المخيمات أكبر من المناكفات والتجاذبات
بقلم: عريب الرنتاوي
احتلت المخيمات الفلسطينية مؤخراً، مساحة واسعة في الجدل الوطني الدائر حول الإصلاح والمشاركة والتمثيل والانتخابات والحقوق (ما هو منقوص منها أو مكتسب)، وباتت تصريحات «الوجهاء» و«الأعيان» و«النواب» المُمثلين لها، تتصدر عناوين الصحف اليومية، وتحظى بمنشيتات رئيسة على صدر الصفحات الأولى لها.
ودعونا نبدأ أولاً بملاحظة منهجية، تتعلق بـ«المخيم» كرمز للجوء الفلسطيني وكشاهد على إلحاحية الاستمساك بحق عودة هؤلاء إلى وطنهم...بهذا المعنى لا يجوز الزج بالمخيم في الجدل الوطني، أو استخدامه ورقة ضغط، أو ورقة ضغط مضادة، هذا لا يخدم المخيم ورمزيته وقضية أبنائه...هذا لا يخدم الأردن وفلسطين، فدعونا نتفق على إخراج هذه المسألة من دائرة الخلاف والتجاذب، دعونا نعمق وحدتنا الوطنية خلف شعار «حق اللاجئين في العودة إلى وطنهم والتعويض عمّا لحق بهم من معاناة وخسائر وأضرار».
لكن ذلك لا يعني أن سكان هذه المخيمات، ليسوا مواطنين أردنيين...هم كذلك بحكم الأمر الواقع الذي سبق وحدة الضفتين ، وبالأخص في ضوئها وتأسيساً على مقتضياتها القانونية والدستورية...هم مواطنون أردنيون منذ ثلثي قرن من الزمان، والجيل الرابع من حملة «المواطنة» الأردنية، وأقول المواطنة لأنها سابقة للرقم الوطني وأكبر منه ولا يمكن أن تختزل به، الجيل الرابع من أبناء المواطنين/اللاجئين، يطل برأسه ويأخذ محله في سجل المواطنة الناظم والمقرر لمنظومة الحقوق والواجبات.
هؤلاء جزء مما تعارفنا على تسميته بـ«الأردنيين من أصول فلسطينية»...هؤلاء ليسوا مجرد «شريحة» من السكان، هذا اختزال مُخلّ....هؤلاء مكوّن رئيس للدولة والمجتمع، للاقتصاد والسياسة والاجتماع في الأردن...هؤلاء بناة أساسيون للدولة والاقتصاد والثقافة والنهضة الأردنية، بعضهم آثر البقاء في المخيم، وغالباً لأسباب اقتصادية واجتماعية، وغالبيتهم (85 بالمائة منهم تقريباً) تعيش خارج المخيمات، ولا تكاد تجد مدينة أو قرية في طول البلاد وعرضها، لا يقطنها نفرٌ من هؤلاء، الذين أظهروا ولاءً لمواطنتهم، لا يمكن أن يزايد عليهم فيه أحد.
لأسباب عديدة، استنكفت هذه الفئة من السكان، سكان المخيمات، عن المشاركة في حراكات الشارع، الشبابية والشعبية، ولم تحضر بقوة في الساحات والميادين، ولهذه الظاهرة أسباب عديدة، يطول شرحها وليس هذا مقامها، وقد قوبل استنكافهم بنقد شديد أحياناً، واتهموا بالسلبية وعدم «المبالاة والموالاة»، وعندما كان نفرٌ منهم يهّم بالمشاركة، أو يستجيب لدعواتها، تقوم الدنيا ولا تقعد.
هذه الفئة من المواطنين، أذكى وأكثر خبرة من أن تُستدرج في لعبة المناكافات والتجاذبات، .
خلال الأشهر الفائتة، أتيح لكاتب هذه السطور أن يلتقي بالمئات من أبناء المخيمات، من مادبا إلى إربد، ومن عمان إلى الزرقاء...الصورة الواقعية ليست كما يجري تصويرها...المخيمات ليست رديفاً احتياطياً للإخوان المسلمين...المخيمات حاضنة للتنوع السياسي والفكري والاجتماعي...المخيمات على درجة من الوعي تأبى الابتذال والإسفاف الذي تعبر عنه بعض التغطيات الصحفية والإعلامية لمواقف فعاليّاتها ووجهائها...المخيمات تستحق تعاملاً أفضلاً، يراعي المتوسط الحسابي لمستوى ذكاء سكانها الذين يفخرون بأنهم خرّجواً أجيالاً من الأطباء والمهندسين والناشطين والقيادات السياسية والاجتماعية والثقافية والفنية، برغم شظف العيش وذُلّ اللجوء...فرفقاً بمخيماتنا.
المصدر: الدستور الأردنية