القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
الإثنين 25 تشرين الثاني 2024

المخيم المظلوم

المخيم المظلوم

بقلم: فداء عيتاني

عين الحلوة هو، إعلامياً، المخيم المتفلت من الانضباط والنظام، حيث تعيش العصابات المسلّحة في جنة مطلقة، وحيث يلتجئ المطلوبون الأمنيون ويتحولون الى هاجس مقلق لباقي سكان لبنان. وعين الحلوة، واقعياً، هو بقعة سكن، ومنزل اكثر من 75 الف فلسطيني والعديد من اللبنانيين الفقراء. ولا تزال ارض المخيم هي حاضنة سكانها الى ان ينتقلوا من بيوتهم الفقيرة والمليئة بالرطوبة، والشروط غير الصحية، الى المدافن الواقعة في نهاية المخيم نحو الجنوب.

المخيم يعيش كل يوم، ومنذ مأثرة شقيقه مخيم نهر البارد، فوبيا التدمير الشامل وتشريد السكان وتحويلهم الى لاجئين (ضرب 2)، مرة من بلدهم فلسطين وأخرى من مخيمهم حيث ولد اغلبهم.

المخيم الذي يضم كل هذا العدد من البشر، والذي ينافس قطاع غزة في الكثافة السكانية، يضم بطبيعة الحال قوى فلسطينية، ومجموعات اسلامية، منها المتشدد ومنها الذي ورث شرعاً تراجع القوى الفلسطينية التقليدية من فتح وجبهة شعبية وجبهة ديموقراطية وغيرها. لم يطرح مرة امام اللاجئ الفلسطيني في هذا المخيم او غيره إجماع لبناني حول موضوع السلاح، او الامن في المخيمات. بل دائماً ما يستيقظ الفلسطينيون امام مشاريع لبنانية لفرض المزيد من الحصار على المخيمات وتهميش اهلها ابعد وأعمق مما هم مهمشون الآن.

آخر المشاريع كانت تلك التي اعتزم وزير الداخلية الحالي طرحه امام مجلس الوزراء متبنياً مشروع وزير الدفاع السابق، لكن من دون ان يقرأه (كما أقر لاحقاً). وكان من شأن مشروع مشابه أن يحاصر المخيمات ويحوّلها بإجمالها الى بؤر مخصصة للمهمشين ولإيواء الجريمة.

الدولة اللبنانية نفسها شنّت على مخيم عين الحلوة حرباً بعيد نهاية الحرب الاهلية، ثم تركته محاصراً منذ ذلك التاريخ، مطوقاً من الجيش والقوى الامنية، ومنخوراً بالمخبرين والجواسيس الذين يعتاشون من كتابة التقارير، او اولئك الذين يبنون نفوذهم في الداخل ليصرفوه في رضى الاجهزة الامنية. ولم توفر القوات السورية العاملة في لبنان المخيم من خريطة انتشارها الامني، فاخترقته طولاً وعرضاً.

وبدل الطوق الواحد، كانت ولا تزال حول المخيم اطواق امنية، وفي داخله نخر السوس الامني حتى العظم، ورغم ذلك فإن المطلوبين الامنيين يدخلون الى المخيم ليستقروا فيه هرباً من «الدولة»، والاسلحة تهرب الى داخله، فترى بين ايدي القوى الفلسطينية اسلحة حديثة، يعلم الله وحده من أي طريق بلغتهم إن لم تكن عبرت امام اعين القوى الامنية اللبنانية، ويدخل الى المخيم اكثر المطلوبين خطورة من عناصر تنظيمات كفتح الاسلام وحتى تنظيم القاعدة، وبعضهم يخرج ليموت بينما يختفي آخرون دون ان يعرف احد في اية بقعة اصبحوا وأية جوازات سفر استخدموا.

وفي كل حين فإن الحديث يدور من ناحية حول تعاون القوى الفلسطينية مع الدولة اللبنانية وأجهزتها، ثم يبدأ السياسيون بالحديث عن سلاح المخيمات، او السلاح الفلسطيني، وفي المخيم فإن السلاح هذا يقتل الفلسطينيين فقط لا غير، فهو لم يوجه لغير الفلسطينيين ولم يستخدم في الاخلال بالامن، لكن السلاح الآخر، العبوات والمتفجرات والصواريخ التي تطلق هنا وهناك، ويشار بإصبع الاتهام إلى أن مصدرها مخيم عين الحلوة او غيره، لا بد ان تكون مرت على الحواجز الامنية اللبنانية، والا فكيف خرجت من المخيم.

ثم يبدأ اللينو بتلقّي الضربات، اغتيال لمرافق، ثم لآخر، وهو سبق أن وجه الضربات الى المجموعات الصغيرة في المخيم، سواء اكانت تسميتها جند الشام أم القاعدة، أم فتح الاسلام، وهي في النهاية مجرد مجموعات صغيرة لا وزن فعلياً لها في المعادلات السياسية والامنية حالياً، لا داخل المخيم ولا خارجه، وتعلم الاجهزة اللبنانية ذلك علم اليقين.

ومن خلف القوى الصغرى في المخيم يقف الصراع الفتحاوي ــــ الفتحاوي، او الاطراف المتضررة والمستفيدة من التغييرات في القيادة والادارة الفلسطينية ليزيد الطين بلة، ويضع المخيم تحت مجهر من ينتظرون مناسبة لتقديم ضحية للأميركيين والاسرائيليين مقابل ترقيتهم في مواقعهم وزيادة الرضى عنهم، راجعوا مشهد نهر البارد، حيث تم ذبح الجمل لتقديم وليمة للذئب.

في كل ذلك لا يمكن تخيل أن قوات اليونيفيل هي الضحية، او ان القوى الفلسطينية المسلحة بأطرافها المتشعبة هي الضحية، بل هناك ضحية واحدة هي هي من يذبح منذ أن وصلت الى بلاد الارز، هم اللاجئون الفلسطينيون والذين يجهد البعض لتشتيتهم مجدداً، او دفعهم قسراً للرحيل.. الا أنهم يصرّون على التكاثر ولو كانوا مظلومين وفي مخيم مظلوم.

المصدر: جريدة الأخبار