القائمة

مواقع التواصل الأجتماعي
السبت 30 تشرين الثاني 2024

المصالحة الفلسطينية المحكومة بالفشل

المصالحة الفلسطينية المحكومة بالفشل

فراس أبو هلال

لم يكن المتشائمون من مصير المصالحة الفلسطينية في فصلها الأخير يضربون بالرمل حين عبروا عن مخاوفهم شبه المؤكدة من فشلها، ولم يكن أغلبهم ينطلقون في مخاوفهم من رغبة بهذا الفشل، بل على العكس من ذلك، كانت هذه المخاوف تنبع من حرص حقيقي على إنهاء الانقسام الفلسطيني، والانطلاق نحو بداية جديدة للمشروع الوطني الفلسطيني، والخروج من خريف الحركة الوطنية الطويل، ولكن على أسس صحيحة.

فالمصالحة في مسارها الذي ابتدأ في القاهرة وانتقل إلى أكثر من عاصمة عربية ليحط أخيرا في مخيم الشاطئ؛ بنيت على أسس خاطئة. وما بني على خطأ لا بد أن ينتهي إلى الفشل، حتى لو انطلق من نوايا طيبة لدى الطرفين، هذا إذا سلمنا بوجود هذه النوايا الطيبة.

لقد كانت المصالحة منذ اتفاق القاهرة الأول محصورة بسقف أوسلو الذي اعترف الجميع بفشله، بما في ذلك حركة فتح والرئيس عباس، ولذلك فقد كانت نصوصه منشغلة بالتفاصيل المتعلقة بالسلطة الفلسطينية، لا بالمشروع الوطني ككل، ومعنية بحل الصراع بين حركتي فتح وحماس، لا الصراع العربي الإسرائيلي، وبالتالي فإنها محكومة بالفشل، حتى لو كان الطرفان راغبين فعلا بإنهاء الانقسام.

وإذا أضفنا للأسس الخاطئة حقيقة أن اتفاق المصالحة الأخير جاء مدفوعا برغبة الطرفين للتخلص من أزمات سياسية واقتصادية يعاني منها كل طرف، فإن هذه الحقيقة تجعل الفشل حتميا، لأن المسارات السياسية الاضطرارية تتوقف عند أي منعطف، وتنكشف عند أي محاولة للدخول بالتفاصيل والتعامل معها على أرض الواقع؛ إذ أن شيطان التفاصيل يتربص بكل صغيرة وكبيرة في الحياة اليومية الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة على حد سواء.

وبمجرد توقيع الاتفاق، بدأ التطبيق الفعلي له يكشف عن سوء النية من قبل السلطة الفلسطينية، ومحاولة استغلال ظرف قطاع غزة وحركة حماس، وبدا ذلك واضحا في تمسك عباس بموقفه في كافة الجزئيات المتعلقة بتشكيل الحكومة، ورفض تقديم أي "تنازل" لحماس، وهو المعروف، للمفارقة، بقدرته الهائلة على التنازل عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات مع إسرائيل!

أزمة البيروقراطية التي شكلتها حماس في غزة بعد الانقسام كانت هي الأخرى محطة جديدة في كشف عوار المصالحة، إذ أرادت حكومة "التوافق" أن تعيد الموظفين الذين تخلوا عن أداء واجبهم منذ حزيران 2007، وتستبعد الموظفين الذين عملوا في ظروف الحرب والحصار، وتمنع عنهم الرواتب، في مفارقة مضحكة مبكية لحكومة تريد فرض سيطرتها على الجميع، ولكن دون أن تدفع الرواتب للجميع، الأمر الذي يكشف سوء النية المبيت من السلطة، وقلة الحنكة من طرف حماس في نفس الوقت.

ولكن المشكلات التي نشأت حول تطبيق تفاصيل الاتفاق ليست سوى الجزء الأقل أهمية في فشل المصالحة، إذ أن الجزء الأهم هو ذلك المتعلق بالأسس التي بنيت عليها اتفاقيات حماس وفتح المتعاقبة والذي لم يتطرق لمنهجية الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. وقد أثبتت الأحداث التي أعقبت "اختطاف" المستوطنين الثلاثة في الخليل عمق الهوة بين حماس والسلطة، وأظهرت أن الخلاف الحقيقي لا يتعلق فقط بمن يحكم غزة، ومن يدفع رواتب موظفيها، ومن يسيطر على معبر رفح، وغيرها من الجزئيات المتعلقة بسلطة أوسلو، بل إن الخلاف هو حول منهج الحركتين في التعامل مع الصراع مع دولة الاحتلال.

ولذلك، فإن أي اتفاق لا يحدد وسائل الصراع مع الاحتلال، ويلزم جميع الإطراف لن يكتب له النجاح، حتى لو وقع ألف مرة، ومهما كانت الظروف التي دفعت الطرفين لتوقيعه، إلا إذا وصل إلى عمق الأزمة التي يعيشها المشروع الوطني الفلسطيني، الذي أصبح محكوما بسلطة أوسلو، ورواتب أوسلو، واشتراطات الدول المانحة لسلطة أوسلو.

وعلى الرغم من أن تصعيد الإجرام الصهيوني في الأيام الأخيرة قد كشف عورة اتفاق المصالحة، إلا أنه قد يكون دافعا أيضا لتصحيح مسار حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وهو التصحيح الذي لا يمكن أن يتم دون تفاعل جميع الأطراف الفاعلة في هذه الحركة بدلا من ترك مصيرها لحركتي حماس وفتح.

ولكن كيف يتم التصحيح؟ وهل يمكن أن يغير الفلسطينيون من مصير المصالحة المحكومة بالفشل؟

قد تبدو محاولة الإجابة على هذه التساؤلات نوعا من المغامرة، ولكن نقطة البداية موجودة لدى حركة حماس، التي يجب أن ترفض الابتزاز للموافقة على مصالحة تحت سقف أوسلو، وأن تصر على أن أي تطبيق للمصالحة يجب أن يبدأ من تفعيل الإطار القيادي وإصلاح منظمة التحرير وتفعيل مؤسساتها، والاتفاق على برنامج وطني يضبط إيقاع الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. ومع ذلك، فإن حماس مطالبة بخطاب تصالحي يستقطب التيار الوطني في حركة فتح، ويساهم في تفعيل هذا التيار، فما يجمع بين حماس وهذا التيار هو أكبر بكثير مما يجمع بينه وبين قيادة فتح والرئيس عباس، خصوصا في ظل استمرار الفشل الذريع في نهج المفاوضات ومسار أوسلو العبثي.

على حماس أن تمضي بكل صدق للمصالحة، ليس مع عباس، بل مع التيار الوطني في حركة فتح، ومع الجهاد الإسلامي، ومع ما تبقى من اليسار الفلسطيني غير الخاضع لإملاءات الارتباطات المالية بالسلطة، وقبل كل ذلك مع الشعب الفلسطيني الذي احتضن المقاومة الفلسطينية، وألهمها، بغض انظر عمن يقود هذه المقاومة. حدث هذا عندما مثلت فتح آمال الفلسطينيين بالتحرر، وحدث أيضا عندما تصدت حماس لمشروع المقاومة، وسيحصل دائما مع أي طرف يمثل أحلام الفلسطينيين بالتحرر والكرامة.

موقع "عربي 21"