القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الثلاثاء 26 تشرين الثاني 2024

اللاجئون الفلسطينيون يرعبهم مشروع كيرك الأميركي

اللاجئون الفلسطينيون يرعبهم مشروع كيرك الأميركي

اعد سكرتير المجلس الشعبي للاجئين الفلسطينيين دراسة حول التطورات التي تحيط بملف اللاجئين والتي كان اخرها مشروع القرار الذي تقدم به العضو «مارك كيرك» الى الكونغرس الامريكي بشأن: تقليص حجم المساعدات الامريكية للأونروا ليختزل الى ما يكفي لمساعدة من تبقى من لاجئي عام 1948 على قيد الحياة (دون ابنائهم وأحفادهم) وهو ما يقدره الامريكيون بثلاثين الفا منهم كما ويدعو الى عدم احتساب اللاجئين في كل من الاردن والضفة الغربية وقطاع غزة ضمن أعداد اللاجئين.. يثير هذا التوجه الجديد العديد من المسائل القديمة والجديدة على النحو التالي.

(1) الاستراتيجية والأهداف والمواقف السياسية الامريكية تجاه مسألة الصراع العربي- الصهيوني وبخاصة تجاه القضية الفلسطينية وبشكل أخص تجاه قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وهي استراتيجية قديمة – جديدة تتساوى فيها المواقف والمقاربات الامريكية بشأن مسألتين:

أ) اخضاع الاعتراف ب م.ت. ف وتقديم مساعدات للشعب الفلسطيني لقرارات دورية ذات صفة بوليسية تسلطية – رقابية من قبل(الكونغرس الامريكي) برهن ذلك بمواقف م.ت.ف (وتحديدا من مسألتي «الارهاب» والتقدم في المفاوضات)!.

ب) اخضاع تقديم مساعدات مالية للأونروا لاعتبارات عدة استهدفت تحويلها فيما مضى الى أداة تخدير والان لتحويلها الى أداة تصفية نهائية لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

وفي المقابل تنتظر الادارة الامريكية حلول الوقت المؤاتي لنقل سفارتها الى القدس تجسيدا لاعترافها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وهو ما يعني في الوقت ذاته انكار حق الفلسطينيين في القدس عاصمة لهم وبالتالي نفي كل حق لهم فيها.

اذن هي استراتيجية واحدة متعددة الفصول والحلقات تستهدف في مجملها ومجموعها تصفية أهم ركائز ومحاور القضية الوطنية الفلسطينية (القدس اللاجئين ما تبقى من أرض فلسطين في الضفة وقطاع غزة تصبح بحسب السياسة الامريكية أراض متنازع عليها يقرر مصيرها بالتفاوض – أي موازين القوى!

(2) مسيرة الاونروا الحافلة بالمنعطفات والتقلبات واستراتيجيتها الخاضعة بالكامل للابتزاز الامريكي والغربي عموما. وهي مسيرة كان يكتنفها الغموض ومحاولات الالتفاف على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر السعي لإيجاد بدائل لها منذ بداياتها. وخلال هذه المسيرة لم تكن الاونروا لتفوت فرصة تكشف فيها صراحة عن وجهها التصفية القبيح كلما بدا لها أن الظروف مؤاتيه للإعلان عن ذلك. ولن نتطرق هنا الى هذه المحطات لكثرتها. غير أننا سنقصر الحديث على مسألتين ذواتي صلة بموضوعنا:

أ) تعريف الاونروا للاجئ الفلسطيني:

اقترح مفوض عام للأونروا عام 1950 في تقريره الأول ما أسماه تعريفا «للأغراض العملية» للاجئ الفلسطيني بأنه:

«الشخص المحتاج الذي فقد وطنه وسبل عيشه جراء الحرب في فلسطين». ثم تطور تعريف الاونروا للاجئ الفلسطيني بمرور الوقت بحيث أصبح على النحو الآتي: «اللاجئ الفلسطيني هو الشخص الذي كانت اقامته الطبيعية في فلسطين لمدة سنتين على الاقل قبل اندلاع الصراع عام 1948 والذي بسببه فقد كلا من وطنه وسبل عيشه وأصبح لاجئا عام 1948 في احدى الدول التي تقدم فيها الاونروا خدمة الاغاثة. واللاجئون ضمن هذا التعريف وأحفادهم المباشرين يستحقون مساعدة الوكالة: اذا كانوا مسجلين لدى الاونروا ويعيشون في مناطق عمليات الاونروا ويحتاجون للمساعدة».

ومن الواضح أن هذا التعريف هو تعريف تصفوي بالكامل وفي كل جنباته! فمنذ البداية تحصر الاونروا تعريف اللاجئ الفلسطيني بمن لجأ الى احدى الدول المضيفة.

