" من مسئول فلسطيني في مكتب الرئيس عباس، أنّ النائبة في المجلس التشريعيّ عن "فتح" نجاة أبو بكر طالبت عبّاس "بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الأسباب الحقيقيّة وراء ظواهر العنف الدمويّة الّتي ازدادت في المجتمع الفلسطينيّ، لأنّ هناك زيادة كبيرة فيها، وتخلّلها تدمير ممتلكات عامّة وخاصّة".

وإنّ ظاهرة الفلتان الأمنيّ في نابلس قد تتسبّب في انهيار اقتصاد المدينة، حيث يتمّ إطلاق النار على المحال والمصالح التجاريّة ليلاً من المسلّحين، الّذين ما زالوا يسيرون في شوارع المدينة ليل نهار من دون ملاحقة من الجهات الأمنيّة الفلسطينيّة.

وأخيراً، تعيش الضفّة الغربيّة على صفيح ساخن من الفوضى الأمنيّة الّتي تزداد يوماً بعد يوم، وليس هناك من بوادر مشجّعة للقضاء عليها أو التّخفيف منها، وسط تقديرات بازديادها إذا غادر عبّاس المشهد السياسيّ من دون ترتيبات أمنيّة وسياسيّة متّفق عليها مع قادة "فتح"، ممّا يفسح المجال لتحذيرات بنشوء مناطق نفوذ أمنيّة منعزلة عن بعضها البعض داخل الضفّة الغربيّة.

المصدر: المونيتور