اللجوء.. معاناة إنسانية لا تعدم المتاجرة السياسية!!
بقلم: هشام منور
تشي قضية "اللجوء" أينما طرحت، بتفاصيل إنسانية ومعاناة مأساوية يعرفها شعب أو قوم أو جماعة ما، خلال فترة عصيبة من الحروب أو الاقتتال الداخلي أو الاحتراب الأهلي، تشكل مدخلاً وحافزاً للتضامن من قبل الشعوب والأمم الأخرى للوقوف أمام واجباتها الإنسانية وإغاثة من ضاقت بهم الأرض بما رحبت، فقرر ترك الأرض والديار والرحيل بحثاً عن ملاذ آمن خارج وطنه، بعد أن استحال جحيماً بالنسبة للمدنيين.
التاريخ القريب للوجود الفلسطيني في الدول العربية عرف أزمات وإشكالات وجودية كلفت اللاجئ الفلسطيني على مدى سنوات شتاته ولجوئه أثماناً باهظة، وصلت في بعض الأحيان إلى حد التضحية به على قربان تحقيق السلم الأهلي في بعض البلدان العربية.
وهو ما حدا بالموقف الرسمي والفصائلي الفلسطيني إلى التزام الصمت والحياد إزاء الأزمة السورية الأخيرة، ومحاولة لعب دور إيجابي، إن تمكن من ذلك، يشمل الدور الإغاثي وتأمين الملاذ الآمن للأسر السورية النازحة من أماكن الصراع والتوتر.
بالمقابل، تبدع العقلية الإسرائيلية فيما يتعلق بمواجهة المأساة الفلسطينية المتمثلة بلجوء أكثر من نصف الشعب الفلسطيني في بلدان الشتات والجوار، فقد حاولت وزارة الخارجية الإسرائيلية "عبثاً" مقابلة الجرح بالجرح، والألم بالألم، والمأساة بالمأساة، بل والمبالغة في تضخيمها لصالح الطرف الإسرائيلي!
ففي بيان أصدرته وزارة الخارجية الإسرائيلية، ادعت الوزارة أن نصف سكان دولة "إسرائيل" قد أتوا من يهود البلدان العربية إبان حروبها معهم، وقالت الخارجية الإسرائيلية إنَّ "ما يقارب نصف الإسرائيليين اليهود اليوم، بمن فيهم ذريتهم, قادمون من بلدان عربية، ففي الفترة ما بين أواخر الأربعينيات من القرن الماضي وسنة 1967 تم تهجير الأغلبية الساحقة من يهود الدول العربية من البلدان التي ولدوا فيها، حيث محيت معظم المجتمعات اليهودية في هذه البلدان من الوجود، تاركة وراءها بضعة آلاف من اليهود المتناثرين في عدد قليل من المدن. وفي الفترة بين 1948 و1967 تم تهجير 850 ألف يهودي من الدول العربية، إما بالطرد المباشر وإما بإجبارهم على الهجرة".
الرواية الإسرائيلية أشارت إلى ما سمته اجتماع اللجنة السياسية للجامعة العربية إبان حرب 48 بخصوص من سمتهم "اليهود"، وسلسلة التوصيات التي رفعت إلى الدول العربية والإسلامية، والتي كان من أهمها "سحب المواطنة من اليهود العرب وتجميد أموالهم في المصارف وتأميم ممتلكاتهم بملايين الدولارات، ومنع تشغيلهم في الدوائر الحكومية".
وفي مقارنة بدهية من وجهة نظر الخارجية الإسرائيلية وبيانها "المستفز" رأت الخارجية الإسرائيلية أن أعداد من سمتهم اللاجئين اليهود بلغوا عام 1968 ما يقرب من 850 ألف لاجئ في مقابل 600 ألف لاجئ فلسطيني!؟ ليخلص التقرير الإسرائيلي إلى إعلان استحالة حل قضية اللاجئين في المنطقة دون تحمل الجامعة العربية ودولها المنضوية تحتها لمسؤوليتها تجاه هذه المعضلة "الإنسانية". ودعوة حكومة "إسرائيل" إلى عدم القبول بأي حل يتعلق بحق العودة أو تعويض اللاجئين الفلسطينيين ما لم يتم معاوضة ومقابلة لاجئي اليهود بالفلسطينيين، بحسب زعمها!؟
رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" وخلال انعقاد ما يسمى المؤتمر الدولي للتوعية بحقوق اللاجئين اليهود من البلدان العربية في مدينة القدس، اعتبر أنه "في الوقت الذي نجحت فيه إسرائيل في استيعاب اللاجئين اليهود ومنحهم صفة وحقوق المواطنين في إسرائيل، فإن الدول العربية تركت اللاجئين الفلسطينيين وحولت قضيتهم الى قاعدة انطلاق لمواجهة إسرائيل".
فيما أكد "داني أيلون"، مساعد وزير الخارجية الإسرائيلي، وأحد المشاركين في المؤتمر، أن الحكومة الإسرائيلية قررت وضع كل ثقلها في الموضوع لآثاره السياسية، وخاصة على المفاوضات، وبحسب قوله، فإن هذا الموضوع لن يكون عائقا أمام طريق المفاوضات. ونقلت صحيفة "معاريف" عن سكرتير لمنظمة الصهيونية العالمية: أن "السبب الرئيسي في نجاح الجهد للحصول على العدل في قضية اللاجئين اليهود هو التوحد في الآراء حول الموضوع، ولأول مرة هناك حكومة في (إسرائيل) تتعاون مع المنظمات اليهودية خطوة بخطوة في هذه القضية".
اللافت في هذا السياق وصول معاناة اللاجئين الفلسطينيين القادمين من سوريا إلى الأردن بالذات إلى مراحل متفاقمة وصلت إلى اضطرارهم الطلب من سفارة فلسطين في عمان نقلهم إلى غزة، بناء على طلبهم، بعد أن بلغت الظروف المعيشية بهم حداً لا يمكن القبول به، وكشف سفير فلسطين لدى الاردن، عطا الله خيري، ان السفارة تواصل الترتيبات لنقل لاجئين فلسطينيين من الاردن الى قطاع غزة، بناء على طلبهم كانوا قد نزحوا من سوريا نتيجة اعمال العنف. وان الاردن لديه شبه موافقة على الطلب الذي تقدمت به سفارة فلسطين لنقل اللاجئين الذين يرغبون الى غزة، وسيتم الحديث الى مصر بهذا الخصوص ليتم نقلهم في اسرع وقت ممكن.
فإلى متى تستمر المتاجرة السياسية من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لواحدة من أهم القضايا الإنسانية وأعقدها، وربما كانت واحدة من أكثرها صعوبة على الحل في سياق الملفات المطروحة للتفاوض مع السلطة الفلسطينية، فمن وجهة نظرنا، يمكن للكيان الإسرائيلي التنازل عن أماكن خارج مدينة القدس وإطلاق تسمية القدس عليها إرضاء للفلسطينيين لتمرير استحقاق المفاوضات، ولا يمكنه التنازل قيد أنملة في ملف اللاجئين الفلسطينيين الذين يعدون خطراً ديمغرافياً على مستقبل الكيان الإسرائيلي.
المصدر: فلسطين أون لاين