وهذا التعريف يناقض نفسه بداية: فهو يناقض أول فقرة منه ذاته ومن جهة أخرى «يشطب» عشرات الالوف من اللاجئين (آنذاك) ممن لجأوا الى دول أخرى غير هذه الدول والمناطق (التي تعرفها الاونروا بمناطق عملياتها) وممن لم يسجلوا ضمن سجلات الاونروا أو لم يحصلوا على ما سمي بـ «بطاقة الاغاثة» ! أما من زاوية أخرى فان هذا التعريف يعود ليحدد – بمصطلح غامض – اللاجئين وأحفادهم المباشرين: (ولا يعرف ما المقصود بالأحفاد المباشرين!) حاصرا أحقية أولئك بالمساعدة بتسجيلهم لدى الاونروا في مناطق عملياتها وبالحاجة للمساعدة ! وفي هذه النصوص نيات تصفوية مبيتة واضحة لا تحتاج الى شرح.

أما الاخطر والأهم في تعريف الاونروا للاجئ الفلسطيني هو فضلا عما اصطلح بتسمية «تعريف عملي» أنه يتجاهل الأصل والجذر السياسي لعملية اللجوء وبالتالي التعريف السياسي والقانوني للاجئ الفلسطيني. فاللاجئ الفلسطيني هو نتاج عملية غزو خارجي أعقبها حرب تطهير عرقي عدوانية شاملة للأرض وما عليها وللإنسان وما يملك أي أنه نتاج صراع سياسي (على أضعف توصيف) إن لم نقل انها مؤامرة سياسية دولية كبرى. وعليه لو كانت الاونروا نزيهة وغير متواطئة في صياغة تعريفها للاجئ ولو انها كانت مخلصة في نصوصها ومواقفها وإجراءاتها وقراراتها لقرارات الجمعية العامة التي انشأت بموجبها كقرار 194 كمثال لكان عليها القول بأنهم كل الاشخاص ونسلهم الذين أجبروا على مغادرة ديارهم وأملاكهم وأماكن اقامتهم الطبيعي قبل عام 1948 بسبب ما تعرضوا له من عدوان وبطش ومذابح وطرد قسري. والذين يحق لهم العودة الى تلك الديار والممتلكات والتعويض على ما لحق بهم وبأملاكهم من أضرار واستغلال وحتى تحقيق ذلك لهم الحق في الاغاثة والحماية. لا أن تحصر تعريف اللاجئ بكونه شخص محتاج أو متلقي لمساعدات اغاثية (انسانية) أو ما شابه من الالتفاف على الحقيقة وتزويرها أو باستخدام التلاعب بالنصوص أو باستخدام ألاعيب التسجيل ومكان اللجوء.

ان تعريف اللاجئ الفلسطيني يجب أن يحدد صفات الأشخاص (ونسلهم طالما استمرت عملية اللجوء) وأماكن إقامتهم الأصلي (ديارهم وممتلكاتهم: الرقعة الجغرافية والاقتصادية) وحقوقهم (المؤقتة) والدائمة: غير القابلة للتصرف: العودة والتعويض. وبكلمة تعريفهم باعتبارهم أشخاصا معرفين تعريفا جيدا (فيزيائيا وحقوقيا ومعنويا) في قاموس القانون الدولي (العام والانساني). وهنا تجدر الاشارة الى ان م. ت.ف قد قدمت للمجتمع الدولي تعريفها الحقيقي والمقبول لها للاجئ الفلسطيني في مستهل جلسات المفاوضات المتعددة الأطراف وفيه – أي تعريف م.ت.ف – شمولية لمعظم ما تطرقنا اليه من اعتبارات وتوصيفات ومصطلحات سياسية وقانونية.

ب) تواطؤ آخر للأونروا برز بشكل سافر عبر بعض التقارير السنوية للمفوض العام للأونروا. جاء في تقريره السنوي للعام 2008 (من بين أشياء أخرى كثيرة – لا مجال لذكرها هنا): «ورد في بند (32) من التقرير المذكور: «وإضافة الى التقييمات التي أجرتها الاونروا في اطار خطة التطوير التنظيمي شرع مكتب المساءلة الحكومية التابع للولايات المتحدة الامريكية في إجراء استعراض لنظم الرقابة الادارية للأونروا وذلك لكفالة الاستخدام المناسب للتبرعات المالية التي تقدمها الولايات المتحدة». «(التشديد مضاف). وهل ثمة أوضح من هذه الإشارة على تدخل أميركا في كل صغيرة وكبيرة من سياسات الوكالة وإجراءاتها التصفوية؟

وهذا في الحقيقة هو من أخطر ما كشفت فيه الاونروا عن وجهها المتواطئ القبيح مع الادارة الامريكية. ومن الواضح بأن إدراج هذه الفقرة ضمن تقرير المفوض العام كان على ما يبدو من جهة تمهيدا لهذا التوجه الامريكي الذي نحن بصدده ومن جهة أخرى كان لمعرفة ردود فعل الشارع الفلسطيني والعربي!

