المرجعيات الصحية المعنية بالفلسطينيين في لبنان ..عجز متواصل عن تلبية مقوّمات حياة اللاجئين
سامر السيلاوي
إذا سألت فلسطينياً في لبنان عن أكثر الأمور التي تؤرقه، سيكون جوابه حتماً، العجز عن تلبية المتطلبات الصحية المتزايدة كل يوم، وذلك نظراً إلى التعقيدات الحياتية اليومية، الناجمة عن التراجع المتواصل في المستوى المعيشي، وعدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من الاكتفاء الذاتي اجتماعياً واقتصادياً، وبالتالي صحياً، وقد تولت جهاتان المسؤولية المباشرة عن الجوانب الصحية للاجئين الفلسطينيين منذ النكبة عام 1948، وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
تركز عمل وكالة الأونروا في خدماتها المقدّمة إلى الفلسطينيين على النواحي الطبية الوقائية في أكثر من 30 مركزاً في اختصاصات التوليد، وطب الأطفال، والتنظيم العائلي والوقاية من الأمراض المعدية وغير المعدية.
لكن، المشاكل الأساسية بالنسبة للفلسطينيين، غالباً ترتبط بالخدمات الاستشفائية، نظراً لارتفاع تكاليف العلاج الطبي الاستشفائي، والانخفاض الدائم في الميزانية الصحية، المخصصة للحالات المرضية المعقدة نوعاً ما من جهة، وتردي الأوضاع المعيشية الاقتصادية من جهة أخرى، ومنذ العام 1993 أصدرت وكالة الأونروا قراراً حصرت فيه المساعدات المخصصة لبعض الحالات الصحية الحرجة، وأوقفت توظيف الأطباء، وخفضت مخصصات التجهيزات الطبية وصيانة البنى التحتية، وأمام تعليق توظيف الأطباء، اضطر الأطباء العاملون لمعاينة عدد كبير من المرضى بما يتراوح بين 100 و150 حالة للطبيب الواحد يومياً.
وخلال السنوات الأخيرة، امتنعت الوكالة عن تقديم الخدمات الطبية لمن هم فوق الستين عاماً، مع العلم أن هذه الفئة العمرية، هي أكثر الفئات حاجة إلى تلقي الخدمات الصحية، وبالنسبة للخدمات الطبية المقدّمة للمرأة الحامل، أخذت الأونروا على عاتقها تغطية نفقات الولادة الأولى فقط، ولتغطية نفقات العمليات الجراحية، فقد اعتمدت صرف 25 في المئة من القيمة الفعلية للعملية الجراحية، ووصلت في بعض الحالات مؤخراً إلى 40 في المئة، إذ لا تمتلك الأونروا مستشفيات، وإنما تتعاقد مع المستشفيات اللبنانية التي تتسم غالباً بالتعقيد الإداري، أو مع مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني، حيث الإمكانات المتواضعة.
وقد أُسست جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني عام 1968 في الأردن، وفي العام 1969 تم اعتبارها الجهاز الصحي والاجتماعي للشعب الفلسطيني، بعد قرار من المجلس الوطني الفلسطيني، وبعد خروج المنظمة من لبنان عام 1982 وخلال الحرب الأهلية في لبنان، واجهت الجمعية صعوبات كبيرة بعد أن خسرت معظم إمكانياتها الطبية، حيث دمرت ونهبت معظم مستشفياتها وعياداتها، وأهمها مجمّع غزة الطبي في منطقة صبرا، ومستشفى القدس في منطقة الحازمية، بالإضافة إلى الكثير من المراكز والمستوصفات.
وحافظت الجمعية على وجودها بشكل متواضع جداً، بالمقارنة مع متطلبات الوضع الصحي للفلسطينيين في لبنان، حيث اقتصر حضورها على بعض المخيمات، وبشكل شبه رمزي لا يرتقي إلى المتطلبات والاحتياجات المتزايدة للمجتمع الفلسطيني، لكن ذلك لا يمنع الكثير من الفلسطينيين وحتى بعض فقراء اللبنانيين، من اللجوء إلى مراكزها طلباً للعلاج، خصوصاً في مراكز علاج الأسنان والطوارئ، حيث لا يوجد بديل آخر.
وتعاني الجمعية من شح في موازناتها المالية، أثّر سلباً على تقديماتها الصحية، وتعمل مستشفياتها ومستوصفاتها بصورة تفتقد للمقومات المفروضة في أي مؤسسة طبية بهذا الحجم، وما تزال تعاني من نقص في الكادر الطبي المتخصص، ونقص في الأدوية، وحتى مستشفياتها التي تقوم بإجراء العمليات الجراحية، فإنها تفتقد إلى الكثير من شروط السلامة العامة والكفاية من الأجهزة اللازمة لإجراء العمليات الجراحية، مع الإشارة هنا إلى أن بعض الخدمات الصحية التي يقدمها الهلال، لم تعد مجانية كلياً بعد أن فرضت رسوماً خفيفة على المرضى.
ويلجأ الفلسطيني في ظل انسداد الأفق في ما يخص القضايا الاستشفائية، إلى الكثير من الجمعيات الخيرية إذا واجهته أية مشكلة صحية طارئة، خصوصاً بعد تزايد الحالات المرضية، نتيجة تلوث مياه الشرب والاستعمال، والطرقات الضيّقة، والصرف الصحي والبنية التحتية، حيث إن المجارير المكشوفة بين البيوت، تزيد نسبة التلوث بشكل كبير، نتيجة سوء التخطيط في توصيلات شبكة المياه وتداخلها في كثير من المناطق مع شبكات الصرف الصحي، واعتماد الآبار الإرتوازية وعدم مراقبتها دورياً، مما يجعل نسبة التلوث كبيرة جداً، وتؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض، خصوصاً الإسهال والكوليرا، إضافة إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض الجلدية في الآونة الأخيرة، ناهيك عن الازدحام السكاني، والبيوت المتقاربة التي تحجب نور الشمس والهواء إلى داخل المنازل، مسببة أمراضاً مزمنة في الجهاز التنفسي، بالإضافة إلى الأمراض التقليدية كالسكري وضغط الدم المرتفع وأمراض القلب وفقر الدم وعوارضها وأمراض نفسية أخرى وغيرها.
إن استمرار معاناة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وعدم القدرة على تلبية الحاجات والمتطلبات اليومية، خصوصاً الصحية، وتراجع خدمات الأونروا والهلال الأحمر الفلسطيني، ينذر بعواقب وخيمة وخطيرة، إذا لم يتم العمل بشكل سريع على معالجة ذلك.
المصدر: الثبات