المبادرة
المصرية لوقف إطلاق النار في غزة.. قراءة تحليلية
بقلم:
د. عدنان أبو عامر
بخلاف
الحربين السابقتين اللتين شنتهما إسرائيل على غزة عامي 2008، 2012، لم تظهر مصر
تحمساً سريعاً على التوسط، لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في العدوان الحالي
2014، في ضوء توتر علاقتها بالحركة.
وفور
اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة يوم 7/7/2014، بقيت الدبلوماسية المصرية صامتة،
حتى أن خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في ذكرى حرب العاشر من رمضان في اليوم
الثاني من حرب غزة، لم يتطرق إليها البتة.
لكن
إطالة أمد الحرب أكثر من أسبوع وتصاعد التوتر، دفع بمصر لإعلان المبادرة.
تفسير
النصوص
هنا بدأ
الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي لمحاولة وقف إطلاق النار، بدأته واشنطن مع تل
أبيب، وأنقرة والدوحة مع حماس، واكتفت القاهرة بالمقعد الخلفي، لأنها لا تريد
التواصل مباشرة مع حماس.
لكن مساء
الأحد 13/7، شهد إعلان وزارة الخارجية المصرية، مبادرة للتهدئة بين حماس وإسرائيل،
عبر دعوتها لوقف فوري لإطلاق النار، مما يشير لمساواة القاهرة بين الجانبين، رغم
أن إسرائيل بدأت العدوان باغتيال 6 من كوادر حماس مساء الأحد 6/7 في رفح، وجاءت صواريخ
القسام كرد فعل على هذا الخرق الإسرائيلي للتهدئة السابقة.
وطالبت
المبادرة المصرية الجانبين بوقف جميع الأعمال العدائية (Hostilities) برا وبحراً وجواً، وعدم تنفيذ إسرائيل لعمليات اجتياح برى لغزة
أو استهداف المدنيين، وإيقاف حماس لإطلاق الصواريخ، والهجمات على الحدود أو
استهداف المدنيين.
وهذا
تعريف جديد لأعمال المقاومة الفلسطينية بأنها "عمليات عدائية" وهو تعريف
إسرائيلي، مما يستحق التوقف، إذ لا يمكن للفصائل الفلسطينية التوقيع على نص يعتبر
مقاومتهم المشروعة عملاً عدائياً.
وجاء
البند الثالث للمبادرة المصرية عائماً فضفاضاً حول فتح المعابر للأشخاص والبضائع،
حين رهنها باستقرار الأوضاع الأمنية على الأرض، وهي الذريعة التي تعلنها إسرائيل
كلما ضيقت على الفلسطينيين.
لكن ما
لم تعلنه المبادرة المصرية بصورة صريحة، وأبقته ضمنياً مصير معبر رفح، الذي مضى
على إغلاقه حتى كتابة هذه السطور عدة أشهر، باستثناء أيام معدودة كل شهر، مما رفع
عدد الفلسطينيين العالقين في غزة لما يزيد عن 15 ألف بين: طالب جامعي، ومريض،
وصاحب إقامة في الخارج.
المثير
في المبادرة المصرية ما جاء تحت عنوان "أسلوب تنفيذ المبادرة" بتحديدها
صباح يوم 15/7/2014 لبدء التهدئة، وهو ما لاقى استهجاناً من قبل القوى الفلسطينية
المسلحة في غزة، التي قالت إنها علمت بالمبادرة من الإعلام دون أن يتصل المصريون
بها، مما يعني تجاهلاً غير مبرر لها من جانب.
ومن جانب
آخر فإن هذه الإعلانات السياسية الكبيرة لابد أن يسبقها تفاهمات على سياقاتها
وحيثياتها، فضلاً عن تفاصيلها، حتى لا تظهر الشياطين لاحقاً بعد فوات الأوان.
الواضح
أن البنود الواردة في المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار 2014، هي ذاتها بنود
تهدئة 2012، التي لم تلتزم بها إسرائيل، واندلعت الحرب الحالية لأنها خرقتها عشرات
المرات، سواء ما تعلق بالتضييق على صيادي غزة من الصيد في البحر المتوسط، أو توسيع
المنطقة العازلة شرق حدود غزة، أو التحكم المزاجي بالبضائع الواردة عبر معبر كرم
أبو سالم.
