المهنيون الفلسطينيون واستمرار قوانين الحرمان
في لبنان كما في العديد من الدول العربية المضيفة للاجئين، شكل التعليم بالنسبة للاجئين الفلسطينيين عنصراً هاماً ورئيسياً في إذكاء الشعور الوطني، وأولوا التعليم أهمية رئيسية لايمانهم بأن التعليم هو حبل النجاة والخلاص الذي يمكنهم من العيش الكريم ومواجهة كل التحديات التي تعصف بظروفهم السياسية والإجتماعية ومواجهة ظروف الحياة القاسية وللتغلب على السلبيات الناجمة عن وضعهم كلاجئين.
إنطلاقاً من هذه القاعدة توجه الشباب الفلسطيني للجامعات اللبنانية والتحقوا بالكليات العلمية والادبية المختلفة، ووصل العديد من الخريجين الفلسطينيين الى أعلى المراتب الوظيفية في الدول العربية والاجنبية بفعل تميزهم ونجاحهم في ميادين العمل المختلفة.
اما في لبنان، فتعتبر مشكلة حق العمل من أبرز المشكلات التي تواجه الشباب وخريجي الجامعات من اللاجئين الفلسطينيين، الذين تمارس بحقهم قوانين المنع والحرمان من حق العمل منذ بداية الستينات، حيث اشترط قانون تنظيم عمل الأجانب مبدأ المعاملة بالمثل لمنح الفلسطينيين الحق بالعمل في بعض المهن، وبالتالي منع توظيف الفلسطينيين في اكثر من 70 مهنة تقريباً، بما فيها المهن الحرة.
وفي 27/6/ 2005، أصدر وزير العمل آنذاك مذكرة كان الهدف منها تسهيل دخول الفلسطينيين إلى مجال التوظيف القانوني، الا أن أثر القرار بقي محدوداً، وإن كانت المذكرة قد أتاحت الفرصة في مهن محددة كالموظف وناطور البناية وغيرها فإنها لم تبدل الواقع إزاء الفلسطيني المؤهل لممارسة المهن الحرة، وهم الذين تخرجوا من الجامعات.
وقد أشارت أرقام وزارة العمل حول إجازات العمل للفلسطينيين في لبنان في الفترة الممتدة ما بين عامي 2007 و2009 الى تراجع في أعداد تلك الإجازات الجديدة او تلك التي يعمل الى تجديدها. ففي عام 2007 تم إصدار 105 إجازات للفلسطينيين (102 تجديد إجازة و3 إجازة جديدة)، أما في العام 2008 فقد تراجع الرقم الى 79 إجازة (منها 78 تجديد إجازة و1 إجازة جديدة) فيما شهد العام 2009 المزيد من التراجع في أعداد الإجازات التي وصلت الى 66 إجازة فقط (وجميعها تجديد إجازة ولم تمنح أي إجازة جديدة.
وتبرر الدولة اللبنانية قرارات المنع والحرمان بحجة عدم استيعاب السوق اللبنانية لمزيد من اليد العاملة الأجنبية وعدم قدرتها على توفير فرص العمل للبنانيين، وتارة اخرى بذريعة مواجهة التوطين. وأخرى كي لا تشكل العمالة الفلسطينية منافسة لليد العاملة اللبنانية، علماً ان الفلسطينيين لم يطالبوا يوماً بالعمل في القطاع العام كما هو الأمر في سوريا، بل في القطاع الخاص. اما القول بأن سوق العمل اللبناني لا يستوعب اليد العاملة الفلسطينية، فهذا أمر تدحضه الوقائع، حيث أن اليد العاملة الفلسطينية الموجودة في لبنان محدودة العدد وضئيلة الحجم ولا تتعدى نسبتها 5% من مجموع اليد العاملة الأجنبية الموجودة في لبنان، والتي تقدر بأكثر من مليوني مستخدم يعملون في لبنان بعلم الدولة اللبنانية وموافقتها، وهنا نسأل كيف يمكن لأربعمائة مهندس فلسطيني أن يؤثروا سلباً على أكثر من ثلاثين ألف مهندس لبناني منتمين إلى نقابة المهندسين؟ وكيف يمكن لحوالي مئة وخمسة وثلاثين طبيباً، وخمسين صيدلياً فلسطينياً أن ينافسوا آلاف الأطباء والصيادلة اللبنانيين! ؟.
