القصة غير الرسمية
للمخيمات الفلسطينية في لبنان (2)
بقلم: ياسر
علي
يُجمع الفلسطينيون
أن المخيم هو أصل الحكايات، وفيه حفر اللاجئون الصخر وأضاءت عيونهم عتمة اللجوء، فخرج
منه المبدعون والمتفوقون والثورة، ومنه خرج الفدائيون والشهداء والقادة، حتى أن لقب
"مخيم الشهداء" يُطلق على معظم مخيمات لبنان. بعد تفاصيل التدوينة السابقة
التي كانت الجزء الأول من هذا المقال، نستكمل في هذا الجزء بقية المخيمات، وهي ثمانية.
مخيمات بيروت
مخيمات بيروت مثل
العاصمة، يتأثر التزايد السكاني فيها بشكل رئيسي بالهجرة من الأطراف إلى المركز وهي:
5- مخيم مار الياس:
أقيم على أرض وقف لكنيسة الروم الأورثوذكس، ضم عدداً من العائلات الفلسطينية المسيحية.
وما لبث أن امتلأ باللاجئين من مختلف المخيمات،
ولكونه قريباً من وسط العاصمة تحوّل إلى العاصمة السياسية للفلسطينيين، فافتتحت الفصائل
الفلسطينية لها مكاتب مركزية، وافتتحت المؤسسات الدولية والجمعيات الثرية مكاتب لها
في المخيم. ويُطلق عليه تندراً: مخيم خمس نجوم. ولموقعه سلبيات أيضاً، منها أنه يمتلئ
بالعمال والعاملات من الجنسيات الآسيوية، حيث يستأجرون بيوتاً في المخيم. ومنها أن
المنطقة المحطة بالمخيم امتلأت بالمباني الفخمة، فباتت أرضه هدفاً للشراء بمبلغ خيالي،
وبالتالي إزالته.
6- مخيم شاتيلا:
تأسس كأول تجمع لحزام البؤس في جنوب بيروت، كان يفصل بينه وبين العاصمة منطقة الرمل
-وفيها سجن الرمل- التي ما لبثت تحولت إلى منطقة الطريق الجديدة، وتحول السجن إلى جامعة
بيروت العربية. ثم تجاوزه الإعمار، فأزيلت البساتين والحقول خلفه وقامت الضاحية الجنوبية.
اكتسب المخيم شهرته العالمية من مجزرة صبرا وشاتيلا، وصبرا ليست مخيماً، بل هي شارع
بؤس لبناني ملاصق للمخيم. إلا أن أحد أهم مراحل شهرته كانت خروج منفذي عملية ميونيخ
في أولمبياد 1972 من هذا المخيم.
ومجزرة شاتيلا
(1982) التي شارك فيها جيش الاحتلال مع اليمين المسيحي اللبناني، جرى تقدير عدد ضحاياها
بين 1200 موثقين بالأسماء و4000 معظمهم مجهول الهوية. إلا أن في المخيم مقبرة لشهداء
حرب المخيمات من أبناء المخيم، تضم 587 شهيداً. تكثر الأمراض الصدرية في المخيم بسبب
البناء العامودي وعدم وصول الضوء والهواء إلى البيوت.
7- مخيم برج البراجنة:
هذا المخيم مبني على تلال من الرمل، لذلك فإن المخيم ينحدر من حارة (التلة) إلى حارة
جورة التراشحة. وهو قريب من مطار بيروت، المخيم الوحيد الذي لا تخترقه طريق للسيارات،
حيث يركنها أصحابها خارج المخيم ويدخلون سيراً.
بدأ المخيم بالخيام،
وهو اليوم بعد 69 عاماً، كحال بقية المخيمات، بالمساحة نفسها، مع تضاعف عدد السكان
أكثر من خمسة أضعاف. لذلك أصبح ارتفعت المباني إلى عدة طبقات وازداد ضيق الأزقة، وأظلمت
الزواريب، حتى اقتحمت العتمة أحياءه في الليل والنهار. وسبب ذلك هو التزايد السكاني،
ومنع الفلسطينيين من شراء وتملّك عقارات خارج المخيمات. منه بدأت حرب المخيمات عام
1985، وبه انتهت بممر الموت الذي قتلت فيه عشرات النساء اللواتي خرجن ليحضرن الطعام
لعوائلهنّ.
مخيمات صيدا
تتميز مدينة صيدا
ومخيماتها بالثقل الفلسطيني، حيث يقيم في منطقتها نصف فلسطينيي لبنان "نحو
120 ألفاً". وبالتالي فإن لهم ثقلاً سياسياً وإعلامياً واجتماعياً واقتصادياً،
وتوصف علاقتهم ببلدية صيدا وأحزابها وقواها السياسية بالممتازة. وفيها مخيما عين الحلوة
والمية ومية.
8- مخيم عين الحلوة:
أكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان، ويُعد عاصمة المخيمات، فيه الخزان البشري للفصائل
والقوى الفلسطينية "70 ألف نسمة"، يجري تصويره في لبنان زوراً كمقر للإرهاب
عبر حملات إعلامية تحريضية منسقة. أبيد المخيم في الاجتياح الإسرائيلي، وأعيد إعماره.
