القضية
الفلسطينية والشباب السعودي
بقلم:
بدر الراشد
يغيب
الحديث بين الشباب السعودي عن أهمية القضية الفلسطينية التي كانت تلهم حركات سياسية
خليجية يسارية وقومية في الخمسينيات والستينيات، ودفعت سعوديين عديدين إلى التطوع
في حرب الدفاع عن فلسطين في العام 1948 ضمن الجيش السعودي الذي شارك في حرب فلسطين
آنذاك. ويبدو كأن هذه القضية العربية المركزية قد نُحيت جانباً، لصالح قضايا أخرى،
غير أن حضورها الأبرز لدى السعوديين تمثل، أخيراً، في إشهار التعاطف مع
الفلسطينيين في أثناء العدوان الصهيوني الأخير على غزة، ودعم المقاومة الفلسطينية،
وذلك في وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت وسيلة السعوديين الأولى والأهم
للتعبير عن أنفسهم، خصوصاً في ظل غياب الأنشطة الجماهيرية، مع بقاء الاهتمام
الأكاديمي والبحثي والسياسي الرسمي بالقضية.
يرى
الكاتب منصور البلوشي أنه، عند الحديث عن حضور القضية الفلسطينية في أوساط الشباب
السعودي، يجب رصد جانبين مهمين، أولهما أن موقع القضية لدى الشعب السعودي يتشابه
مع موقعها لدى الشعوب العربية، باعتبارها قضية عربية إسلامية محورية، فهي حاضرة في
الذاكرة العربية موروثاً ثقافياً. الجانب الآخر هو "الاستحضار الآني للقضية
عند الشعب السعودي، وعند فئة الشباب. وهذا الاستحضار هو استنطاق اللحظة
وتداعياتها، والتي تتأثر بجوانب أخرى". ويرى البلوشي أن الاستحضار الآني
للقضية الفلسطينية يتأثر بثلاثة عوامل: الأحداث السياسية في المنطقة، والتعاطي
الإعلامي مع القضية، والتفاعل مع وسائل التواصل الاجتماعية. ويضيف: "للأحداث
السياسية المختلفة في المنطقة دور مهم في استحضار القضية الفلسطينية عند فئة
الشباب، من حيث السطوع والضمور. ونظراً لمرور 67 عاماً على النكبة وتقسيم فلسطين؛
فإن القضايا اللاحقة (حروب الخليج الثلاث، الثورات العربية، الصراع الطائفي،
التمدد الإيراني.... إلخ) تسرق الضوء من القضية الفلسطينية إلى حين معاودتها
مجدداً".
ويوضح
الكاتب البلوشي أن للتركيز الإعلامي دوراً فاعلاً في استحضار القضية الفلسطينية،
حيث يغلب على تعاطي الإعلام العربي مع القضية الفلسطينية باعتبارها أحداثاً.
ولذلك، تحضر فيه من خلال أحداثها، مثل العدوان المتكرر على غزة، أو الاعتراف
بفلسطين دولة مراقباً في الأمم المتحدة، و"في مثل هذه الأحداث، يكون حضور
القضية لدى الشباب السعودي في أوجه، لكنه سرعان ما يتراجع بتراجع التعاطي الإعلامي
معها".
وعن
الجانب المتعلق بوسائل التواصل الاجتماعية، يرى البلوشي أن لها دوراً هاماً في
استحضار القضية الفلسطينية، كقضية محورية، لا حدثاً، كما يتم تناولها في الإعلام
التقليدي الذي يواكب الأحداث المتسارعة لنقل الأخبار، فيما وسائل التواصل
الاجتماعية تحتمل مواكبة الأحداث ومشاركة الاهتمامات، ويمكن استحضار القضية الفلسطينية
ونقاشها في أي وقت، بمجرد وجود مهتمين. و"في المجمل، تحضر القضية الفلسطينية،
من حيث أنها قضية العرب المحورية، وأثرها الثقافي والجغرافي والتاريخي ممتد
بامتداد ذاكرة الشعوب العربية. فهي لا تختفي، حتى تحضر".
حضور
حماسي:
يوضح
الكاتب سليمان الصيخان أن القضية الفلسطينية ظلت شديدة الحضور سنوات طويلة في
الوسط الشبابي السعودي، حيث كانت الأنشطة الطلابية في قطاع التعليم العام والجامعي
تعتني بها، وغالباً بلغة دينية حماسية بالأناشيد والمسرحيات والخطب، وكان صدى هذا
الحضور يظهر في خطب الجمعة، خصوصاً مع حدوث تطورات سياسية تستلزم التعليق. وقد
تراجع هذا الحضور في "الأنشطة الطلابية وقطاعات التعليم ..إلخ" لعوامل
مختلفة، بعد أحداث "11 سبتمبر"، لكن هذا التراجع واكبه حضور للقضية في
وسائط ومنابر وفضاءات جديدة، أبرزها وسائل التواصل الاجتماعي.
