المخيمات الفلسطينية بند على جدول سوريا لتفجير لبنان
بقلم: ربى كبّارة
تقدّمت ورقة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين واجهة الأوضاع الأمنية المهتزّة بعد فشل محاولات النظام السوري خلق فتنة لبنانية - لبنانية فانكفأ الى انتاج فتنة لبنانية - فلسطينية تسهّلها عليه الظروف الحياتية والامنية السيئة للمخيمات، وفي مقدمها مخيم نهر البارد، بما يشكل بيئة خصبة للاستغلال السياسي.
وتدرج مصادر فلسطينية المواجهات التي جرت مؤخرا بين الجيش وأهالي مخيم نهر البارد وأدت إلى سقوط قتلى من سكانه وما تلاها من مواجهات مماثلة في مخيمات اخرى، في اطار مواصلة نظام الاسد مساعيه لتصدير أزمته حرفا للأنظار عما يجري على ارضه وللقول إنه ما زال يتحكم بأوراق اقليمية قد تدفع الغرب مجددا نحوه.
وتلفت المصادر الى الزيارة الاخيرة التي قام بها رئيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة احمد جبريل لبيروت بعد اجتماعه بالرئيس الاسد في هذا التوقيت بالذات. خصوصا ان هذه المجموعة هي التي تملك قواعد عسكرية خارج المخيمات من المقرر بحث مصيرها في جلسة الحوار الوطني الاثنين المقبل رغم ان التوافق المحلي على الانتهاء منها اقرّ قبل بضعة اعوام، اضافة الى ملامح تفاهم اميركي- روسي على الوضع السوري لم تتضح تفاصيله بعد.
فبالنسبة الى نظام الاسد، من غير المسموح به بقاء الوضع الفلسطيني خارج اطار التوتر العام الذي يسيطر على لبنان، والا فلماذا ترعى دمشق مجموعات فلسطينية ؟ أليس لتخدمها عند الحاجة؟
وترى المصادر الفلسطينية نفسها انه ورغم الاجماع اللبناني- الفلسطيني على تحييد المؤسسة العسكرية عن الخلافات وعدم المساس بهيبتها بل والمطالبة بتفعيل عملها فإن بعض حلفاء سوريا مثل النائب ميشال عون، العاجز عن شد عصبية اتباعه، يستغل التعديات على الجيش باعتباره عصبيته ويؤدي في الوقت نفسه خدمة جلية للنظام السوري.
وتتحمّل بعض العناصر العسكرية او الامنية غير المنضبطة مسؤولية المساهمة عن قصد او غير قصد، في توتير الاجواء الداخلية لبنانيا لبنانيا او لبنانيا- فلسطينيا، سواء بطريقة توقيفها شادي المولوي في طرابلس التي سمحت لمجموعات اسلامية بالنزول الى الشوارع وإظهار اسلحة وإن فردية، او بتسرعها في اطلاق النار الذي ادى في عكار الى مقتل اثنين من المشايخ او مع التعديات التي واجهتها في المخيمات بعد تطويق مشاكل الشمال.
كما لا يؤمّن الجيش مطلب أهالي المناطق الحدودية مع سوريا سواء في الشمال او الشرق بالانتشار على طول الحدود للجم التعديات القادمة من الطرف الآخر، بسبب مواصلة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اتّباع سياسة النأي بالنفس عن كل ما يجري. وكان مطلب التخلص من الحكومة لمصلحة اخرى انقاذية سيكون مطلبا جماهيريا لولا تمسك النظام السوري وحلفائه بها رغم كل الشلل الذي تعانيه.
من ناحية اخرى تفصل المصادر بين حوادث مخيم نهر البارد الاخيرة وما تلاها من حوادث في مخيم عين الحلوة وقعت جميعها مع الجيش. وترى ان الحكومة سهّلت زعزعة امن المخيمات خصوصا بإهمالها لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني التي انشأها رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة كإطار جامع لحل المشكلات وإعادة إعمار المخيم الذي تهدم في ظل الحرب التي جرت بين تنظيم "فتح الاسلام" الذي تدعمه دمشق والجيش اللبناني عام 2007.
وتلفت المصادر الى ضرورة الانطلاق من الخلفية التي عاشها المخيم منذ ذلك الحين قبل تقويم اللحظة السياسية الراهنة. وتذكّر بأن الشرعيتين اللبنانية والفلسطينية ارادتا مخيم نهر البارد نموذجا مدنيا ايجابيا للمخيمات الاخرى لكن تلاشي لجنة الحوار المذكورة واستمرار المعالجة الامنية وحدها راكما ردود فعل قاسية بسبب اغلاق المنافذ والحصار مما قضى على السوق الاقتصادي الذي شكل سابقا العمود الفقري لحياة المخيم. فهذا المخيم ما زال يعيش حتى اليوم في ظل حالة طوارئ عسكرية، رغم كونه المخيم الوحيد المنزوع السلاح، مما ولد احتقانا اتضح قبل الاحداث الاخيرة عبر الزيارات العبثية التي قام بها مسؤولوه الى السلطات الرسمية. وتقول اذا ما زال الهدف وضع سياسات ترتكز على احترام الشرعيات فيجب اتباع سلوك يؤدي الى الاحترام.
اما في مخيم عين الحلوة، حيث تتنامى الحركات الاصولية السهلة التوظيف وحيث استعاد جبريل قاعدة تركها لسنوات، فقد تمّ افتعال الحوادث مع الجيش من قبل مجموعات لها مصلحة في التفجير اضافة الى ضرب المصالحة الفلسطينية- الفلسطينية التي ابعدت حركة حماس عن دمشق. وتقول المصادر ان التضامن مع اهالي مخيم نهر البارد كان مطلوبا على ان يأتي هادئا وسلميا، لكنّ عناصر معروفة الانتماء استفزت الجيش.
وبغضّ النظر عن نوعية الاحداث، سواء الأمنية او احتمالات الاغتيالات التي توسّع التداول بها مؤخرا الى المشهد الحياتي وتحويل طريق مطار رفيق الحريري الدولي، مطار لبنان الوحيد، رهينة قطع طريقه، يبقى "المايسترو" واحداً: النظام السوري، مما يجعل مطلب رحيل الحكومة واستبدالها في مصاف الاولويات.
المصدر: المستقبل