المؤتمرات الفلسطينية في الخارج تعكس «أزمة»
سياسية في الداخل
بقلم: محمد يونس
عكست سلسلة المؤتمرات السياسية الفلسطينية
التي عقدت أخيراً في الخارج، أو يخطط لعقدها قريباً، أزمة تشهدها الحياة السياسية في
الداخل نجمت عن عودة منظمة التحرير من الشتات الى الوطن وذوبانها في السلطة الفلسطينية،
وفشل جهود المصالحة، وتوقف الانتخابات في الأراضي الفلسطينية منذ وقوع الانقسام قبل
عشر سنوات. وحركت المؤتمرات التي عقدت في القاهرة واسطنبول وإيران، وتلك التي يخطط
لعقدها في باريس وهولندا، نقاشاً واسعاً بين القوى السياسية والنخب وفي الشارع. وعكس
بعض المؤتمرات أزمة تواجهها منظمة التحرير ناجمة عن توقف عقد المجلس الوطني (البرلمان
الوطني للشعب الفلسطيني) منذ أكثر من عقدين من الزمن، وتقادم التمثيل الفصيلي في المنظمة،
وتقدم عدد من قادتها في السن، وعدم حدوث تغيير في هياكل المنظمة ومؤسساتها منذ عقود،
وعدم حدوث وفاق سياسي ينهي الانقسام بين حركتي «حماس» التي تدير قطاع غزة و «فتح» التي
تدير السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.
وعكس بعض تلك المؤتمرات خلافات في «فتح»
نجم أبرزها عن فصل القيادي في الحركة محمد دحلان الذي يحظى بدعم في أوساط الحركة في
قطاع غزة وبعض مناطق الشتات وبين عدد من كوادر الحركة في الضفة، خصوصاً مخيمات اللاجئين.
وعبّر أحد هذه المؤتمرات، الذي عقد في طهران
أخيراً، عن تدخلات خارجية لم تتوقف يوماً في الشؤون الفلسطينية الداخلية. وكان أكبر
هذه المؤتمرات مؤتمر اسطنبول الذي شارك فيه اكثر من خمسة آلاف، وخصص لبحث تمثيل منظمة
التحرير لفلسطينيي الشتات البالغ عددهم حوالى سبعة ملايين فلسطيني.
وصدرت الدعوات الى عقد هذا المؤتمر الذي
حمل اسم «المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الشتات»، عن شخصيات وطنية مستقلة، مثل عضو المجلس
الوطني الخبير القانوني الدكتور أنيس القاسم، والباحث والناشط في قضايا اللاجئين الدكتور
سلمان ابو ستة وغيرهما. لكن «حماس» الناشطة في التجمعات الفلسطينية في الخارج، لعبت
الدور المركزي في تنظيمه.
وهاجمت «فتح» ومنظمة التحرير جميع المؤتمرات
التي عقدت في الخارج، واعتبرتها «مؤامرة» على الحركة وعلى منظمة التحرير. واعتبر الناطق
باسم «فتح» أسامة القواسمي مؤتمر اسطنبول «خدمة مجانية» للاحتلال، وقال: «إن للشعب
الفلسطيني ممثلاً شرعياً واحداً ووحيداً هو منظمة التحرير الفلسطينية، عمّد هذا التمثيل
بالدم والعمل السياسي والديبلوماسي والقانوني على المستويات الإقليمية والدولية كافة».
وعقد تيار دحلان سلسلة مؤتمرات في القاهرة،
بعضها لبحث واقع قطاع غزة، كما عقد مؤتمراً شبابياً في القاهرة ضم شبيبة «فتحاويين»
من الوطن والشتات. ويعِد تيار دحلان الذي يطلق على نفسه اسم «التيار الإصلاحي» لعقد
مؤتمر لأنصاره في أوروبا في باريس في وقت لاحق الشهر الجاري. كما يعد أنصار «حماس»
لعقد مؤتمر لفلسطينيي اوروبا في مدينة روتردام في هولندا منتصف الشهر المقبل.
ورغم الاصطفافات السياسية مع هذه المؤتمرات
أو ضدها، إلا أنها أثارت الكثير من الأسئلة في شأن مستقبل النظام السياسي الفلسطيني
في ضوء فشل العملية السياسية مع إسرائيل، وانحسار السلطة الفلسطينية في مناطق الحكم
الذاتي التي لا تتعدى الـ40 في المئة من مساحة الضفة، وذوبان منظمة التحرير في السلطة،
وتحوّل كوادر المنظمة الى موظفين في جهازها البيروقراطي، وتنامي دور «حماس» بين فلسطينيي
الشتات، وسيطرتها على قطاع غزة وفصله عن الضفة، وسن قوانين خاصة للقطاع ومنع السلطة
من إجراء انتخابات بلدية فيه وغيرها.
وظهرت مطالبات جدية بإجراء انتخابات للمجلس
الوطني في الأماكن الممكنة في الشتات. وأعلن مؤتمر اسطنبول عن تحوله الى مؤسسة تعمل
بصورة دائمة في الوطن والشتات بهدف تشكيل ضغط على منظمة التحرير لإحداث تغيير يتناسب
مع التغيرات الجارية في الجاليات الفلسطينية في الشتات.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت
الدكتور أحمد جميل عزم: «ما جعل لهذا المؤتمر (اسطنبول) وقعاً مختلفاً عن الهيئات السابقة
هو مسألة تفعيل الفلسطينيين وتأطيرهم في ظل غياب دور منظمة التحرير ومنظماتها الشعبية».
لكن هيمنة «حماس» على مؤتمر اسطنبول حولته
الى منصة معارضة سياسية، الأمر الذي يتوقع أن يضعف تأثيره. وقال عزم: «كان يمكن للمؤتمر
في اسطنبول أن يحقق زخماً أكبر بكثير لو قصر أهدافه على إصلاح منظمة التحرير، وتفعيل
الاتحادات المهنية والشعبية الفلسطينية وإصلاحها لتكون جامعة وناشطة. لكن الخطاب السياسي
للمؤتمر سيضعفه، لأنه وضع نفسه في خانة المعارضة، وكثيرون يجدون طرقاً أخرى للمعارضة».
ويرى العديد من المراقبين أن هذه الحراكات
تشكل تحدياً للقيادة الفلسطينية وتفرض عليها التحرك للاستجابة لمطالب متنامية في الشارع
الفلسطيني لتجديد منظمة التحرير وهيئاتها التي لم تشهد أي انتخابات أو تغيير منذ عقود
طويلة. وقال عزم: «إنّ عدم تجديد المنظمة لنفسها سيترك الإطار الذي أعلن في اسطنبول
سبيلاً وحيداً للكثير من الفلسطينيين، أما التجديد الحقيقي والصادق للمنظمة فإنّه يغير
المعادلة».
المصدر: الحياة