القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

القانون لن يحمي الفلسطينيين

القانون لن يحمي الفلسطينيين

بقلم: عماد عريان

لا شك في أن التقاعس الدولي عبر عقود عديدة عن وضع القرارات الأممية موضع التنفيذ جعل الفلسطينيين في الداخل والخارج يعيشون ظروفاً قاسية وتهجيراً مستمراً وسط مشاهد مؤلمة منذ نكبة 48 وحتى يومنا هذا.

فمن خروجهم وتهجيرهم من فلسطين في هذا التاريخ نحو الأردن ثم الخروج الثاني عام 1970 إلى جنوب لبنان ثم إلى تونس عام 1983 كانت المشاهد مؤلمة أشد الإيلام فضلاً عن ظروفهم المخزية في عديد من الدول العربية ومخيماتهم فيها بينما الفلسطينيون داخل الخط الأخضر يعيشون دوماً تحت ضغط الاضطهاد وتهديد الطرد والترانسفير المحتمل.

يظهر ضعف القانون الدولي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وإيجاد حل لها في نقطة محورية أنه بالرغم من مرور سبعة وستين عاماً على الكارثة التي حلت بالفلسطينيين واحتلال أراضيهم في ذلك التاريخ أو في اعتداءات لاحقة، إلا أنه وحتى يومنا هذا لم يتم إيجاد حل جذري لهذه القضية.

تاريخياً.. وضع القانون الدولي بشكل أساسي كما معروف ومستقر على الصعيد العالمي لتنظيم العلاقات الدولية وتوفير الحماية للأفراد والجماعات من اللاجئين وعديمي الجنسية والخاضعين للاحتلال، إلا أن الأراضي الفلسطينية كانت دوماً خالية من مظاهر الحماية الدولية وهنا يسقط الهدف الأسمى للقانون الدولي بما في ذلك توفير الحلول الدائمة لأصحاب القضايا العادلة.

علاوة على ذلك - ووفقاً لدراسات قانونية دولية - لم يتم تكليف أية هيئة عالمية فاعلة بتوفير الحماية للفلسطينيين حتى اليوم، ويبدو الخلل واضحاً في اعتبار المساعدة الإنسانية التي تقدمها «الاونروا» بمثابة الحماية الدولية الواجبة للمواطنين الفلسطينيين، وهي بالقطع ليست كذلك!

وبالرغم من أن القضية قد أخذت حيزاً كبيراً في نقاشات المجتمع الدولي، إلا أن هناك العديد من الفجوات والمشاكل بخصوصها، ولا يمكن الجزم بأن المجتمع الدولي قد أغفل هذه الفجوات سهواً، فقضية حماية الفلسطينيين ليست بالجديدة وكان من السهل جداً في العديد من الأوقات انفاذ القرارات والقوانين ذات الصلة.

من ثم هناك ما يشبه الإجماع على أن لجوء السلطة الوطنية الفلسطينية للأمم المتحدة طلباً للحماية الدولية للشعب والأرض تصادفه عقبات كثيرة، وصدور قرار من مجلس الأمن في هذا الاتجاه صعب جداً إن لم يكن مستحيلاً، فليس خافياً أن الأمم المتحدة ذاتها هي التي شهدت في أغلب العقود الماضية نكراناً للحقوق الفلسطينية والعودة بها إلى الوراء.

مع ذلك تظل المساعي الفلسطينية – العربية خطوة في الاتجاه الصحيح. فالظروف الدولية والإقليمية الراهنة جعلت القضية شبه منسية لتمثل هذه الجهود في أروقة مجلس الأمن حالياً أمراً مطلوباً لإعادة القضية إلى صدارة المشهد العالمي أوضمن أجندتها.

أهمية ذلك تكمن في أنه على الصعيد الدولي لا تصادف القضية الفلسطينية أفضل ظروفها خاصة بعد الفشل العربي من قبل في تمرير قرار الدولة المستقلة داخل مجلس الأمن، إضافة إلى الضغوط الأميركية العنيفة على السلطة لعدم اتخاذ خطوات أكثر جرأة على الصعيد العالمي، وانشغال المجتمع الدولي في الوقت الراهن بقضايا سياسية وأمنية أكثر إلحاحاً جعلت القضية تتوارى في الصفوف الخلفية.

على رأس تلك القضايا أزمات الشرق الأوسط المعقدة والمتفجرة وظاهرة الإرهاب، كما تلقي التعقيدات الإقليمية مزيداً من الظلال القاتمة على الموقف الفلسطيني، فالمشهد العربي لا يبعث على الارتياح على الإطلاق في ظل حالة التشرذم والخلافات الثقيلة التي تحول دون نجاح العمل العربي المشترك بالنسبة لعدد من القضايا.

أضف إلى ذلك أن الصراعات الداخلية والحرب على الإرهاب تستنزف الجهود والقدرات العربية بشكل كبير دون أي بادرة أمل وشيكة على حلول ناجعة للأزمات القائمة، ويعني ذلك ببساطة أن القدرات العربية التي كان ينبغي أن توجه للقضايا القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية ستبدد في أمور أخرى وبالتالي يحرم الفلسطينيون من ظهير قوي.

ولا يختلف الموقف كثيراً على الصعيد الداخلي الفلسطيني، حيث لا تزال الانقسامات تؤثر بشدة على صلابة الموقف الفلسطيني وتجرده كثيراً من عوامل القوة في مواجهة العدوان الإسرائيلي مهما كانت همجيته ووحشيته.

ترتبط بهذه الأوضاع التطورات على الساحة الإسرائيلية وأحدث مستجداتها بالتأكيد المواقف المعلنة لزعيم الليكود الرافضة لقيام دولة فلسطينية مستقلة أو منح الفلسطينيين مزيداً من الحقوق السياسية أو الإنسانية وأيضاً النزوع نحو فرض مبدأ يهودية الدولة، بل لقد ضاعف نتانياهو في الأيام الأخيرة من سياساته العدوانية المؤيدة لهمجية المستوطنين بهدف اغتصاب القدس.

لذلك من غير المتوقع أن يخرج مجلس الأمن الدولي بنتائج إيجابية إزاء الدعوات للقيام بتحرك موحد لتخفيف التوتر في المناطق الفلسطينية المحتلة، والاستجابة لطلب الفلسطينيين تأمين حماية دولية لهم، حيث مازالت الولايات المتحدة تتخذ موقفاً رافضاً لأي تحرك جماعي وجدي، سواء على مستوى الأمن الدولي أو حتى على مستوى اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط.

ليس خافياً أن هذا المطلب الفلسطيني بالحماية الدولية قد سبقته مطالب أخرى مماثلة دون أن تلقى أي استجابة، لذا الأمر يعد في نظر البعض مناورة سياسية، خاصة أن الجانب الإسرائيلي يرفض الإذعان للقرارات الدولية بحجة أن أراضي الضفة الغربية هي أرض متنازع عليها في ظل عدم وجود حدود مرسومة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي!

في ضوء هذه الحقائق ليست مبالغة التأكيد مجدداً على أن حل المشكلة الفلسطينية سياسي في المقام الأول، فترسانة القوانين الدولية والقرارات الأممية توفر أسساً قوية لتسوية المشكلة ولكن غياب الإرادة السياسية يحول دون ذلك، ومن ثم فالقانون لم ولا ولن يحمي الفلسطينيين.