«المخيـم»..
لا يزال شاهداً على حق العودة رغم وضعه في دائرة الإستهداف

عبد الرحمن عبد الحليم
خاص/ لاجىء نت
«المخيـم»..
اسم يعني أن تحمل وطناً في صدرك، ولا تنساه ولا تملّ من ذكره ولا تسأم رغم كل الويلات
والمآسي. لم يكن بوسع اللاجئين الفلسطينين غداة النكبة سوى العيش في تجمعات سوياً منعاً
للتفرقة، وكان الهدف حينها العودة الجماعية من حيث أخرجوا غصباً، لكن سرعان ما تحولت
تلك التجمعات إلى مخيمات تؤوي آلاف المشردين.
الاسم مشتقّ من كلمة «خيمة» وهي الحضن الدافئ الذي ضمّ الكبير والصغير
قبل أن تتطور المخيمات إلى زينكو ثم باطون.
كثيرة هي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، منها ما أنشئ داخل الوطن المحتل
في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأخرى خارج الحدود في لبنان وسورية والأردن، لكن تلك المخيمات
لم تسلم من دائرة الاستهداف يوماً لتزيد أوضاع اللاجئين سوءاُ، لا حرب حجبت نيرانها
عن المخيمات ولا سياسة كفّت أذاها.
16
مخيماً رسمياً للاجئين الفلسطينيين في لبنان، وهو الرقم الذي لا تعترف
به وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، دُمّر منها ثلاثة أثناء سنوات
الحرب ولم تتم إعادة بناؤها من جديد، وهم مخيم النبطية ومخيما الدكوانة وجسر الباشا،
وهناك مخيم رابع (مخيم جرود) في بعلبك تم إجلاء أهله ونقلهم إلي مخيم الرشيدية جنوبي
صور، يضاف إلى ذلك مخيم نهر البارد الذي دُمّر مؤخراً ولم تتمّ إعادة إعمار منه سوى
22% فقط.
لم تخرج المخيمات من دائرة الاستهداف، ولم تعرف الأمن والاستقرار منذ
نشوئها، رغم ذلك، فإن الحكومة اللبنانية تحرم اللاجئين من حقوقهم المدنية والاجتماعية
وتمنعهم من مزاولة أكثر من اثنين وسبعين مهنة، الأمر الذي نتج عنه تفشّي البطالة والفقر
بشكل كبير، كما أصبحت تلك المخيمات صندوق بريد للساسة الذين يلصقون التهم المفبركة
المتعلقة بالأحداث الأمنية بالوجود الفلسطيني.
ولأن الاردن هو الجار الأقرب والذي يرتبط مع فلسطين بأطول حدود عربية
تصل إلى 386 كلم، كانت له حصة الأسد في استقبال اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا من
ويلات الحرب على أمل عودة قريبة، حيث أنشئ في المملكة ثلاثة عشر مخيماً تعترف الأونروا
بعشرة منها، وما يميز اللاجئ الفلسطيني في الأردن عن أخيه في لبنان أنه يمتلك جواز
سفر أردنياً بكافة الحقوق، إضافة إلى حصوله على بعض الحقوق تمكنه من الصمود حتى العودة.
أما في الضفة الغربية المحتلة فهناك 20 مخيماً للاجئين لا يختلف حالهم
عن باقي المخيمات في الشتات من حيث المعاناة الإنسانية، وكذلك في قطاع غزة المحاصر
الذي يأوي آلاف اللاجئين في 8 مخيمات.
في سوريا يوجد عشرة مخيمات فلسطينية أكبرها اليرموك، الذي أصبح رمزاً
للصمود والمعاناة في ظل ما تشهده البلاد من أزمة سياسية وعسكرية. إذ يدفع اللاجئون
في مخيم اليرموك الثمن في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، حصار وقصف ودمار كان مصير
المخيم بعد احتضانه المهجرين السوريين الفارين من شبح الموت في مناطق الحجر الأسود
والتضامن ويلدا وغيرها.
وقد بدأت حملة عسكرية على المخيم بعد تقدم قوّات المعارضة من الأحياء
الجنوبيّة في دمشق، تلا ذلك تمركز للدبابات عند ساحة البطيخة في أول المخيم نزح حينها
آلاف العائلات ومن تبقى منهم داخل المخيم فهم محاصرون يموتون جوعاً دون إيجاد حل حتى
الآن.
مخاطر سياسية متنوعة
وفي ظل ما تشهده المخيمات من ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية صعبة، لا
يستطيع أحد نكران التضحيات التي قدمها الفلسطينيون على مدى سنوات النضال، مخيما صبرا
وشاتيلا شاهدان على المجزرة التي ارتكبتها القوات الصهيونية بالتعاون مع ميلشياتها
بحق اللاجئين. ويكاد لا يخلو مخيم إلا خرج فدائيون واستشهاديون، وما حصل في مسيرة العودة
قبل سنوات شاهد على ذلك، حيث كان الزحف البشري الفلسطيني إلى الحدود مع الوطن المحتل،
والتي ارتقى خلالها عشرات الشهداء الفلسطينيين في لبنان وسورية.
أمام المخاطر التي تحيط بالمخيمات من ناحية تهجير الفلسطينيين أو توطينهم،
وهي فكرة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في المفاوضات مع الفلسطينين، ويمكننا القول
أنه هذه الخطة ربما تنجح دون موافقة السلطة الفلسطينية التي نجهل أفكارها تحت الطاولة،
خصوصاً أن المخيمات بدأت تشهد حملة غير مسبوقة للمطالبة بالهجرة إلى الدول الأوروبية
بحثاً عن سبل العيش الكريم، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الفصائل الفلسطينية التي تتجاهل
حقوق الفلسطينيين ومطالبهم الملحّة داخل المخيمات وتحديداً في لبنان.
إحياء فلسطين في أحيائنا
صفورية، سعسع، الدامون، الغابسية والمغاربة...كلها أسماء حاضرة داخل المخيمات،
في رسالة واضحة بأن القرى والمدن الفلسطينية تعيش في وجدان اللاجئين، وهناك عشرات المؤسسات
والنوادي التي تطلق أسماء الشهداء والمعالم الأثرية في فلسطين على نفسها، مثل روضة
الشهيد غسان كنفاني، ومركز ناجي العلي، وسنترال القدس، وهذه دلالة على المبادىء والأسس
التي تربى عليها اللاجئ في مخيمه، فحق العودة جزء لا يتجزأ، ورغم مطالب الفلسطينين
بالهجرة إلا أن فلسطين حاضرة في قلوبهم وعقولهم، كيف لا وأنت تجد من يطلق على ابنته
اسم بيسان أو يافا او جنين تيمناً بالقرى الفلسطينية.
المخيم ليس إلا شاهداً على حق العودة وعنوان الشتات على مدار سنوات النكبة.