اللاجئ والنازح الفلسطيني في إطار حق العودة..
الخميس، 21 تموز، 2011
تعتبر قضيـة اللاجئين جوهر القضية الفلسـطينيـة، فلا يمكن أن تتم أي تسويـة لقضية فلسطين دون إيجاد حل للاجئين الذين شردوا من ديارهم عام 1948م وأُبعدوا عن أراضيهم، وذلك بعدما انقلبت المعادلة الديمجرافية رأساً على عقب بشكل أحال الأقلية اليهودية إلى أكثرية ساحقة، بسبب عمليات الطرد الم... منهجة التي اتبعتها العصابات الصهيونية وبشتى الوسائل من قتل وترويع وبطش وإرهاب جسدي ونفسي، بهدف تغير الطابع الديمجرافى لفلسطين لمصلحة قدوم المهاجرين اليهود. بعد طرد سكانها الفلسطينيين الذين كانوا يمتلكون من الأرض ما نسبته 92% منها، لتصبح ملكا لليهود بعدما كانوا لا يملكون سوى 8% منها، وأقاموا دولتهم على أشلاء 531 مدينة وقرية بعد طرد سكانها وتشريد ما يقرب من مليون فلسطيني عن ديارهم وأرضهـم.
فهي قضية شعب أصابته المحن والكوارث وهذا ما يعطي الأمر الأهمية في الحديث عن مستقبل أجيال قادمة ورثت هوية اللجوء وتعيش مبعثرة فمنهم من يعيش في البلاد العربيـة، ومنهم من يعيش على بقايا أجزاء مسلوبة تسمى الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع ازدياد البعد الزماني والمكاني للاجئيـن عن أرضهم يزداد في المقابل تمسكهم بحقهم في العودة فما زالت لديهم مفاتيح بيوتهـم وسندات ملكية أراضيهم وبيوتهـم، والتي تشكل شعار عودتهـم وحسبما أقرته قرارات هيئة الأمم المتحدة والخاصة بحق العودة والتي أكدت عليها مراراً وتكراراً منها قرار 194لسنة 1948م و2452 لسنة 1968م و3236 لسنة1974م.ورغم ما قامت به المؤسسات الدوليـة من سد بعض الاحتياجات الأولية والأساسيـة لبعض اللاجئين إلا أنها لم تستطع تغيير هويته عن هوية اللاجئ بدون وطنـه، لان تلك النكبة قد أفرز في الآن ذاته ظاهرة فريدة من نوعها من حيث التصنيفات السكانية، ألا وهى ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين.
تـعريـف اللاجئ
إن تعريف اللاجئ والنازح الفلسطيني بحد ذاتة مسألة ذات أهمية في معالجة قضية اللاجئين من حيث ما يترتب عليه من حماية دولية، وبالتالي حق العودة والتعويض، لذلك شمل تعريف اللاجئ الفلسطيني الكثير من الجدل في المحافل الدولية. ففي عام 1951م وضعت هيئة الأمم المتحدة من خلال اتفاقية جنيف الخاصة بتعريف حقوق اللاجئين والتي تمت صياغتها بسبب هجرة الملايين من الأوروبيين بعد حربين عالميتين تعريفا للاجئ بأنه:" كل شخص يوجد نتيجة أحداث وقعت قبل كانون الثاني/ يناير سنة1951م بسبب خوف لهُ ما يبرره من التعرض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة، أو آرائه السياسية، خارج البلد الذي يحمل جنسيته ولا يستطيع أو لا يرغب بحماية ذلك البلد بسبب هذا الخوف، أو كل من لا جنسية له وهو خارج بلده السابق ولا يستطيع أو لا يرغب بسبب ذلك الخوف في العودة إلى ذلك البلد ورغم هذا التعريف الواضح الذي ينطبق بالضرورة على اللاجئ الفلسطيني نجد أن هذه الاتفاقية تستثنيه بشكل صريح ومقصود من تعريفها؛ وأعفت المفوضية من مسؤولية الإشراف على وضع اللاجئين الفلسطينيين، فقد جاء في المادة (د) بأنه لا تنطبق هذه الاتفاقية على الأشخاص الذين يتمتعون بحماية أو مساعدة من هيئات أو وكالات تابعة للأمم المتحدة، غير مفوضية الأمم المتحدة، في إشارة إلى وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين(الأونروا). ولقد جاء هذا الاستثناء استجابة لإصرار الدول العربية والتي أبدت في حينها تخوفًا كبيرًا من قضية إدماج مشكلة اللاجئين في إطار عام، وباعتبار أن ذلك سيؤدي إلى إذابة قضية اللاجئين الفلسطينيين وإعطائها أهمية هامشية، وأن الأفضل تقديم المساعدة للاجئين إلى حين عودتهم، ولأن قبول التعريفات العامة للاجئين ستؤدى إلى إضاعة حقهم في العودة.
