المتغيرات السياسية في الشرق الأوسط على مجتمع
اللاجئين الفلسطينيين
بقلم: معتصم عوض
بدأت قضية اللاجئين الفلسطينيين قبل أكثر من 65
عاماً، وهي واحدة من أكثر وأبشع قضايا التهجير العرقي في التاريخ، باعتراف مؤرخين
إسرائيليين، ومن ضمنهم ايلان بابيه، وما زالت عمليات التهجير مستمرة بأشكال
متعددة، وما زالت المعاناة متواصلة، بل وتتفاقم مع كل تغيير، أو اضطراب سياسي أو
أمني في مناطق اللجوء.
ولعلنا نتذكر ما عانته مخيمات اللجوء في لبنان أثناء
الحرب الأهلية اللبنانية، ومن منا لا يتذكر مجزرة مخيم تل الزعتر في لبنان عام
1976، وصبرا وشاتيلا عام 1982. ومع اندلاع انتفاضة الحجارة الأولى عام 1987 في
الضفة الغربية وقطاع غزة، زادت معاناة اللاجئين في المخيمات الفلسطينية، نتيجة
ممارسات قوات الاحتلال الإسرائيلي من قتل، وجرح، واعتقال، وإبعاد، وهدم بيوت، ومنع
تجول، وإغلاق، وغيرها من الممارسات الإجرامية العنصرية التي لا آخر لها.
وأدت حرب الخليج الثانية عام 1990، واحتلال العراق
للكويت، إلى نتائج وخيمة على أبناء الشعب الفلسطيني المقيمين في الكويت، والذي كان
يقدر عددهم قبل الحرب نحو 400,000 مقيم، حيث أدى تأييد بعض القيادات العليا في
منظمة التحرير الفلسطينية للعراق إلى إجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين على مغادرة
الكويت بعد هزيمة العراق من قبل قوات التحالف، إلى عدة دول أهمها: الأردن،
والعراق، بالإضافة إلى الأرض الفلسطينية المحتلة.
واندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000، وكما هي العادة
تقع مخيمات اللجوء ضمن طائلة الاستهداف الإسرائيلي، نتيجة مقاومتها الشرسة
للاحتلال وقواته، ولعلنا نتذكر معركة مخيم جنين، والمعاناة الإنسانية التي لحقت
بأهالي المخيم نتيجة العملية العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في
العام 2002.
وبعد احتلال العراق في العام 2003، وسقوط نظام
الرئيس صدام حسين، بدأت معاناة لجوء جديدة للاجئين الفلسطينيين في العراق، الذين
فروا بأرواحهم بعد أن أصبحوا هدفاً للميليشيات الطائفية، التي استخدمت العنف وسيلة
للانتقام من الطائفة السنية في العديد من مناطق العاصمة بغداد، وكان للفلسطينيين
نصيب مؤلم من موجة العنف، حيث اعتبروا من الموالين لنظام صدام حسين. وفي عام 2007
شهد مخيم نهر البارد في لبنان مأساة إنسانية كبيرة نتيجة الصراع العسكري الذي دار
بين الجيش اللبناني وبين مجموعة فتح الإسلام، التي اتخذت من المخيم مقراً لها.
ووفقاً لإحصائيات الأمم المتحدة فقد تمّ تشريد نحو 30,000 لاجئ فلسطيني من المخيم
المذكور ومن المناطق المحيطة به في شمال لبنان، بعد أن تعرّض المخيم للقصف
المتواصل خلال حصار امتد ثلاثة أشهر. وقد قدّر أنّ ما يقارب 95% من كافة المباني
والبنية التحتية في المخيم قد دمّرت تماماً.
