اللاجئون الفلسطينيون في لبنان.. معاناة لا تنتهي
بقلم: رمزي بارود
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
عندما قتلت القوات الأمنية اللبنانية، كما ذكر، الشاب الفلسطيني أحمد القاسم البالغ من العمر 17 عاماً بسبب خلاف حول وثائق في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، تفجر سكان المخيم اللاجئون غضباً وفزعاً.
وخلال بضعة أيام مرت على تلك الحادثة التي وقعت في 15 حزيران (يونيو) الماضي، ما لبثت الغضبة أن امتدت، ما أفضى إلى مقتل المزيد من اللاجئين. فقد قتل فؤاد محيي الدين اللوباني يوم 18 حزيران (يونيو)، فيما كان حشد من المشيعين يحاولون دفن الضحية الأولى في مخيم نهر البارد القريب من طرابلس في الشمال اللبناني. وثمة ضحية أخرى للعنف، هي خالد اليوسف الذي قتل في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، بالقرب من صيدا، على بعد 30 ميلاً إلى الجنوب من بيروت. وقد ذُكر أن المزيد من الفلسطينيين أصيبوا بجروح، سوية مع ثلاثة ضباط أمن لبنانيين.
وتجدر الإشارة إلى أن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون على هوامش موضوع سياسي أكبر، يتعلق بالانقسامات الطائفية والفصائلية والعائلية لذلك البلد، والتي يتعسر حلها. وهذا يجعل من الصعب بعض الشيء وضع مأساة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في سياق سياسي بمفرده. فصراعات لبنان الدائمة وتحالفاته السياسية، هي في حالة تقلب مستمر. ولذلك، وعندما تقع هذه الحوادث المتعلقة باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يصبح الموضوع برمته تقريباً رهناً للاعتبارات السياسية والحساسيات الفصائلية المخادعة. وبدلاً من محاولة إماطة اللثام عن أفضل الطرق لمعالجة أساسات هذه المآسي، أو فحص العلاقة القائمة بين الاصطفافات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها والعنف السياسي، نجد أن الأولوية تدور، على نحو متكرر، حول محاولة إخفاء المشكلة التي تختمر باستمرار.
ومع ذلك، لن تختفي المشكلة من تلقاء نفسها. فثمة 450000 لاجئ فلسطيني مسجلين لدى الأمم المتحدة يعيشون في لبنان. وهم يعيشون في حالة فقر في 21 كيانا فيزيائيا على شكل معسكرات تركيز. وهم محرومون من الحقوق الأساسية، كما أنهم يفتقرون حتى إلى الآفاق السياسية الاسمية. وكان معظم اللاجئين قد طردوا من فلسطين في الفترة بين الأعوام 1947-1948 على أيدي الميليشيات الصهيونية التي أصبحت لاحقاً الجيش الإسرائيلي. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يكون مخيم "نهر البارد"، قد تأسس في العام 1949. فمنذئذٍ، لم تبذل أي جهود رئيسية، إذا ما بذلت أصلاً، من أجل معالجة المشاكل العديدة التي خلقت بفعل عملية الطرد التي قامت على العنف.
وفي أعوام لاحقة، تورط اللاجئون الفلسطينيون في الصراعات الموجودة في لبنان -أولاً بمحض الصدفة (نظراً لأنه صادف أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين هم من المسلمين السنة)، ولاحقاً عبر التصميم والقصد (في أعقاب قدوم منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان في أوائل السبعينيات من القرن الماضي). وبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 1982 -التي ترافقت مع ارتكاب المجازر سيئة الصيت؛ كمجازر صبرا وشاتيلا، وأخرى- ساء حال اللاجئين، ووصل إلى حد الإهمال التام.
وفي صيف العام 2007، خاض الجيش اللبناني اشتباكات مع حركة فتح الإسلام؛ الجماعة المتطرفة التي كانت قد انتقلت في وقت سابق إلى مخيم نهر البارد. ووفق منظمة العفو الدولية، "أمنستي إنترناشيونال"، فقد "أفضى العنف إلى دمار كبير في المخيم، وإلى تشتيت سكان المخيم البالغ عددهم 30000 نسمة، وأسفر عن سقوط 400 قتيل، بمن فيهم 42 مدنياً لبنانياً و166 جندياً لبنانياً".
عبارة "دمار كبير" هي طريقة ملطفة لوصف الوضع في المخيم المذكور. وحرفياً "أحيل" المخيم إلى "ركام"، كما جاء في تقرير نشر في صحيفة الديلي ستار اللبنانية يوم 22 حزيران (يونيو). وكانت العديد من المنافذ الإعلامية قد غطت القصة على أنها تخص ببساطة قتالاً آخر يدور بين الجيش ومجموعة تستلهم فكر القاعدة. وبالكاد أقرت القصص بحقيقة أنها كانت تعيش في حدود القتال المميت، مئات من العائلات الفقيرة، ومعظمها من العاطلين عن العمل، والتي أصبحت راهناً بلا مأوى.
