القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الجمعة 29 تشرين الثاني 2024

المأزق الفلسطيني المزدوج: هل من مخرج؟

المأزق الفلسطيني المزدوج: هل من مخرج؟

بقلم: د. اسعد عبد الرحمن

طريقان اعتمدتهما منظمة التحرير الفلسطينية في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هما: المفاوضات اليوم، والكفاح المسلح بالأمس. وكلا الطريقين وصلا، عمليا، إلى طريق مسدود.

«الخيار» الأول، وهو المفاوضات، طريقه الآن متعثر في ظل حكومة اليمين «الاستيطانية» بزعامة (بنيامين نتنياهو). وحتى اليوم لم يجن الشعب الفلسطيني من المسار التفاوضي سوى مزيد من العذابات والمعاناة، وحتى جهود وزير الخارجية الاميركي (جون كيري) لانعاش المفاوضات بدأت تفقد زخمها، على الرغم من اصراره على مواصلتها. بل إن وزير الدفاع الإسرائيلي (موشيه يعالون) أعلنها صراحة بأن «مساعي كيري لاستئناف المفاوضات قد فشلت»، محملا بالطبع الفلسطينيين المسؤولية، باعتبار أن «الفلسطينيين يصرون على الشروط المسبقة ويريدون جباية الثمن مقابل رجوعهم إلى المفاوضات»!!! وبعودة سريعة إلى الماضي، عندما سار كثير من الفلسطينيين أصحاب النية الحسنة في طريق «أوسلو»، لم يكن في مخيلتهم أن تصل الأمور إلى مفاوضات ثنائية يشترط فيها القوي على الضعيف إملاءاته ويجبره على تقديم تنازلات هي مؤلمة بالمجمل. فإسرائيل عبر نظرية «لا شيء غير التفاوض» تشعر بالراحة، وهي غير مستعدة لتقديم أي تنازل ما لم تكن مجبرة عليه، خاصة في ظل عدم وجود حاضنة عربية وإسلامية.

أما «الخيار» الثاني فكان الكفاح المسلح الذي بات مأزقا عمليا بحق منذ حصار بيروت في العام 1982، سبقه مأزق في الفكر الفلسطيني عبر ما سمي البرنامج المرحلي في العام 1974 حين أقر المجلس الوطني الفلسطيني برنامج النقاط العشر: أول محاولة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية لحل سلمي، أدى سريعا لتشكيل «جبهة الرفض»، التي تصرفت بشكل منفصل عن منظمة التحرير في السنوات اللاحقة. ومنذئذ، بدأت منظمة التحرير تفقد تدريجيا ثقلها ليس بين الفصائل فحسب، بل في أوساط الشعب أيضا. وقد بدا خيار السلاح والمقاومة وقد فشل إذ لم ينتج عنه، فعليا، سوى المزيد من الاحتلال في ظل حصارات وقطيعة وعزل. ومع أن الكفاح المسلح هو عنف جماهيري موجّه ضد الاحتلال والاستعمار، تمارسه جماعات وجدت أن العنف هو الوسيلة الأخيرة والوحيدة لتحقيق التحرر والاستقلال والتخلص من قوات الاحتلال والاستعمار وتمكين الشعب من ممارسة حقه في تقرير المصير، إلا أنه من المطلوب توفر عامل دعم «الشرعية الدولية» وهو ما لم يتوفر غالبا للمقاومة الفلسطينية، حين تعامل العالم الغربي (ذو الثقل الوازن) مع الكفاح المسلح الفلسطيني بدعم أعمى قدمه لإسرائيل، معتبرا المقاومة الفلسطينية عملا «إرهابيا» لا يخدم السلام العالمي، بل ولا يدخل في إطار الدفاع المشروع عن النفس. واليوم، نرى مأزق حركة حماس في غزة بعد فشلها في تفعيل السلاح لصالح القضية الفلسطينية وبالذات بعد كارثة الانقسام الفلسطيني. وواقع الحال أنه لا يمكن للفلسطينيين مواجهة إسرائيل إلا بدعم وتحرك دبلوماسي عربي (وإسلامي)، يسبقه تحرك الفلسطينيين نحو موقف سياسي جديد، وإعادة ترتيب وتفعيل البيت الفلسطيني يبدأ بخيار المصالحة وإنهاء الانقسام بين حركتي فتح وحماس، رغم أنه لا تلوح في الأفق بوادر حقيقية لتطبيق المصالحة على الأرض وخارج تصريحات قيادييهما فحسب.

حسنا لجأ الفلسطينيون إلى الأمم المتحدة وحصلوا على عضوية في الجمعية العامة. لكن ماذا بعد. يقول هاني المصري في مقال: «رغيف الخبز أم النّضال ... الاقتصاد أم السّياسة؟»: «الثورة الفلسطينيّة المعاصرة لم تحقق أهدافها وارتكبت أخطاءً وخطايا، وتعرضت إلى هزائم، ولكنها استطاعت أن تحوّل القضيّة الفلسطينيّة من مسألة إنسانيّة إلى سياسيّة، والذي يجرى حاليًّا هو محاولات للعودة إلى الوراء، بحيث تتحول القضيّة الفلسطينية إلى إنسانيّة؛ ما يسهل عمليّة تصفيتها عبر ما يَخْلُقُهُ الاحتلال على الأرض من حقائق احتلاليّة واستيطانيّة، تمهيدًا لفرض حلول انتقاليّة أو نهائيّة». وعليه، بات واضحا أن حصر موضوع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بالفلسطينيين وحدهم، يضمن لإسرائيل التفوق منذ اللحظة الأولى، ولا يمكن إحداث تغيير في الموازين إلا بدفع الصراع ليعود إلى نقطته الأصلية، على أنه صراع عربي - إسرائيلي، وهذا يقتضي من السلطة ومن منظمة التحرير أن تعودا إلى التأكيد على ممارسة هذا النهج.. إن استطاعتا إلى ذلك سبيلا!!! وعند هذه النقطة، نسأل سؤالا مركزيا: إذا كان طريق المفاوضات بات مسدوداً (حسب تصريحات كبار المفاوضين الفلسطينيين)، والكفاح المسلح بات مرفوضا، فلماذا لا تترك القيادة الفلسطينية الباب مفتوحاً على جميع الخيارات؟ ولماذا يصر البعض على أن تسقط السلطة كل «الأوراق» التي بيديها، لا سيّما «الورقة» الوحيدة التي يخشى العدو استخدامها اليوم: الانتفاضة الشعبية!!! وهنا نتساءل: أين هي هذه المقاومة السلمية التي يفترض أن تسعى لها «المنظمة» حتى تمتلئ الشوارع بها يومياً، وليس فقط أيام الجمع في عدد محدود من القرى فحسب، بل على امتداد المدن والبلدات والمخيمات الفلسطينية. واستطرادا، نسأل: هل يمكن تحقيق أي من هذا دون إنجاح المصالحة وإنهاء الانقسام وإعادة ترتيب وتفعيل البيت الفلسطيني؟!!

الرأي، عمّان، 30/6/2013