الموقف الامريكي يخضع بشكل كامل للمخطط
الصهيوني
كاظم عايش*
بعد قرار الحكومة الأمريكية بتقليص الدعم المقدم
للأونروا، وفشل الاجتماعات المتعاقبة للمانحين واللجنة الاستشارية والمساندين
الاخرين في تجاوز هذه العقبة وبقاء العجز المالي بقيمة ما يقارب الثلاثمائة مليون
دولار، فإن إدارة الوكالة أصبحت أمام تحديات حقيقية تتعلق ببرامج الخدمات المقدمة
للاجئين في مناطق عملياتها الخمس، وفي مقدمتها البرنامج التعليمي وهو الأكبر
والأهم، حيث يتلقى أكثر من نصف المليون من التلاميذ تعليمهم الأساسي، ويتم تشغيل
ما يزيد عن خمسة عشر ألفاً من الموظفين، والذين يعيلون عائلاتهم، هذا بالإضافة إلى
العديد من موظفي المياومة والعاملين في البرامج الطارئة، والذين تم الاستغناء عن
خدماتهم فور الإعلان عن تقليص الدعم ، مما تسبب في مشاكل حقيقية في بيئة اقامة
اللاجئين.
ومن المعلوم أن الأردن يستضيف العدد
الأكبر من اللاجئين، حيث يبلغ عدد اللاجئين المسجلين في سجلات الانروا المليونين
(من 5,266,603 لاجيء مسجل في الاونروا). ويعتمد اللاجئون المقيمون في ثلاثة عشر
مخيما اعتمادا كاملا على الخدمات التعليمية والصحية التي تقدمها الأونروا. إضافة
إلى اعداد أخرى كبيرة تفوق عدد المقيمين في المخيمات في تجمعات اللاجئين في عمان
والزرقاء واربد والاغوار، والذين يستفيدون من الخدمات التعليمية والصحية والاغاثية
(في حدها الادنى) .
ولا يخفى على أي متابع لخدمات الانروا
أنها كانت تتقلص وبشكل منهجي منذ فترة طويلة من الزمن، كمّاً ونوعاً، ولا تراعي
متطلبات التطور ولا زيادة الاعداد، بل وتتأثر بشكل مباشر بالتقلبات السياسية، مما
شكل حالة من عدم الاستقرار في ادارتها وبيئتها. وبالرغم من أن الاونروا كانت ولا
تزال تتلقى دعما معنويا من الهيئة العامة للامم المتحدة، التي تقوم بتجديد ولايتها
كل ثلاث سنوات بأغلبية ساحقة، الا أن ذلك لم ينعكس ايجابا على سياسة ادارتها التي
أبقت على حالة عدم الاستقرار وغياب الامن الوظيفي لدى مستخدميها، حيث يبرز العجز
المالي المفتعل على الدوام أمام أي مطالبات لتحسين الوضع الوظيفي للعاملين فيها،
والذي ينعكس بدوره على الخدمات المقدمة للاجئين بشكل أو بآخر، ويجعل بيئة العمل
طاردة للكفاءات والمستفيدين من خدمات الوكالة، ويظهر ذلك جليا في الأردن، حيث
يغادر التلاميذ مدارس الاونروا إلى مدارس حكومية، ويتراجع عدد التلاميذ بشكل
ملحوظ، وكذلك الوظائف تبعا لذلك، اضافة إلى الغاء العديد من البرامج والمؤسسات
وتقليص دورها تمهيدا لإلغائها كما حدث لبرنامج المراكز النسائية ومعهد التربية
وبرنامج الاشراف التربوي وعهد التربية وبرنامج الاغاثة.
وفي الوقت الذي تمر به المنطقة بشكل
كامل، والأردن بشكل خاص بحالة من الركود الاقتصادي وارتفاع نسبة الفقر والبطالة
بشكل غير مسبوق، اضافة إلى اغلاق اسواق العمل الخارجية أمام الخريجين، فان قرار
الاونروا بتقليص خدماتها سيشكل عبئا اضافيا، ويتسبب في معاناة كبيرة للاجئين الذين
يعانون أصلا وضعا اقتصاديا خاصا بهم. هذا بالاضافة إلى أن الاونروا تشغّل اعدادا
من اللاجئين الذين لا يحملون الجنسية الأردنية، ولا يمكنهم العمل في المؤسسات
الحكومية، من ابناء قطاع غزة والضفة. وقد أدى الاستغناء عن موظفي المياومة إلى
مشكلة كبيرة في القطاع الصحي، حيث إن عدد عمال النظافة اصلا لا يكفي للقيام
بعملهم، حيث تتراكم النفايات في احياء وشوارع المخيمات، ويهدد الصحة العامة بشكل
خطير، وقد يؤدي إلى مشاكل تتضاعف آثارها وتتحول إلى ازمات وكوارث بيئية.
ان اشتراطات الادارة الأمريكية على
الاونروا لاستمرار دعمها لها من إحداث تغييرات في المناهج الدراسية والتزام
الحيادية وشطب كل ما له علاقة بحق العودة وقضية اللاجئين، واسقاط هوية القدس
كعاصمة للدولة الفلسطينية والغاء ما يخص النضال والمقاومة، وشطب تعبير الانتفاضة
الفلسطينية، والغاء الانشطة والفعاليات المتعلقة بفلسطين كوعد بلفور والنكبة
والنكسة، وعدم التعاطي مع اي نشاط سياسي، هذه الاشتراطات لا يمكن تفسيرها الا بخضوع
الموقف الامريكي بشكل كامل للمخطط الصهيوني، وهذا يجعل من أمريكا تابعا لدولة
الاحتلال وليس راعيا لعملية سلام، وهو أيضاً يخالف القرارات الدولية التي صدرت عن
الامم المتحدة، والتي تنص على تمكين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم، وتعتبر
الكيان الصهيوني دولة احتلال، وتحرم الفلسطينيين من حقوقهم الاساسية التي كفلتها
لهم شرعة حقوق الانسان، وتظهر أمريكا بالدولة الفاقدة للاهلية، وهي تدعم دولة
اتصفت بالعنصرية والتمييز بين مواطنيها والتجاوز على حقوقهم والتنكر لكل القرارات
الدولية.
ان تهديد الحياة الكريمة لستة ملايين لاجيء،
ووضعهم في مواجهة مخاطر حقيقية، ووضع مجتمعات بكاملها أمام مخاطر سياسية حقيقية
تهدد السلم والامن في المنطقة، لا يمكن أن تتغافل عنه أمريكا والدول الأخرى
المهتمة بهذه البساطة، والذي قد يولد معادلات جديدة وغير متوقعة، تجعل من يسعى
لوقف أعمال الأونروا يندم حيث لا ينفع الندم.
* رئيس الجمعية الأردنية للعودة
واللاجئين