فايز أبو عيد *
لم تعد المزاودات والخطابات الرنانة التي
تطلقها الأنظمة العربية والإسلامية من أجل نصرة القضية الفلسطينية تجدي نفعاً، ولم
تعد تُطرب أحداً من الشعوب العربية، التي باتت تعلم علم اليقين أن هذه الشعارات
والمزاودات في الخطاب السياسي الرسمي ما هو إلا لحفظ ماء الوجه الذي أريق مرات
عديدة وليس أخرها الهجوم الوحشي والهمجي لقوات الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى،
يوم الثلاثاء نيسان/ ابريل الجاري، وفرض طوقاً وحصاراً على مصلياته، خاصة المصلى
القبلي، والاعتداء على المعتكفين فيه وتكسير عظام العشرات منهم بأعقاب البنادق
والهراوات، واعتقال حوالي 500 شخص في
الحرم القدسي.
صمود أهل القدس وثباتهم وصمودهم الاسطوري
واندفاعهم بشيبهم وشبابهم وأطفالهم ونسائهم للذود عن الأقصى الشريف بالأنفس والدم
واللحم عرت تماماً تلك الأنظمة وأسقطت ورقة التوت عنهم.
وأمام صمود أهل الرابط وتضحياتهم وما يتعرضون
له من قمع وتنكيل وقتل، ليس من المعقول أن نظل معتمدين فقط على استبسالهم الٌملفت
في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي وتصديه لمؤامرات الصهيونية المستمرة التي
يطول الحديث عنها ويثير في النفس شؤوناً وشجوناً حول غياب الدور الفعلي لمنظمات
دولية وعربية وإسلامية في هذه المواجهة التاريخية والحضارية والإنسانية، بينما
ينفق العدو الصهيوني الملايين في عمليات البحث عن "إكذوبة الهيكل"
والتنقيب عن "الوهم" وتهويد مخطط، فمن حقنا أن نتساءل أين المال العربي وموقعه
في هذه المواجهة؟ وأين الأمة الإسلامية والعربية المشغولة بخلافاتها الداخلية
متناسية أرض الإسراء والمعراج؟ المستجدية التطبيع والسلام مع كيان زائل لا محالة.
وهنا لابد أن نستذكر ما قاله تيودور
هرتزل" مؤسس الحركة الصهيونية: "إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال
حياً وقادراً على القيام بأي شيء، فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها
وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قروناً...".
تلك الكلمات السابقة "لهرتزل" تشك
دليل عمل لقادة الكيان الصهيوني في حملتهم المسعورة على المعالم الأثرية العربية
والإسلامية والمسيحية والأماكن المقدسة لقطبي الهلال والصليب، والتي رافقت بواكير
الاحتلال الصهيوني للقدس الشرقية في العام 1967، فناهيك عن تعرض مدينة القدس
لتغيير وقح ومستمر لطابعها الديمغرافي بغية تهويدها، فإن المسجد الأقصى المبارك
والحرم القدسي الشريف لما كان بوصفه أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، يشكل
رمزاً أساسيا للتواجد العربي والإسلامي في هذه المدينة، فإن الكيان الصهيوني ما
انفك يصب جام حقده ومؤامراته المنافية للشرائع السماوية والإنسانية والدولية على
هذا المعلم الحضاري والوجداني العربي والإسلامي، حيث تعرض الحرم لسلسلة من
الاعتداءات المتكررة والتزوير التاريخي والتخريب الهمجي والحفريات، وذلك من أجل
تحقيق المشروع الصهيوني الذي يتخذ من العقيدة الدينية مركباً لتحقيق أهداف سياسية قائمة على هرطقات مفتراة.
وأخيراً يمكن القول أما آن للعرب أن يخرجوا من
تقييم المؤرخ البريطاني "تويبني" لهم من خلال رؤيته للصراع العربي
الصهيوني حين قال: "العرب أسوأ محامي لأعدل قضية"؟! سؤال برسم التاريخ!!