وبعد وإزاء هذه السياسات المتناسقة (ما بين الأونروا والإدارة الأمريكية) والممتدة عبر مأساة اللاجئين الفلسطينيين التي جاوزت الستة عقود نطرح جملة من الأسئلة على المشرع الأمريكي:

1- هل ارتبط تقديم المساعدات الأميركية المالية والعسكرية والاقتصادية (التي تجبى من دافعي الضرائب الأمريكية) السخية للكيان الصهيوني منذ قيامه عام 1948 (على أنقاض الكيان الفلسطيني) وحتى يومنا هذا وهل خضع ذلك يوما إلى الطلب من الأمم المتحدة (الجهة التي أصدرت شهادة ولادة الكيان الصهيوني) بتقديم كشوفات وسجلات بأعداد « المهاجرين « الصهاينة الذين وفدوا إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم عام 1947 (هذا إذا ما تجاوزنا إجراءات حكومة الانتداب البريطاني الخادعة والمتواطئة أيضا بشأن تحديد الهجرة اليهودية إلى فلسطين)؟ وذلك باعتبار أن هؤلاء قد استقدموا لاحتلال أراضي وبيوت وممتلكات شعب آخر صدرت بشأنه قرارات أممية وافقت أميركا عليها (كقرار التقسيم 181 وقرار 194 وقرار قبول الكيان الصهيوني رقم 273 كدولة الأمم المتحدة) !.

ثم أليس الأجدر بالإدارة الأمريكية (هذا عندما نريد تجاوز تصديق حديثها وهي تتحدث عن « القانون الدولي» و«الشفافية» و« النزاهة» و« عدم العنصرية « وحتى « حقوق الانسان «) أن تخضع أعداد « المهاجرين « الروس [ والذين ثلثهم من غير اليهود أي كما هو حال الفلسطينيين -مثلا! ] لقوانين المساعدات المالية للكيان الصهيوني؟ أليس الأجدر بأن يخضع « المستوطنين « الصهاينة (يهودا وغير يهود) في أراضي الضفة الغربية بما فيها القدس وتزايد أعدادهم فيها إلى مساءلة الكيان الصهيوني بشأنهم وربط المساعدات الأمريكية بذلك؟ أم أن الأقمار الاصطناعية التي تراقب النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة بعد عام 1967 قد توقفت عن العمل؟ أم أن أميركا قد سحبت اعترافها بقراري 242 و338؟

2- في معرض ردودها على ردود الفعل الفلسطينية والعربية صرح مصدر في وزارة الخارجية الأمريكية بأن الإدارة الأمريكية لا تعارض تعريف الأونروا(العملي) للاجئ الفلسطيني ! وأنها لا تطالب بتغيره ! (فهي تعلم عدم رضائنا أو إعجابنا به). إذن في ضوء استمرار عملية تقديم القرار في الكونغرس (ومراحله اللاحقة) فإن الإدارة الأمريكية تسعى – على ما يبدو – لإعادة انتاج تعريفها التصفوي للاجئ الفلسطيني بما ينسجم مع تفسيرها (وتفسير الأونروا واجراءاتها) لتعريف الأونروا نفسه وبما يلبسه ثوبا تصفويا جديدا. وإلا فما يعنيه مشروع القرار الساعي إلى شطب ملايين اللاجئين الفلسطينيين من صفة اللجوء.

3- نتساءل هنا: هل أحفاد اللاجئين وحتى أحفاد أحفادهم (حتى عودتهم) هم نبت شيطاني لا صلة له بجذور المشكلة وأصلها أم أنهم بلا آباء أو أمهات ولا أجداد ولا جذور ولا تاريخ؟ (نذكر الأمريكيين والغربيين المتباكين دوما على حقوق المرأة العربية والفلسطينية لدرجة صبغت معها المنظمات غير الحكومية بصفة «أنثوية» لكثرة ما تحض عليه في هذا الاتجاه: أليس هذا هو النفاق بعينه؟).

4- نسأل الإدارة الأميركية: ماذا بشأن اللاجئين الفلسطينيين الذين اعتبروا «لاجئين» في وطنهم أو ممن سموا « بالحاضرين الغائبين « الذين طردوا من قرارهم إلى أماكن تبعد أمتارا (في بعض الحالات) داخل أراضي 1948 من الجليل والمثلث والنقب وغيرها. ثم ماذا بشأن بدو النقب الذين يتم تهجيرهم حتى يومنا هذا؟

وإذا كان بعض اللاجئين داخل مناطق 1948 (الجليل والمثلث والنقب المحتلة) يحملون « الجنسية الاسرائيلية « فماذا بشأن هؤلاء – وعددهم يقارب ربع مليون من البشر (لكن يبدو أنهم ليسوا كذلك – أي ليسوا بشرا – حسب المقاييس والتعريفات الأمريكية)؟ هل يعتبر هؤلاء ضمن أعداد اللاجئين؟ هل يعتبرهم «مارك كيرك» «اسرائيليون» وبالتالي سيحرص في مشروعات قراراته اللاحقة على التأكد من عدم تعرضهم للمعاملة العنصرية التمييزية الصهيونية توخيا للعدالة والنزاهة وحرصا على أموال دافع الضرائب الاميركي؟. (ولا بد من الإشارة هنا بأن الأونروا كانت تعتبرهم لاجئين في بداية النكبة إلا أنها ونظرا للضغوط الأمريكية والصهيونية قد تراجعت عن تقديم المساعدة لهم لاحقا !).

المصدر: جريدة الدستور الأردنية