يقول
الصيخان: "غدت مواقع التواصل أكثر تحرراً من المؤسسات الرسمية، وأكثر تعبيراً
عن الرأي العام، فكانت المنتديات، ثم "فيسبوك" و"تويتر"،
المتنفس الكبير للتفاعل مع القضية الفلسطينية ولحضورها في الوسط الشبابي
السعودي". وقد ساهمت الحروب العدوانية الإسرائيلية على قطاع غزة، بشكل كبير،
في تجييش أعداد كبيرة من المغردين السعوديين للتنديد بها، باللغتين العربية
والانجليزية". ويضيف: "الحرب على غزة في صيف العام 2014، والتي امتدت
خمسين يوماً، وهي أطول الحروب على غزة، كان لها دور كبير في تنشيط أعداد كبيرة من
المغردين الصامتين سابقاً، بحيث انضموا إلى المغردين الذين نددوا بالعدوان".
ومن المهم الإشارة هنا، بحسب الصيخان، إلى غياب أي آليات دقيقة لقياس توجهات
السعوديين تجاه القضية الفلسطينية، غير أنه يكتب: "تذكر إحصاءات أن هاشتاغ
(#غزة_تحت_القصف) تجاوز، في وقت وجيز، المليون وثلاثمائة ألف تغريده، حصة الشباب
السعودي قرابة 40٪ منها"، وقد تجاوزت التغريدات الداعمة للفلسطينيين إلى ما
بعد الحرب قرابة 13 مليون تغريدة.
يستشهد
الصيخان باستطلاعات موقع "ركين"، والتي قاست مدى حضور القضية الفلسطينية
في الوسط الشبابي السعودي، وأفادت بأن "
"أكثر من 67% من الشباب السعودي يؤيدون
العمليات الفدائية داخل إسرائيل. وأكثر من 90% يؤيد استمرار المقاومة. أكثر من 70%
يوافق على المشاركة في الحرب ضد إسرائيل، لو طلبت منهم الحكومة". وأشار الصيخان إلى قياس للرأي العام العربي،
أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ونشرت موجزاً عنه مجلة سياسات عربية
التي يصدرها المركز (عدد سبتمبر/أيلول 2014)، أفاد بأن 75% من السعوديين يعتقدون
أن قضية فلسطين قضية العرب كلهم، وليس فقط الفلسطينيين وحدهم، ويظهر الاستطلاع أن
91% من السعوديين يعارضون أن يتجه بلدهم إلى الاعتراف بإسرائيل، والـ 9٪ لا يملكون
رأياً محدداً".
ويوضح
الصيخان أن الإحصاءات تظهر شدة حضور القضية الفلسطينية في أوساط السعوديين، على
غير ما يبدو عليه الوضع، حيث يعتقد كثيرون أن القضية الفلسطينية تتراجع بينهم،
وبين العرب عموماً. ويضيف: "تجدر الإشارة إلى أن أغلب حضور القضية الفلسطينية
هو من نوع التأييد الحماسي ودعم للتأييد الإعلامي للفلسطينيين ضد العدو، وهذا على
الرغم من أهميته واستمراره، إلا أن نقطة الضعف غياب الأبحاث العلمية الرصينة
والموثقة الذي تغطي كل جوانب القضية، على مستوى الدعاوي الإسرائيلية وعلى مستوى
تأريخ المقاومة ومسارها". ويرى أن غياب المراكز البحثية السعودية الرصينة
المهتمة بالقضية ينعكس على مضامين خطاب تأييد القضية.
الشباب
السعودي غير مسيّس:
للكاتب
السعودي عبد الرحيم بخاري رأي مختلف، إذ يرى أن اهتمام الشباب السعودي وتفاعله مع
القضية الفلسطينية ضعيف بشكل عام، لكنه يعلل هذا الحضور الباهت بأنه لا يختص
بالقضية الفلسطينية دون غيرها من قضايا المنطقة، إذ أن عدم الاهتمام سمة واضحة على
شريحة كبيرة من الشباب السعودي في كل ما يتعلق بالسياسة. ويقول: "قد يبدو
للمتابعين، أحياناً، أن التفاعل مع القضية كبير، خصوصا في أوقات الأزمات والحروب،
أو في الأيام المميزة، مثل ذكرى النكبة أو ذكرى الانتفاضة … إلخ". ويضيف
"لكن هذا التفاعل قصير الأجل لا يعوّل عليه، ولا يمكن أن نستنج منه أن للقضية
حضور بين الشباب. الاهتمام الحقيقي يجب أن تصاحبه معرفة بنشأة القضية وتطورها، وبأهم
الأحداث التاريخية، هذا على أقل تقدير. ثم بعد ذلك يمكن الحديث عن المتابعة
المستمرة لما يستجد من أحداث، وإحياء النقاشات حول القضية".