وأما التذرع بمواجهة التوطين فأيضا يمكن دحضه من خلال النظر الى واقع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا والحاصلين على معظم حقوقهم ولا سيما حق العمل بجميع المهن، ورغم ذلك لم يتم توطينهم او يتخلوا عن حق العودة.
ونتيجة لسياسة الحرمان وفي محاولة لتجاوز هذا الواقع يلجأ الخريجون والمهنيون الى البحث عن فرص عمل في المؤسسات والجمعيات الأهلية، وتُعتبر الأونروا والجمعيات الأهلية قطاعَين مهمين لتوظيف المهنيين والخريجين الفلسطينيين، الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها الصحية والاجتماعية... ويعمل ربع حملة الشهادات الجامعية تقريباً من القاطنين داخل المخيمات في سوق العمل اللبنانية، بينما ترتفع هذه النسبة بين الفلسطينيين خارج المخيمات.
وفي كثير من الأحيان يكون العمل بغير اختصاصهم الجامعي، فيضطروا الى العمل في مهنة أخرى، فنجد مثلا أن القسم الاكبر من الخريجين الحقوقيين تحول الى سلك التعليم خاصة في الانروا فيما بعض المحامين حاولوا التكيف بشكل محدود مع القوانين اللبنانية، حيث يعمل البعض منهم سكرتيراً ومستشارا في مكتب للمحاماة.اما على صعيد المهندسين فغالبيتهم ايضاً يتجهون للعمل في مجال التدريس، وقسم منهم يغادر لبنان عبر التعاقد مع شركات تعمل بالخارج، اما الذين يتاح لهم العمل في مكاتب الهندسة اللبنانية فيتعرضون للكثير من الإستغلال المادي والمعنوي، ولا يتم التعاطي معه كمهندس، بل «FORMAN»، أو « Technical Assistant « وكل الأعمال تقوم على أكتافه لجهة الاشراف على العمل وتنفيذه، لكن الصيغة النهائية تكون بإسم مهندس لبناني، في ظل حرمانه من حقوق الضمان والمساواة في الأجر مع المهندس اللبناني.
وكذلك الحال على صعيد الأطباء حيث نجد العديد منهم يعملون بغير إختصاصهم، وأعداداً محدودة جداً تتوفر لها فرص العمل في المؤسسات الصحية التابعة لوكالة الأنروا، أو في مستشفيات الهلال الأحمر الفلسطيني.
وفي الوقت ذاته، يحرم الفلسطيني من حق إفتتاح عيادة خارج المخيمات، إلا إذا عمل تحت إسم طبيب لبناني، وهنا يضع نفسه أمام الملاحقة القانونية، مثل ما حصل مع بعض الأطباء الفلسطينيين في منطقة البقاع، حيث تم تقديمهم إلى المحاكمة بتهمة مزاولة المهنة دون ترخيص من نقابة الأطباء.
وبالتالي يمكن القول في هذا المجال أن هذه النماذج من الخريجين الفلسطينيين سواء المحامين ام المهندسين ام الاطباء، يمثلون حالة وواقع المهنيين الفلسطينيين والمعاناة التي تواجه الطالب الفلسطيني حينما يأتي موعد إختياره لتخصصه الجامعي، حيث يبدو المشهد سعيداً في كثير من البيوت عندما يأتي موسم حصاد التفوق لأبنائها، أما على المستوى الفلسطيني في لبنان، فإن المشهد يبدو عكس ذلك، حيث أن المتأمل يكاد يبصر إستعدادات لمعركة على وشك أن تبدأ... طرفاها أولياء الأمور وطلاب وطالبات ممتلئون بالأمل ومشاريع المستقبل، في مواجهة قوانين العمل في لبنان التي تتحطم عليها كل آمالهم وطموحاتهم، وتتحول فرحتهم بالنجاح والتفوق إلى أزمة يصعب تجاوزها أو التغلب عليها.
