القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

المبادرة المصرية تزيد الأزمة تعقيداً

تقرير رقم (5)

تقييم اليومين التاسع والعاشر من عملية "العصف المأكول":

المبادرة المصرية تزيد الأزمة تعقيداً

بقلم: رأفت مرة *

لأول مرة منذ بدء العدوان الصهيوني على قطاع غزة، ارتفع مستوى الحديث السياسي ليتقاسم الاهتمامات مع المستوى الميداني.فقد عرضت السلطات المصرية مبادرة منطلقة من أهمية "تحقيق السلام في المنطقة"، داعية إلى "وقف فوري لإطلاق النار". وتقوم المبادرة على وقف "الأعمال العدائية" من الطرفين، وتتحدث عن فتح المعابر وتسهيل حركة عبور الأشخاص والبضائع، لكن ربطاً بالوضع الأمني، ودعت إلى لقاء مع وفود من الحكومة الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية في القاهرة "لتثبيت وقف إطلاق النار" و"إجراءات بناء الثقة".

غير أن المبادرة المصرية لم تحل الأزمة، بل عقّدت الأجواء، وصبّت الزيت على النار، وأضرّت أكثر مما نفعت.

فقد تبيّن أن هذه المبادرة عبارة عن أفكار قدّمها إسرائيليون وأمريكيون للمستوى المصري، الذي مرّرها بسرعة إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة الذي كان منعقداً يوم الاثنين الماضي، وأقنع الوزراء بقبول الفلسطينيين بها، ليتبيّن أيضاً أن المصريين لم يعرضوا المبادرة على قوى المقاومة ولم يتصلوا بقيادتها، وأن الفلسطينيين علموا بها عبر وسائل الإعلام.

المفارقة كانت أن قوى المقاومة الفلسطينية أجمعت على رفض المبادرة، متحصنين بإجماع شعبي فلسطيني واسع، أهمه في قطاع غزة.وظهرت المعارضة السياسية والشعبية للمبادرة للأسباب الآتية:

1- إنها ساوت بين صاحب الحق المدافع عن نفسه وأرضه ووطنه وبين المجرم المحتل الإرهابي المعتدي.

2- إنها دعت الفلسطينيين إلى وقف الأعمال العدوانية وهذه إهانة كبيرة للشعب الفلسطيني المناضل ولتاريخه المقاوم ولكل الشهداء والجرحى والأسرى.

3- إنها تجاهلت قيادة المقاومة في الداخل والخارج.

4- إنها لم تأخذ بعين الاعتبار المستجدات السياسية والإنجازات العسكرية التي حققتها قوى المقاومة، وأهمها قصف كامل فلسطين المحتلة.

5- إنها لم تقدّم أي مكسب حقيقي للفلسطينيين ولا حتى تعهّدت بفكّ الحصار بشكل نهائي، بل تركته معلّقاً.

وفهم الفلسطينيون من خلال وعيهم السياسي أن هدف المبادرة ليس إنقاذ غزة ولا حماية المدنيين فيها، بل إن المعطيات المتوافرة عند قوى المقاومة تدلّ على أن هدف المبادرة هو إنقاذ نتنياهو وتوفير مظلة أمان سياسي له في المستقبل، وإنقاذ محمود عباس، وحماية أنظمة عربية بدأت تستشعر خطورة استمرار العدوان على غزة.ولما حاول الإسرائيليون استخدام رفض حماس وقوى المقاومة للمبادرة، من أجل توفير ما يسمى إجماع دولي لضرب حماس عبر عملية أوسع، فإن حماس صعّدت ردّها على الإسرائيليين، ووسعت دائرة استهدافها لعمق المجتمع الصهيوني.

فبعد 24 ساعة من إعلان المبادرة أطلقت حماس 120 صاروخاً على فلسطين المحتلة، وقصفت تل أبيب وأسدود، ولأول مرة تعلن حماس والجهاد الإسلامي عن قيامهما بقصف تل أبيب معاً.ومن الواضح أن طرح المبادرة بهذا الشكل ينم عن قلّة خبرة سياسية، وناتج أيضاً عن سباق مع الزمن لإنقاذ حكومة الاحتلال من ورطتها. حيث يبدو أن كرة النار في غزة تحرق نتنياهو وحكومته أكثر من أي جهة أخرى.

فالمستوى السياسي والأمني في الكيان الصهيوني ما زال يتناقل كرة الهجوم البري، والاجتماع المطوّل للحكومة الصهيونية المصغرة الذي استمر سبع ساعات، وبدل أن يصل إلى قرار حقيقي بالتصعيد ضدّ غزة كما يدعون، ظهرت خلافاته إلى السطح، إذ اضطر نتنياهو إلى إقالة نائب وزير الدفاع داني دانون.

ومن المتوقع استمرار التصعيد الإسرائيلي ضدّ المدنيين، وهذا يعني إطالة أمد العدوان لأيام أخرى قادمة، وبالتالي فإن فشل السلطات المصرية في تقديم مبادرة ناضجة سياسياً ومقبولة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الفلسطينيين، فوّت عليها مرة أخرى لعب دور إقليمي كبير، بسبب انحيازها للاحتلال.وهذا سيفتح الباب أمام تدخلات ووساطات جديدة تكون أكثر واقعية.

* كاتب فلسطيني