والجدير بالذكر أن المواقف العربية آنذاك التقت رغم حسن النية مع مواقف الدول الأوروبية، بمعارضة دمج قضية اللاجئين الفلسطينيين في إطار اتفاقية تشكيل المفوضية العليا لشئون اللاجئين، ومرد ذلك اختلاف حالة اللجوء الفلسطيني عن مسألة اللجوء التي تعانى منها أوروبا، ولم يكن هناك استعداد عند تلك الدول بأن تلزم نفسها قانونيا بأعداد جديدة من اللاجئين.
ومما لا شك فيه أن الحماية الدولية التي تقدمها المفوضية، لا تضاهى المساعدة التي يتلقاها اللاجئون الفلسطينيون من الأونروا من حيث اتساع وشمولية الحماية القانونية التي تقدمها المفوضية العليا للاجئين عن تلك التي تقدمها الأونروا، ولقد أدركت الدول العربية بأن اللاجئين سيظلون بلا حماية إذا ما حلت الأونروا لأي سبب من الأسباب لذلك سعت لإضافة الفقرة الثانية من المادة (د) لاتفاقية سنة 1951م ونصت الفقرة الثانية من المادة (د) ما يلي: (فإذا توقفت هذه الحماية أو المساعدة لأي سبب من الأسباب دون أن يكون مصير هؤلاء الأشخاص قد سوى نهائيا، طبقا لما يتصل بالأمر من القرارات التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة يصبح هؤلاء الأشخاص جراء ذلك، مؤهلين للتمتع بمزايا هذة الاتفاقية).
وبذلك أصبح بموجب تلك المادة والتي تكفل الحماية الفورية بموجب الاتفاقية إذا ما حلت الهيئات أو الوكالات التابعة للأمم المتحدة.
أما الأونروا فقد عرفت اللاجئ الفلسطيني بشكل فيه نوع من التحديد وذلك نتيجة ما آلت إليه أوضاعهم المعيشية بأنه: "الشخص الذي كان يقيم في فلسطين خلال الفترة من أول حزيران/ يونيو 1946م وحتى 15 أيار/ مايو 1948م والذي فقد بيته ومصدر رزقه جراء حرب عام 1948م، ولجأ إلى إحدى الدول حيث تقدم الوكالة مساعداتها". ويلاحظ أن هذا التعريف لم ينصف فئات عديدة اعتبرتهم الوكالة خارج مسؤوليتها، ومنهم من كانوا خارج فلسطين قبل عام 1946م وحرموا من حق العودة، وكذلك الحال بالنسبة لأولئك الذين كانوا خارج الضفة الغربية وقطاع غزة قبل حرب 1967م. كما يلاحظ أن هذا التعريف يوقع على نازحي عام 1967م ضرراً كبيراً وعلى من خرجوا منذ عام 1952م فصاعدا حيث كان هناك مئات الآلاف من الفلسطينيين يقيمون في الخارج وقت وقوع حرب 1967م بالإضافة إلى أنها لم تعترف بمسؤوليتها عمن هاجر خارج حدود عملياتها الخمسة، مثل أفريقيا ودول الخليج.
أما التعريف الفلسطيني للاجئ والذي قدمه رئيس الجانب الفلسطيني في الوفد الفلسطيني- الأردني المشترك في مؤتمر أوتاوا 1992م للاجئين: هو "هم أولئك الفلسطينيون (ومن تحدر منهم) الذين طردوا من مساكنهم أو أجبروا على مغادرتها، بين تشرين/ نوفمبر 1947م (قرار التقسيم) وكانون الثاني/ يناير 1949م اتفاقية الهدنة في رودس)، من الأراضي التي تسيطر (إسرائيل) عليها في التاريخ الأخير أعلاه" فان هذا التعريف يشمل المهاجرين الذين نزحوا داخل الاراضى التي أصبحت دولة (إسرائيل) خلال الفترة 1948م -1949م ويشمل الذين نزحوا سنة 1967م أو في إثرها.ولكن هذا التعريف لا يشمل المهجرين الذين غادروا فلسطين قبل عام 1947م.