وكأن
لسان حال حماس إذا أقرت المبادرة الحالية بعد كل هذه الدماء والضحايا في الحرب
المشتعلة في غزة: "كأنك يا أبو زيد ما غزيت"!
ما لفت
انتباه كاتب السطور أن الحكومة الإسرائيلية دعت لاجتماع طارئ على غير العادة صباح
الاثنين 15/7، لبحث المبادرة المصرية، بالتزامن مع زيارة "جون كيري"
رئيس الدبلوماسية الأمريكية لإسرائيل في ذات اليوم.
وفي نفس
الوقت عقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً في القاهرة لبحث العدوان على غزة، بعد
تأخر دام أسبوعاً كاملاً، وهو ما يعطي مصداقية للتحليل السائد بأن تزامن كل هذه
اللقاءات والزيارات ليس أمراً عفوياً، بل تضمن إنضاج المبادرة المصرية على نار
هادئة.
نظرة
في السياقات
عند
مغادرة الحديث عن نصوص المبادرة المصرية، ومحاولة تفسيرها، يمكن الانتقال إلى
السياقات السياسية والزمنية لإطلاقها، ويمكن تلخيصها في النقاط التالية:
-
اعتبار حماس أن لها اليد العليا في المواجهة الدائرة مع إسرائيل، بإبدائها صمودا
بعد إلقاء ما يزيد عن ألف طن من المتفجرات على غزة، واستشهاد ما يقرب من 200
فلسطيني وإصابة ما يزيد عن 1400 آخرين.
- عجز
إسرائيل عن الخروج بصورة انتصار في نهاية الحرب، كاغتيال قيادي كبير في حماس، أو
وقف إطلاق الصواريخ، مما أفسح المجال لتبادل الاتهامات داخل الأوساط الإسرائيلية،
ومنح حماس صورة الانتصار المتجسدة في مشاهد الهروع إلى الملاجئ.
-
ظهور جهود إقليمية حثيثة من أطراف لا تحتفظ بعلاقات ودية مع مصر، فضلاً عن توتر
يطغى على علاقاتهم، وأعني قطر وتركيا، حيث دخلتا بقوة في مباحثات التهدئة بناء على
طلب أمريكي، في ضوء احتفاظهما بعلاقات وثيقة مع حماس، وتخوف مصر من مزاحمتها في
الملف الفلسطيني.
يبقى
السؤال الأهم عن موقف حماس من المبادرة المصرية، الذي لم يتأخر كثيراً، حيث أعلنت
الحركة أنها لم تتسلم أي مبادرة متكاملة، ورفضت أي وقف لإطلاق النار دون تحقيق
المطالب الوطنية برفع الحصار، وفتح المعابر، ووقف استباحة الضفة الغربية، وإطلاق
سراح أسرى صفقة التبادل الذين اعتقلوا مؤخراً.
مع العلم
أن حماس ليس لديها فيتو على الوساطة المصرية لإبرام التهدئة مع إسرائيل، لكن نقطة
الضعف التي واكبت جهود مصر خلال العامين الماضيين منذ تهدئة 2012، أنها لم تستطع
إلزام إسرائيل ببنود التهدئة، من خلال عدم توفر ضمانات تمنعها من التلاعب بها،
بحيث تتمسك بما يناسبها من حقوق، وتهمل ما عليها من واجبات، حتى أن اعتقالها
للأسرى المحررين في صفقة التبادل الشهر الماضي، لم تواجه بأي رد فعل مصري، رغم
أنها رعت هذه الصفقة.
أخيراً...من
الواضح أن المبادرة المصرية بحاجة لمزيد من الإنضاج حتى تلقى قبولاً نسبياً من
مختلف الأطراف، تحديداً حماس والجهاد.
وقد
تواصل حماس إطلاق الصواريخ، وكأن شيئاً لم يتغير، حتى لو أوقفت إسرائيل النار من
طرف واحد كما حصل عقب حرب 2008، مما يحمل في بذوره تصعيداً للحرب من جديد مع
إسرائيل من جهة، ودخول حماس ومصر في مرحلة توتر أكثر من ذي قبل، لأن الحركة ستبدو
كما لو كانت تدير ظهرها للقاهرة.
المصدر: الأناضول