اللاجئون الفلسطينيون بين
مأساة مخيم اليرموك والمشاريع الاسرائيلية
بقلم: وسام زغبر*
بين مخيم اليرموك الشاهد
الأول على قضية اللجوء الفلسطيني، والأمم المتحدة وسعي تل ابيب إلى الاجهاض على حق
العودة للاجئين الفلسطينيين واسقاط صفة اللاجئ عن الذين ولدوا بعد النكبة خارج مناطق
1948 والحلول العربية والدولية.
فمخيم اليرموك الذي أنشأ
عام 1957 على مساحة تقدر ب2110000 متر مربع لتوفير الإقامة والمسكن للاجئين الفلسطينيين
في سورية، وهو من حيث تصنيف وكالة الأونروا لا يعتبر مخيم رسمي. وهو أكبر تجمع للاجئين
الفلسطينيين في سوريا ويقع على مسافة 8 كم من دمشق وداخل حدود المدينة ويشبه المنطقة
الحضرية، ويختلف تماماً عن تجمعات اللاجئين الفلسطينيين الأخرى في سوريا، حيث يعتبر
شارعي لوبية وصفد من أكثر الشوارع في المخيم لا بل في دمشق من حيث النشاط التجاري قبل
بدء الأزمة السورية.
فشوارع المخيم وحاراته
تحمل في طياتها أسماء فلسطينية ليبقى اسم فلسطين مصبوغاً لدى اللاجئ الفلسطيني، فشارع
فلسطين والثلاثين ولوبية وصفد والكرمل والعروبة واليرموك والمغاربة والجاعونة والـ15،
وأحياء التضامن والتقدم والعروبة وعين غزال.
ان الاحتلال الاسرائيلي
يتربص بقضية اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة أيار/ مايو 1948 ومن خلفه الولايات المتحدة
الأمريكية، التي طرحت حلولاً جزئية تقتنص من حق اللاجئين في العودة الى ديارهم التي
شردوا منها وفق القرار الأممي 194، والتي كان آخرها في ورشة عمل شهدها بيت هارفرد في
مانهاتن بالولايات المتحدة ورعاها سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، رون بريسور، الهادفة
إلى تنظيم حملة دولية، لإسقاط صفة اللاجئ عن اللاجئين الفلسطينيين الذين ولدوا بعد
النكبة خارج مناطق 48.
حيث قال بريسور لـصحيفة
«جيروزاليم بوست» الاسرائيلية، «إن العقبة الرئيسة في وجه عملية السلام هي حق العودة
للاجئين الفلسطينيين، وليس المستوطنات». واعتبر أن نقل صفة لاجئ لتمنح لأبناء اللاجئين
الفلسطينيين الذين غادروا قراهم ومدنهم في فلسطين بعد إقامة اسرائيل، هو أمر مضلل.
وقال إنه في عام 1950، وصل عدد اللاجئين الفلسطينيين إلى 700 ألف، واصبح عدد هؤلاء
اليوم خمسة ملايين ومئة ألف لاجئ، مشيراً إلى أن الأمر يعتمد على كيفية تعدادهم. واعتبر
أن وضع اللاجئين القانوني تغير عبر التاريخ عندما اصبحوا مواطنين في بلد آخر وفقدوا
صفتهم الأصلية. وأشار إلى أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين تعيش الآن في الأردن وسورية
وتمر الآن بأزمة لجوء جديدة.
فالحلول العربية والتي
يتفق معها المفاوض الفلسطيني حاولت الالتفاف على قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي تبلورت
بمبادرة السلام العربية (2002) التي تتكلم عن «حل عادل ومتفق عليه وفقاً للقرار
194»، بما يناقض النص الصريح بـ «العودة إلى الديار والممتلكات» الذي يكفله القرار
194 ذاته لعودة أعداد محدودة من اللاجئين إلى «الديار» في إطار ما يسمى بـ «لم الشمل»،
إضافة إلى تمكين الدولة الفلسطينية في ممارسة حقها السيادي في استقبال مواطنيها على
أراضيها (باعتبار أن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا) شرط عدم المساس بمتطلبات
أمن دولة إسرائيل من بوابة عدم الإخلال بالميزان الديمغرافي بين «النهر والبحر»، ما
يفرض – عملياً – قيوداً ثقيلة أيضاً على هذا الجانب.