تعريف النازح الفلسطيني
وأما فيما يختص بتعريف النازح الفلسطيني، فلم تتطرق إليه القرارات والوثائق الدولية ولكن استخدم هذا اللفظ للإشارة إلى كل فلسطيني غادر أو شُرد عن أرضه أو منع من العودة إليها، بسبب الحرب المباشرة في حزيران 1967م، أو ذيولها اللاحقة من أوامر عسكرية وإدارية لسلطات الاحتلال، والذين منحوا تصاريح للمغادرة إلى شرق الأردن أو غيرها من الأقطار على أمل أن يعودوا ولكن نتيجة لتعقيدات إسرائيلية منعوا من العودة وهم في الغالب ممن اتخذت السلطات الإسرائيلية إجراءات إبعادهم من ديارهم إلى خارج فلسطين لأسباب وتداعيات أمنية، أو الذين كانوا في السجون الإسرائيلية وأفرج عنهم بشكل استثنائي واشترطت (إسرائيل) إبعادهم خارج فلسطين.
أما التعريف الفلسطيني للنازح فهم:"أولئك الأفراد وعائلاتهم وأسلافهم الذين غادروا منازلهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو كانوا غير قادرين على العودة إلى منازلهم نتيجة لحرب 1967.
على كل حال فقد تقدمت "الأونروا"، بمساعدات عامة فور وصول النازحين الفلسطينيين من الضفة الغربية وقطاع غزة إلى مناطق عملياتها، فى أعقاب حرب 1967م، ولم تميز بين لاجئ 1948م وممن نزح لأول مرة من سكان الضفة والقطاع، وذلك اعتبارا للطابع المستعجل وحاجة النازحين الماسة، حيث اتخذت الوكالة تدابير وقتيه لمساعدة كل شخص بحاجه إلى مساعدة فورية وعاجلة، ولكن بعد حين لم يجد نازحو عام 1967م، الذين فقدوا أرضهم وبيوتهم أية إمكانية لترسيم أنفسهم لدى الوكالة لأنها بحكم تعريف اللاجئ الذي سبق ذكره، لم يكن بامكانها أن تساعد سوى لاجئي عام 1948م ولم يكن ضمن مفرداتها اى تعريف خاص بالنازحين عام 1967.
وقد تم تقسيم النازحين الفلسطينيين حسب ظروف نزوحهم إلى ثلاثة فئات وهي:
1- أولئك الذين كانوا خارج الضفة الغربية وقطاع غزة عشية الحرب، والذين سجلوا في سجل السكان في الأردن وقطاع غزة، ويتضمن هؤلاء طلاباً، ورجال أعمال وعمالاً..الخ، ممن لم يكن في وسعهم العودة إلى منازلهم بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
2- مواطنو الضفة الغربية وقطاع غزة الذين شردوا خلال الحرب أو بعدها.
3- أولئك الذين غادروا الأراضي المحتلة بعد إحصاء السكان في أيلول/ سبتمبر 1967 ومنعهم الإسرائيليون من العودة.
ويمكن إضافة الأشخاص الذين أبعدوا قسراً خارج الضفة الغربية وقطاع غزة بأسلوب سافر وبحجج أمنية إلى قائمة النازحين بحيث بلغ عدد النازحين حتى نهاية 1967 من قطاع غزة 31 ألف لاجئ ونازح منهم من شرد للمرة الثانية.
بعد استعراض ما سبق من تعريف اللاجئ والنازح الفلسطيني يبقي أن نقول أن الجدل لازال مستمرا بين الجانب الفلسطيني والعربي من جهة والإسرائيلي والدولي من جهة أخري لأنه مرتبط بمسألة ذات أهمية في معالجة قضية اللاجئين ومن حيث حق العودة، لذلك هناك ضرورة إلي إعادة بحث المفهوم الفلسطيني لمن هو لاجئ ومن هو النازح وان يتم السعي الدءوب مجددا. لتوفير مفهوم فلسطيني جلي وينطلق من النظرة الشمولية للمسالة بوصفها مشكلة ومأساة شعب بكاملة هجر من وطنه بالعنف والإرهاب المدبر، لأننا أمام واقع يتمثل في أعداد كبيرة ممن حُرموا قسراً من البقاء في ديارهم أو حتى العودة إليها وأبعدوا عنها إلى مناطق أخرى بسبب استمرار الاحتلال.
الباحث: علاء أبو دية زقوت