وفي الوقت الذي كان فيه رجال المخيم أسرى في معتقل أنصار، أشرفت النساء على الإعمار
وضغطن على الأونروا ورفضن مماطلتها، وبدأ الإعمار بطريقة مرتبة. لذلك فإن المخيم فيه
قواطع ومربعات سكنية وحواري مرتبة وشوارع رئيسية للسيارات. وله أربعة مداخل رئيسية
تنظمها حواجز عسكرية للجيش اللبناني.
كان المخيم في
حرب المخيمات (1985) في حالة هجوم، في حين عاشت بقية المخيمات حالة حصار. في هذا المخيم
اكتشف غسان كنفاني موهبة الفتى ناجي العلي الذي أصبح أشهر فنان كاريكاتير عربي. تعرض
المخيم أخيراً لمحاولة حصاره بجدار عازل سمّاه الناشطون "جدار العار".
9- مخيم المية
ومية: يقوم هذا المخيم على تلة عالية مطلة على مخيم عين الحلوة، قرب قرية المية ومية
المسيحية، وكانت العلاقات طيبة مع أهل هذه القرية قبل الحرب، وتمت بينهما عدة مصاهرات.
غير أن الحرب هجّرت أهل القرية، وعندما اجتاح الجيش الصهيوني لبنان، حضرت قوى عسكرية
من اليمين المسيحي أقامت في القرية، الأمر الذي تسبب باحتكاكات كثيرة مع أهل المخيم
أسفر عن إحراق قسم كبير من المخيم وتدمير مئات المنازل فيه. وقد أعيد إعمارها فيما
بعد.
مخيمات صور
مخيمات صور هي
المخيمات الأقرب إلى فلسطين، ومنذ أيام أتم عشرين عاماً صدور ذلك القرار الذي أقرّ
حصارها ومنع دخول مواد البناء والعسكريين والأجانب إليها، منذ 1-1-1997. وفيه ثلاث
مخيمات هي:
10- مخيم البص:
مخيم صغير سكنه اللاجئون الأرمن، عند مدخل مدينة صور، وهو شبه مندمج مع محيطه اللبناني،
شوارعه واسعة ومرتبة، وله أكثر من عشرة مداخل، أُقفلت جميعها، ما عدا مدخلين تشرف عليها
حواجز عسكرية للجيش اللبناني، أحدهما للداخلين والآخر للخارجين. وفيه المستشفى الحكومي
لمنطقة صور.
11- مخيم البراج
الشمالي: هو أيضاً مندمج بمحيطه، وفيه عدد كبير من اللاجئين المجنسين، وقد تمثلوا في
المجلس البلدي والمخاتير. كما أن جزءاً من عقاراته ليست تابعة للمخيم، وقد كان الاندماج
معاكساً قبل الاجتياح 1982، حيث انخرط عدد كبير من أبناء البلدة في فصائل الثورة الفلسطينية.
تفاعلت في هذا
المخيم الظاهرة الفكرية الثورية بالكفاح المسلح من خلال تجربة (بلال الأوسط) الشهيرة،
وعند باب هذا المخيم، حصلت أول مجزرة للدبابات الإسرائيلية في اجتياح 1982، وتم أسر
عدد من الجنود، وجثة جنرال جرى دفنها تحت مزبلة المخيم. في هذا المخيم حالة مرضية منتشرة،
هي مرض التلاسيميا، حيث تشكل نسبتهم 9 بالمئة من المرضى في لبنان، في حين لا يشكل عدد
سكان المخيم 0.4 بالمئة من سكان لبنان.
12- مخيم الرشيدية:
أقرب المخيمات إلى فلسطين، كان مخيماً للاجئين الأرمن، بنوا فيه كنيستين موجودتين حتى
اليوم. ونال الأرمن الجنسيات والحقوق، وغادروا
المخيم وحلّ محلهم الفلسطينيون. كان المخيم معزولاً عن محيطه لذلك ناله الحصار في حرب
المخيمات. وجودُهُ على البحر جعله عرضة للإنزالات البحرية الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه
كان المبيت الأخير لمنفذي العمليات البحرية الذين كانت تنطلق قواربهم من شاطئه إلى
فلسطين المحتلة.
بقيت تجربة المخيم
في الثورة الفلسطينية تتمتع بالطهورية الثورية لابتعادها عن القرار السياسي الفلسطيني
والسوري وخلافاتهما. فخرجت منه ظاهرة أشبال الأر بي جي التي حطمت أسطورة الدبابات الإسرائيلية،
وتخرّج منه عدد من المناضلين الأمميين من أمريكا وأوروبا حتى المغرب وباكستان وبنغلاديش.
عاش فيه أهل الجليل، وتعايش فيه السنة والشيعة والمسيحيون. غادره المسيحيون إلى المدينة
وبقيت بيوتهم يزورونها ويتفقدونها، وغادره الشيعة بعد اشتداد حرب المخيمات عليهم.
هذه هي الملاحظات
الخاصة في القصة الخفية للمخيمات الفلسطينية. أرجو أن أكون قد أوجزتها من غير خلل أو
ملل.
المصدر: مدونات الجزيرة