المصالحة ممكنة... العودة لا!
بقلم:
أحمد حسان
بالتوازي مع كل حديث عن مصالحة
وطنية، أو تسوية ميدانية، في إحدى البقاع الساخنة من الأرض السورية، كانت تبرز
للعلن نداءات البعض وإشاراتهم إلى رفض عودة النازحين إلى مناطقهم، على خلفيات
اجتماعية وطائفية متنوعة
ريف دمشق | «لا للعائدين... لا لمن
سافر وترك البلاد وقت الشدة، ويريد أن يعود وقت الرخاء»، هذا ما كُتب على باب
مستودع تجاري في حيّ القابون الدمشقي. تمتلئ جدران الحي بعبارات مماثلة ترفض عودة
النازحين إلى منازلهم. فمنذ بداية الصراع المسلح فيه، خاض أهالي القابون نزاعاً في
ما بينهم، بين من يرى أن الأولوية هي للنجاة مع عائلته من الموت، وبالتالي النزوح
من الحي، ومن رأى أن «المقاومة» وحمل السلاح والبقاء في المنازل هي السبيل الوحيد
«للصمود».
ومع اشتداد المعركة العسكرية، كان
يزداد ميل التيار الأول للنزوح، في ما ترتفع نقمة التيار الثاني عليه لأنه يراه
سبباً في تأجيل «النصر العسكري». يروي محمد الشطي، أحد النازحين من القابون بداية
عام 2013: «لم يكن هناك من سبيل، النار بدأت تلتهم منزلنا حين أجبرنا على الرحيل.
ورغم علمهم بأسباب النزوح، يرسل لي جيراني يومياً رسائل تفيد بأن اسمي أصبح على
قائمة العار، التي أطلقوها على كل من ترك منزله». ويعقِّب الشطي: «حين سألتهم: كيف
أبقى ومنزلي احترق؟ جاوبوني بحدة: ليست بحجة، كان بإمكانك أن تبقى ونصلح المنزل
معاً».
في السياق نفسه، ذهب بعض أهالي
المليحة (الغوطة الشرقية) أبعد من ذلك، حيث أحرقت عشرات المنازل التابعة لنازحين
عن المدينة، أو لمنتمين إلى طوائف أخرى، بعد نهب محتوياتها. يروي حسن نظام، أحد
اللاجئين إلى حيّ الأمين الدمشقي، لـ«الأخبار»: «بعد اكتشافهم لطائفتي، وضعني
المقاتلون أمام خيارين، إما القتال معهم والمناوبة على الحواجز التابعة لهم، وإما
القتل. وعدتهم بأني سأقاتل معهم، وناوبت مرتين على أحد الحواجز، ثم هربت مع
عائلتي، بعد أن قام أحد الشباب بتهريبنا. يومها أدرج اسمي على قائمة المحكومين
بالإعدام عندهم». وبالإضافة إلى القابون والمليحة، تبرز هذه الإشكالية في كل من
دوما وجوبر وحرستا ومخيم اليرموك على نحو واضح.
إلى ذلك، كانت المشكلة حاضرة في كل
المبادرات الساعية إلى إنجاز تسويات في تلك المناطق. في حرستا، على سبيل المثال،
وضع المسلحون شروطهم لإنجاح المصالحة، ليشتمل الشرط الأول على رفض «عودة كل من هو
غير حرستاني الأصل»، بما يشير إلى مدى تأزم الإشكال الطائفي في تلك المناطق، ما
حدا أكثرية السكان المنتمين إلى مناطق وطوائف أخرى إلى نسيان إمكانية العودة إلى
منازلهم. تلفت السيدة سماح ك.، النازحة من مخيم اليرموك إلى جرمانا: «كيف لي أن
أعود إلى منزلي، وقد ظهر أن أكثر من نصف شباب الحارة منتمون إلى جبهة النصرة؟ حتى
لو حدثت تسوية هناك، فما الذي يضمن عدم التعرض لي؟».
هنا، يعود الحديث عن دور الدولة،
ومهمتها في إيجاد حل لهذه المشكلة التي قد تعرقل عودة الآلاف من المدنيين إلى
منازلهم، وخصوصاً في المناطق التي كانت تشهد تنوعاً ديموغرافياً واسعاً. وعن دور
لجان المصالحة الوطنية في التخفيف من حدة الاحتقان، يؤكد عمار جزماتي، أحد أعضاء لجان
المصالحة، أن «الدور الكبير في تلك العملية سيعود إلى الرموز المحلية المعروفة،
التي من شأنها أن تمون على الطرفين، من أجل تلافي تفاقم الأزمة اجتماعياً. وتتعدد
الرموز من مكان إلى آخر، ففي بعض المناطق يمكن المختار أن يؤدي هذا الدور، وفي
بعضها الآخر تكون المهمة موكلة إلى رجال الدين المعتدلين والوطنيين».
«الوطن ليس فندقاً»
في مواجهة ظاهرة السفر خارج البلاد،
تهرباً من أداء خدمة العلم الإلزامية، تكثر الدعوات والتحريض على مواقع التواصل
الاجتماعي ضد هذا السلوك. وعند كل استحقاق من هذا النوع، يستحضر رافضو هذه الظاهرة
الصورة الشهيرة التي وسمت بشعار «الوطن ليس فندقاً نغادره حين تسوء الخدمة». فيما
لا تزال قضية الجندية تشكل عبئاً على الشباب السوري، ولا سيما في ظل وجود حالة
الاحتفاظ وعدم التسريح.