القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي

(الكنيست) يستبيح الأقصى

(الكنيست) يستبيح الأقصى

د. أيمن أبو ناهية

في الوقت الذي تتوجه فيه أنظار العالم صوب الأزمة السورية، وانزعاجه الشديد من سلاحها الكيميائي، يواجه المسجد الأقصى المبارك في الأيام الأخيرة اقتحامات وحملات دينية مكثفة من الجماعات الصهيونية المتطرفة، بتحديها للأمتين العربية والإسلامية، واستفزاز وجرح مشاعرهم الدينية بتهويد أطهر وأقدس بقاع الأرض "أولى القبلتين ثالث الحرمين"، وهذا ينذر بكارثة جديدة ستحل على المنطقة برمتها.

ففي سياق محاولة الاحتلال استباحة المسجد الأقصى المبارك بشكل متواصل اقتحم حديثًا نحو 200 إسرائيلي المسجد الأقصى، من بينهم 142 من المستوطنين والجماعات اليهودية، و45 من عناصر المخابرات والمستعربين، فيما يبدو تمهيدًا لتنفيذ قرار لجنة الداخلية في (الكنيست) الصهيوني الذي كان بمنزلة دعوة مفتوحة للصهاينة لاستباحة المسجد الأقصى خلال الأيام القادمة، خاصة خلال أيام ما يسمونه "عيد العرش"، ما أتاح الفرصة للمتطرف عضو (الكنيست) الصهيوني عن حزب (ليكود) موشيه فيغلين أن يطالب بطرد جميع موظفي وحراس المسجد الأقصى الذين عينهم الوقف الإسلامي؛ ليتسنى لهم تدنيسه.

وتأتي هذه المخططات الخطيرة على المسجد الأقصى في ظل عملية تواطؤ وغطرسة أمريكية باتباع سياسة "الكيل بمكيالين" في المنطقة، بتركيز الإدارة الأمريكية على قضية سوريا بغطاء عسكري من التهديد والوعيد، وفي الوقت نفسه تدفع بعجلة مفاوضات التسوية دون غطاء سياسي، ولتوضيح أكثر لمعنى الفرق بين المكيالين: إن الأول يستعمل فيه العصا، والثاني تقدم فيه الجزرة.

فجاء وزير الخارجية الأمريكي جون كيري إلى الكيان الصهيوني بعد الاتفاق الروسي الأمريكي الهام بشأن سوريا، واجتمع إلى رئيس وزراء الكيان نتنياهو مطولًا، وعقد الاثنان مؤتمرا صحفيًّا موسعًا، وكان اللافت للانتباه والاستغراب أن الحديث والأسئلة والأجوبة ركزت كلها بصورة شاملة تقريبًا على الوضع في سوريا والأسلحة الكيميائية، والتداعيات الدولية في مجلس الأمن،والعلاقات بين روسيا والغرب، وتجاهلت عملية التسوية والمفاوضات تجاهلًا شبه كامل.

ولعل المتابع للأمر يدرك جيدًا أن مفاوضات التسوية ما هي إلا زوبعة في فنجان، كما وصفها ليبرمان، وإذا كان كيري وهو في قلب المنطقة، وبين أطراف الصراع والتفاوض، ومع كل المساعي الأميركية لتحقيق السلام، يقوم بهذا التجاهل، ويغمض عينيه عما يجري بالقدس والمسجد الأقصى؛ فهذا بمنزلة إعطاء الضوء الأخضر للتهويد والاستيطان، وكل ما يهمه الحفاظ على أمن الكيان فقط، لذا جاء مهرولًا ليطمئنه بشأن نزع ترسانة سوريا العسكرية، ومن المعروف أن تدمير الأسلحة الكيميائية السورية لا يخدم في المدى البعيد إلا الكيان العبري وأطماعه التوسعية، ولم يفكر كيري في قضايا تهويد مدينة القدس والمسجد الأقصى، والاستيطان، والتهجير، ومصادرة الأرض، وتمزيق الضفة الغربية بحيث يستحيل تحقيق حلم الدولة.

هو المشهد القديم نفسه حين ضرب العراق، وفي الوقت نفسه أطلق الرئيس الأمريكي بوش الأب عملية المفاوضات السلمية فيما سمي مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991م، الذي لم يكن سياسيًّا بقدر ما أنه كان عبارة عن حراك إعلامي، وشهد صخبًا دوليًّا لا مثيل له؛ كي يوهمنا بأنه جاد في حل القضية الفلسطينية مقارنة بما نجح فيه عسكريًّا بتحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وقد فشل المؤتمر وأهمل حتى تجوهل وذهب إلى (أوسلو) سرًّا.

فالثابت للعيان أن عملية التفاوض الحالية هي عبثية بكل معنى الكلمة، ويؤكد الخبراء السياسيون المطلعون ما يعرفه أبناء شعبنا، أن حل الدولتين قد مات، وأن من واجب المسؤولين في هذه المرحلة بالتحديد بعد موقف كيري بصورة خاصة إعادة تقويم الوضع كله تقويمًا جديًّا في كل ما يتعلق بالمفاوضات والاتفاقات والواقع والمستقبل، وماذا علينا أن نفعل لمواجهة هذه التحديات، وكيف نفعل ذلك، وما هي خياراتنا الوطنية تجاه مقدساتنا ومسرانا وأسرانا ولاجئينا.

فلابد من الرجوع إلى الوحدة الوطنية التي تربينا عليها وتعلمناها من كبارنا وزرعناها في صغارنا، وتأكيد أن قضيتنا ليس قضية مفاوضات وتنازلات ومجاملات وصفقات، بل هي قضية حق ومصير وأرض وحدود ووجود غير قابلة للتجزئة، لذا لا تكون قوتنا إلا في وحدتنا وعنوان نصرنا، فلابد أن نتوحد لنستطيع مواجهة المخططات الصهيونية التي تحاك ضدنا، ويجب إرسال رسالة قوية إلى (الكنيست) أن أي إجراء ضد أقصانا سوف يواجه بالقوة.