يتحدث
بخاري أيضاً عن محاولات ما أسماها "أسلمة القضية الفلسطينية" من
الشخصياتالجماهيرية في المملكة. ما يعتبره "منهجاً خاطئاً يضر بالقضية".
ويضيف "الشعب الفلسطيني متعدد الأطياف والأديان، وهذه نقطة لابد من أن يفهمها
المهتم بالقضية".
أما
عن طرق المساهمة في القضية الفلسطينية، فيرى بخاري أن من يريد دعم قضية ما، عليه
أولا "معرفة الأساليب التي يمكنه من خلالها فعل ذلك، كالمشاركة في حملات المقاطعة
والترويج لها، أو المساعدة المادية بشكل دوري، عن طريق منظمات الصليب الأحمر
الدولية والأمم المتحدة وغيرها". ويضيف إن على من يفكر في المشاركة في حملات
المقاطعة أن يتابع تقارير حملة المقاطعة العالمية (BDS)
للتأكد من أسماء الشركات المستهدفة.
"المنتديات،
ثم "فيسبوك" و"تويتر"، المتنفس الكبير للتفاعل مع القضية
الفلسطينية ولحضورها في الوسط الشبابي السعودي""
ويرى
بخاري أن القضية الفلسطينية غائبة عن الحضور لدى الشباب السعودي، ما يعزوه إلى
ثلاثة عوامل. أولاً،"الموقف الظاهري لغالبية السعوديين يتبع الموقف الحكومي تجاه
القضايا السياسية، فمن الطبيعي أن تغيب القضية الفلسطينية؛ لأن موقف الحكومات
العربية بشكل عام تجاه فلسطين بائس جداً". وثانياً، "غياب القضية
الفلسطينية عن مناهج التعليم من جهة، وتقصير الإعلام الرسمي تجاهها من جهة
أخرى". وثالثاً، "التضييق الذي يواجه بعض الكرام من المناصرين للقضية
الفلسطينية، إذا ما أرادوا إقامة فعاليات ومحاضرات، تهتم بالقضية الفلسطينية في
الأماكن العامة لرفع الوعي تجاهها".
"الجهاد
الأفغاني" وفلسطين:
يقول
أستاذ علم الاجتماع في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز في الرياض، الدكتورعبد
السلام الوايل، إن القضية الفلسطينية جذوة لا تموت في مُهج الشباب العربي. ويضيف
"على الرغم من انزوائها، أخيراً، بعد شيوع الطائفية وصعود العنف الجهادي في
المنطقة، إلا أن هذا كله يبدو هروباً من حضورها الطاغي، وربما برماً مؤقتاً
منه".
يكتب
الوايل: "أذكر في السنوات الأولى من الثمانينات أن صوت الجهاد الأفغاني طرد
الموضوع الفلسطيني من فضاء القول. اندفعت الأمة وراء المجاهدين في جبال قندهار
وسهولها، تاركة القدس وحيفا لرب يحميهما. بدا لوهلة أن معزوفة النضال العلماني
العربي وقتها، حيث لم تظهر تنظيمات حماس والجهاد بعد، و"القضية" كانت
بعهدة تنظيمات فلسطينية علمانية يمينية ويسارية من "فتح" إلى
"الجبهة الشعبية"، تتوارى لصالح السردية الإسلامية الهائلة القادمة في
الأفق وأيقونتها الطالعة، أفغانستان وجبال قندهار وبانشير". و"في نهايات
1987، تفجرت الانتفاضة الفلسطينية، فمار بركان الوجد العربي معها طوال سنواتها،
يترافق ذلك مع تناحر مجاهدي أفغانستان على الغنائم، ومع حال الانتفاضة سلمية
الطابع. فجأة، وبعدما تُخيل أنه انزواء لقضية العرب المركزية لصالح قضايا دينية
عابرة للقوميات، كقضية أفغانستان، لمع بدر الكوفية الفلسطينية والطفل الفلسطيني
أعزل، إلا من حجر، مزيحين اللبس القندهاري ورشاشات المجاهدين من مشغوليات وجدان
الشباب".
ويستحضر
الدكتور عبد السلام الوايل تلك الأيام: "أذكر تلك المرحلة، وأتحسس فيها بهجتي
بعودة "قضية العرب"، بعدما خلتها ذهبت إلى النسيان. لذا، أطالب بالحذر
من قراءة عابرة للمشهد الحاضر قد تأخذ صاحبها إلى استنتاج أن الموضوع الفلسطيني
أخذ في تفكير الأجيال الطالعة مكاناً قصياً بناءً على متغيرات آنية في المشهد
السياسي".
المصدر:
العربي الجديد