ولعل سياسة الحرمان للمهنيين الفلسطينيين من حملة الشهادات الجامعية من حق العمل تشكل دعوة صريحة للشباب الفلسطيني لعدم الاقبال على طلب العلم خاصة التعليم العالي نتيجة سياسة المنع المطلق الذي يواجه جميع الخريجين.
وفي شهر آب من العام 2010. تفاءل اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بعد طول إنتظار بطرح ملف الحقوق الانسانية في مجلس النواب اللبناني لأول مرة منذ نكبة عام 48 والذي جاء بفعل الضغط الفلسطيني وايضا الدولي الذي مارسته العديد من منظمات حقوق الانسان والهيئات الدولية على الحكومة اللبنانية.
اما لناحية التعديلات التي حصلت في جلسة مجلس النواب، 17/8/2010 فقد تمحور مشروع القانون والنقاش حول تعديل مادة واحدة فقط من قانون العمل (هي المادة 59 من قانون العمل اللبناني) ومادة واحدة من قانون الضمان الإجتماعي (المادة (9 وقد نص القانون بعدما جرى تعديله من قبل لجنة الإدارة والعدل على الغاء مبدأ المعاملة بالمثل بما خص حق العمل للاجراء، مع الإبقاء على إجازة العمل والغاء الرسوم التي كانت مفروضة على العامل الفلسطيني، وضمان حق تعويض نهاية الخدمة، وطوارئ العمل، من قبل صاحب العمل. الى جانب الزام العامل الفلسطيني بدفع المستحقات بانواعها الثلاثة والاكتفاء بمنحه فقط تعويض نهاية الخدمة، وتشكيل صندوق خاص بالعمال الفلسطينيين، علما ايضاً انه لم يصدر أي مرسوم تطبيقي بما اقر في البرلمان اللبناني بعد صدوره لأكثر من عام.
وبالتالي ان ما تم إقراره يعني عملياً إستمرار تقييد عمالة الفلسطينيين في القطاع الخاص وإستثناء المهن الحرة، خاصة تلك المرتبطة بالنقابات، كما الإبقاء على إجازة العمل للعمال والأجراء يبقي فئة كبيرة من الشعب الفلسطيني رازحة تحت وطأة الحرمان من حق العمل، كما يبقى الحصول على اجازة العمل خاضعاً أولاً وأخيراً الى تعاطف أو عدم تعاطف أجهزة وموظفي وزارة العمل مع الفلسطينيين. كما إكتنف الغموض ايضاً صيغة الزام الأجير الفلسطيني ورب عمله بدفع رسوم للضمان الاجتماعي، دون إمكانية الإستفادة من خدماته.
وكخلاصة، فإن تعديلات البرلمان اللبناني وإن كانت تشكل خطوة محدودة جداً، إلا أنها بقيت منقوصة وجزئية بعد أن إختصرت الحقوق الانسانية بحق العمل فقط وبشكل مجزوء أيضاً، وهي تعديلات لم تستجب إلى الحد الأدنى من الحقوق التي يطالب بها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، ولا سيما ما يتعلق منها بحق العمل بما يشمل المهن الحرة، والغاء إجازات العمل وإعتماد المساواة في الحق بالإفادة من صندوق الضمان الاجتماعي أسوة بالعامل للبناني. وضرورة إعفاء الفلسطيني من مبدأ المعاملة بالمثل. خاصة وأن هذا الإشتراط بالمعاملة بالمثل لا يمكن تطبيقه على اللاجئين الفلسطينيين الذين ما زالت أرضهم محتلة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني (أشد) في لبنان.
المصدر: اللواء