اللاجئون الفلسطينيون في سورية عندما يعيد التاريخ نفسه يكون أكثر مهزلة
بقلم: فايز أبوعيد
قرأت وكتبت وعملت في شؤونهم وعشت آلامهم ومعاناتهم وكنت أتابع شؤونهم وشجونهم في كل بقاع الأرض، كانت مشاعري وأحاسيسي معهم، وكيف لا وأنا لاجئ فلسطيني من قرية الجاعونة شردوا أهله وطردوا من فلسطين ومازال حلم العودة إلى ترابها هو الهاجس الوحيد الذي يؤرقني ويقض مضجعي، فلسطين التي رضعنا حبها مع حليب أمهاتنا أنغرس حبها في أعماق أعماقنا وجرى مع الدماء في شراييننا، فلسطين تجسدت لنا لوحة جميلة نقش كل حرف من اسمها في قلوبنا وعقولنا، تراها تارة لوحة جميلة معلقة على جدران بيوتنا نعشقها عشق المحب المتيم بمعشوقته، وتارة أخرى هي ذاكرة الجد الذي نتربع حوله ليروي لنا بألم وحسرة عنا وكيف عاش فيها وخرج منها انها الذاكرة الممتلئة بحب فلسطين يسردها لأحفاده كي لا تغيب فلسطين عنهم وتظل حاضرة في وجدانهم، نحن اللاجئون المشردون المعذبون في الأرض الذين طالت التي مأساتهم وفقدوا الدار والولد في رحلة التيه، تركوا خلفهم عام 1948 كل ما جنوه عبر سنوات العمر خرجوا بثيابهم لا يعرفون إلى أين المفر وأين ينتهي بهم المستقر، تفرق شملهم وتشتت جمعهم في أصقاع الأرض فرست سفنهم في بلدان مختلفة إلا أنهم لم يشعروا بالأمان على شواطئها رغم مكوثهم الذي طال مدته في تلك البلاد وكأن فلسطين تناديهم بشكل دائم وتقول لهم عودوا إلى داركم وبياراتكم وحواريكم عودوا إلى حضن وطنكم.
نكبة فنكسة فمعاناة فضياع وشتات شتات لا ينته بدأ عام 1948 واستمر في تصاعد فكانت معاناة اللاجئين الفلسطينيين في العراق الذين كتبت عنهم منذ أن تشردوا من أرض بلاد الرافدين حتى نقلوا إلى المخيمات الصحراوية ومن ثم وزعوا إلى كافة بقاع الأرض كتشيلي والبرازيل وايطاليا وقبرص وغيرها ونقلت معاناتهم وألامهم في المخيمات الصحراوية وحتى أنني زرتهم هناك، ونشرت مئات الأخبار عن فلسطينيي أوروبا ومصر والأردن وغزة ولبنان الذي يعامل الفلسطيني بحجة الحفاظ على التوازن الديمغرافي معاملة لا إنسانية شوفونية عنصرية، أما في سورية التي كان يعامل اللاجئ الفلسطيني فيها كالسوري فقد عاش اللاجئون الفلسطينيون فيها حلم العودة بكل تفاصيله، فكانت المخيمات الفلسطينية فيها منبع الحدث وصانعه، فأبنائهم يشاركون أهلهم في فلسطين المحتلة ( أهلي 48، والضفة، وغزة) أفراحهم وأتراحهم ويخرجون بمظاهرات ويقدمون الشهيد تلو الشهيد من أجل تراب فلسطين، وهذا ما حدث بالفعل عندما خرجوا في 15/5، و5/6/ 2011 لحدود الجولان يناشدون حلم العودة إلى فلسطين فاخترقوا الحدود وقدموا ثلة من الشهداء من أجل حلمهم الذي أرادوه حقيقة لا حلم، ولكن اللاجئ الفلسطيني في سورية لم يكن يعلم بأن دمائه ستراق بعيداً عن فلسطين من أجل صراع على السلطة طالما أراد أن يكون بعيداً عنه لأنه ذاق مرارة الانقسام وعرف طعمه العلقم فسقط منهم أكثر من 888 شهيداً نتيجة الأحداث الدامية في سورية وتشرد من تشرد منهم ودمرت البيوت وعانوا مرارة النكبة من جديد فمنهم من هجر إلى لبنان ومصر والجزائر والدول الأوربية وكأن التاريخ يعيد نفسه وهنا تعود لذاكرتي تلك المقولة التي قرأتها لأحد الكتاب والتي يقول فيها"عندما يعيد التاريخ نفسه فإنه يكون أكثر مهزلة"، والمهزلة هناهي بأيدي عربية وليست صهيونية.
ولكن رغم درب الألم الذي فرض على الفلسطينيين، إلا أن اللاجئ الفلسطيني لا يكل ولا يمل متخذاً من الصبر والإيمان والعلم سلاح يناضل ويكافح بهم من أجل العودة إلى ثرى فلسطين، يقاوم مأساته ورفض الآخرين له بعزيمة وإصرار على التمسك بحق العودة وتحرير كامل تراب فلسطين.
المصدر: واجب