اللاجئون الفلسطينيون في سوريا... رحلة جديدة من أجل
البقاء
طلّت الحرب الأهلية السورية بظلالها على قضية
اللاجئين الفلسطينيين من جديد، جرّاء المعاناة القاسية التي يعيشها أكثر من 600
ألف لاجئ فلسطيني من مختلف الفئات الاجتماعية، وقد أصبحت عمليات القتل والاختطاف
والفقر والتدمير والخوف جزءا من الحياة اليومية هناك، وما زالت مستمرة دون أن يلوح
في الأفق نهاية قريبة للوضع هناك. وتشير إحصائيات الأونروا أن سبعة مخيمات من أصل
اثني عشرة مخيماً في سوريا قد أصبحت "ساحات حرب" ولا يمكن الوصول إليها،
وأن أكثر من 270 ألف لاجئ، فلسطيني أي ما يقارب نصف عدد اللاجئين الفلسطينيين في
سوريا قد نزحوا من مخيماتهم، وأن 15% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين كافة قد فروا
خارج البلاد، معظمهم إلى لبنان، والأردن، وغزة التي استضافت ما يقارب الألف لاجئ،
ومصر التي أصبحت تستضيف العديد من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا.
القادم قد يكون أعظم في لبنان
انتقلت تداعيات الأزمة السورية إلى الساحة
اللبنانية، بين مؤيد للنظام أو للثورة السورية، بل وبدأ الضرب على وتر الفتنة
المذهبية على نحو غير مسبوق، وما الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة طرابلس،
وتشهدها الآن مدينة صيدا، إلا بداية تصاعد ألسنة اللهب من داخل فوهة البركان،
والذي قد يثور في أي لحظة ليحرق الأخضر واليابس لا سمح الله.
وما نشرته وسائل الإعلام عن أنباءً عن تجدد إطلاق
النار في مخيم عين الحلوة بصيدا بين عناصر من جند الشام وفتح الإسلام من جهة،
والجيش اللبناني من جهة أخرى، يجعلنا ندق ناقوس الخطر الذي يهدد تجمعات اللاجئين
الفلسطينيين في لبنان برمته، لقد حاولت الفصائل الفلسطينية تجنيب المخيمات
الفلسطينية الدخول إلى أتون الصراعات الداخلية اللبنانية، لكن الأحداث الأخيرة
التي تشهدها الساحة اللبنانية لا تبشر بخير.
استقرار الأردن
يعيش في الأردن نحو مليوني لاجئ فلسطيني، وهي ما
زالت الجزيرة المستقرة نسبياً في بحر من عدم الاستقرار الذي يحيط بالمنطقة، الأمر
الذي جعل من الأردن محطة لطلب الأمن والأمان ليس للاجئين الفلسطينيين فحسب بل
للاجئين العراقيين والسوريين الذين شردتهم ويلات الحرب في بلدانهم. إن استقرار
الأردن هو صمام أمان لنحو 40% من مجتمع اللاجئين الفلسطينيين الكلي، وعدم استقراره
قد يؤدي لا سمح الله إلى وبال على الشعب الفلسطيني برمته الذي عانى، وما يزال
يعاني، من الظلم التاريخي الذي وقع عليه جرّاء أطماع الحركة الاستعمارية العالمية،
التي أفرزت الحركة الصهيونية، والتي بدورها أنجبت دولة إسرائيل لتكون ذراعها
الاستعمارية في المنطقة.
وأود أن أختم هنا بما قاله وسيط الأمم المتحدة
لفلسطين الكونت فولك بيرنادوت الذي تم اغتياله بتاريخ 17 أيلول 1948 على أيدي
جماعة إرهابية يهودية: "" لن يكون هناك حل عادل ونهائي إذا لم يتم
الاعتراف بحق اللاجئ العربي في العودة إلى منزله الذي اقتلع منه ... سيناقض مبادئ
العدالة الأساسية حرمان ضحايا هذا الصراع الأبرياء من حق العودة إلى منازلهم بينما
يتدفق المهاجرون اليهود إلى فلسطين، ويشكّلون في حقيقة الأمر تهديداً بحصول نزوح
دائم للاجئين العرب الذين تعود جذورهم في الأرض لقرون خلت". إن تشتت اللاجئين
الفلسطينيين في أكثر من دولة عربية منذ العام 1948 جعلهم عرضة للتقلبات السياسية
والاقتصادية والاجتماعية في تلك البلدان، وعليه أقول أنه لن يهنأ اللاجئون
الفلسطينيون في العيش بأمن، وكرامة، وحرية، وعدالة إلا بعودتهم إلى أرضهم التي
سلبت منهم، وبقائهم في مخيمات اللجوء خارج وطنهم سيجعلهم عرضة لهبات التغيرات
السياسية والأمنية في تلك الدول.