وقد مرت خمسة أعوام منذ تدمير مخيم نهر البارد. لكن العديد من سكانه ما يزالون عالقين بين وضع اللاجئ القديم -مثل الفلسطينيين الذين أجبروا على الهجرة أو هربوا خوفاً من العنف الصهيوني في فلسطين في العام 1948- ووضع لاجئ جديد هارب من مخيم لجوء إلى مخيم لجوء آخر. وتبرز هذه الوضعية من التشتت القديم-الجديد في نهر البارد، لكنها ليست فريدة في نسيجها. إنها حقيقة يتقاسمها العديد من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
لعل المآسي المتعددة التي تعصف بسكان مخيمات اللاجئين في لبنان على مر السنوات توفر استبصاراً، تمس الحاجة إليه، لإلقاء الضوء على طبيعة مشكلة اللاجئ الفلسطيني في هذا البلد. كما أنها تعرض مفاتيح واضحة لعلاجها. ومع ذلك، فإن الكثير من البحث السياسي الجاري اليوم ما يزال خالياً من أي جوهر.
وقد نقل الكاتب الأميركي فرانكلين لامب، الذي يتخذ من لبنان مركزاً له، تعهداً من قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي يقول فيه "سيتم من خلال إجراء تحقيق سريع، تحديد الفاعلين، ومنع وقوع حادث مماثل في المستقبل". ويعلق لامب، محقاً، على ذلك بالقول: "في ضوء التجربة الماضية، تعتقد قلة بأن التحقيق سيكون جاداً أو أنه سيستكمل". وفي الأثناء، استبعد وزير داخلية البلد بشكل مناسب الصلة الواضحة بين اشتباكات نهر البارد وعين الحلوة، واصفاً إياها بأنها محض "صدفة" (أخبار اليوم، 20 حزيران-يونيو، كما أشار لامب). وكان مسؤول منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح، عزام الأحمد، قد قال لصحيفة "ذا ديلي ستار" اللبنانية خلال زيارة قام بها إلى لبنان مؤخراً، "إن ثمة قوى إقليمية تستغل الصعوبات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون للدفع بأجنداتها الخاصة في لبنان". وأصر على القول إن هذه القوى لا تشمل سورية.
وفي الأثناء، يستمر اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بأن يكونوا ضحايا المشهد السياسي المحير، وكذلك التمييز غير القابل للخطأ، الذي يُمارس ضدهم من جانب الدولة. وغالباً ما يجري تبرير معاملتهم على هذا النحو من خلال الادعاء بأن اللاجئين الفلسطينيين هم "ضيوف" مؤقتون في لبنان. وحتى الآن، ما يزال يُنكر، حتى على الجيل الثالث من "الضيوف" المسجلين لدى الأمم المتحدة، والبالغ عددهم حوالي 450.000 لاجئ، امتلاك منزل أو وراثة أرضٍ أو عقار. كما أنهم ممنوعون من مزاولة العديد من الحرف والمهن. تضاف إلى ذلك حقيقة أن الركود الاقتصادي شبه الكامل، قد أفضى إلى نكوص اجتماعي اقتصادي، واضعاً اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في وضع منخفض جداً، وتركهم مع القليل جداً من الأمل للمستقبل.
وفي تقرير نشر يوم 20 حزيران (يونيو) ليتزامن مع يوم اللاجئ العالمي، خلصت اللجنة الأميركية لمساعدة اللاجئين في الشرق الأدنى إلى اعتبار أن "مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أسوأ مخيمات للاجئين في المنطقة، فيما يتعلق بشؤون الفقر والصحة والتعليم والظروف المعيشية". وأوردت اللجنة أن اثنين من أصل كل ثلاثة لاجئين، يعيشون على أقل من 6 دولارات في اليوم، وأن التمييز الذي يمارس ضدهم ينعكس في مناطق متعددة تتفاوت بين الرعاية الصحية والإسكان.
ولعل من المهم الإشارة إلى دور إسرائيل في المعاناة السرمدية للاجئين الفلسطينيين في لبنان -كما وفي كل مكان آخر. لكن تمديد هذا الوعي ليشمل المعاناة غير الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في لبنان لم يعد يكفي. وكما في حالة اللاجئين في العالم بأسره، تجب عودة الفلسطينيين إلى منازلهم وتعويضهم عن آلامهم ومعاناتهم. وإلى أن يتم تحقيق ذلك الهدف، يجب أن تتم معاملة اللاجئين بكرامة وعزة واحترام -بغض النظر عن الحسابات السياسية للبلدان المضيفة لهم.
ويجب التعامل مع مأزق اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بتصميم وإلحاح. وهي مسؤولية تجب قسمتها بين الحكومة اللبنانية والقيادة الفلسطينية وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة؛ لأن الممكن أن يتحول المزيد من الإهمال والأزمة المحتملة التي يعاني منها الفلسطينيون إلى صراع واسع النطاق.
المصدر: ميدل إيست أونلاين