وعلى مستوى آخر، صعَّد
الجانب الإسرائيلي موقفه من قضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث أطلق ما يسمى بقضية «اللاجئين
اليهود من الدول العربية» في سياق العمل على فبركة قضية جديدة تسلح المفاوض الإسرائيلي
بورقة إضافية في رفضه الاعتراف بحق العودة. فإسرائيل موقفها ثابت من حق العودة وهو
رفض المسؤولية القانونية والسياسية والأخلاقية عن ولادة قضية اللاجئين ومأساتهم، لذا
نجد ان اقصى ما قدمت إسرائيل من تنازل مزعوم اتجاه هذا الحق الفلسطيني في عهد أيهود
باراك رئيس الوزراء الأسبق، القاضي بعودة 10 ألاف لاجئ فلسطيني إلى إسرائيل على مدى
10 سنوات دون اعتراف تل أبيب بحق العودة أو بمسؤوليتها عن ولادة قضية اللاجئين، اضافة
إلى اقتراح إسرائيل لتمويل الصندوق الدولي الذي اقترحه بيل كلينتون الرئيس الأمريكي
الأسبق.
فحكومة نتنياهو طرحت قراراً
لتعديل شروط المواطنة في 10 أكتوبر/ تشرين اول 2010 بإعلان الولاء لدولة إسرائيل والذي
يعتبر مساساً بالمكانة القانونية للفلسطينيين داخل إسرائيل من جهة ويغلق الباب أمام
حق العودة لعموم اللاجئين الفلسطينيين بمن فيهم من وافق باراك على عودتهم المشروطة
على دفعات في اتفاقية كامب ديفيد الثانية (2000)، والذي يتوافق مع ما طرحته الولايات
المتحدة الأمريكية الراعي للمفاوضات، في اتفاقيتي كامب ديفيد الثانية وطابا (2001)
لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في عدد من الدول العربية والاجنبية مقابل مساعدات سخية
توزع على الدول المضيفة للاجئين يوفرها صندوق دولي يستحدث لهذا الغرض.
إن دخول فلسطين الجمعية
العامة للأمم المتحدة، ولو بعضوية «مراقب»، مكسباً فلسطينياً، طال انتظاره، من المفترض
أن يفيض على نواحي القضية الوطنية كافة، بما في ذلك قضية اللاجئين وحق العودة. غير
أن طلب العضوية المقدم من قيادة م.ت.ف، إلى الأمين العام، ورئاسة الجمعية العامة، يتحدث
عن الحل العادل لقضية اللاجئين وفقاً للقرار 194، ولا يأتي على ذكر حق العودة إطلاقاً،
بما يترك المجال مفتوحاً لحلول بديلة. علماً أن ذكر القرار 194 لم يعد كافياً بحد ذاته،
بعدما توافق الطرفان المتفاوضان على أن ما يتم الاتفاق عليه بشأن قضية اللاجئين هو
التطبيق العملي للقرار المذكور. كما أن المفاوض الفلسطيني، بدوره، لم يتوقف على الحديث
عن العودة إلى «الدولة الفلسطينية»، وليس إلى الديار والممتلكات التي هُجِّر منها اللاجئون
منذ العام 1948.
إن هذه الثغرة الكبيرة
في الطلب الفلسطيني تحمل في طياتها مخاطر سياسية لا يمكن التقليل من أهميتها باعتبار
الطلب وثيقة فلسطينية رسمية، لا تأتي على ذكر حق العودة بشكل واضح وصريح، كحق ثابت
من حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية والقومية المشروعة وغير القابلة للتصرف.
فحركة اللاجئين معنية مرة
أخرى، أن تؤكد أن حق العودة حق ثابت لا يجوز التفاوض عليه، وهو حق فردي وجماعي في آن،
ويدخل في باب تقرير المصير، وبالتالي فإن أية إشارة من أي جهة كانت تنبئ بالتخلي عن
حق العودة أو تلوح بالاستعداد للتخلي عن هذا الحق، ليست ملزمة للاجئين ولا تفرض أية
قيود على حركتهم. المسألة ليست في ولادة دولة من عدمها، بل إن المسألة تكمن في طبيعة
البرنامج الوطني ومكوناته، وفي طبيعة الاستراتيجية السياسية الكفاحية والنضالية كما
يتبناها الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية.
فما جرى بالأمس في تهجير
الفلسطينيين من المخيمات الفلسطينية في العراق إبان الغزو الأمريكي (2003) والتي أبرزها
مخيم التنف والعودة والرويشد والهول والكرامة والوليد إلى قبرص وتشيلي والبرازيل والنرويج
والسويد والهند وكندا وغيرها من دول العالم، وبعدها في مخيم نهر البارد في شمال لبنان
(2007) وتشريد سكانه ومأساة الحقوق الانسانية للاجئي لبنان، يجري اليوم استهداف المخيمات
الفلسطينية في سوريا وأبرزها مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الذي يعتبر عنوان اللجوء
الفلسطيني مما يثبت تورط إسرائيل وادواتها في جر الفلسطينيين إلى أتون الصراع السوري،
استكمالاً للمشاريع الاسرائيلية والأمريكية التي تستهدف اللاجئين الفلسطينيين اينما
وجدوا وتسعى لإنهاء حق العودة.
* كاتب وصحفي فلسطيني- قطاع غزة